سقف وعود عال يعمق الفجوة بين الأردنيين وحكومتهم

الأردنيون لا يلمسون أي أثر لبرنامج التحديث الاقتصادي.
الثلاثاء 2023/08/29
للصبر حدود

تبدو خيارات الإصلاح الاقتصادي ضيقة أمام المملكة الهاشمية، وهو ما دفعها إلى التوجه لصندوق النقد الدولي الذي وضع شروطا لا اجتماعية لمرافقة عمان في مساعيها الإصلاحية.

عمّان - وجدت الحكومة الأردنية نفسها بعد عام على إطلاق برنامج التحديث الاقتصادي والاجتماعي في المملكة أمام سيل من الغضب والانتقادات، أرجعه محللون إلى سقف الوعود العالي وغير المدروسة التي تم تسويقها ويصعب الإيفاء بها.

ووجد نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ناصر الشريدة خلال مؤتمر صحفي في ختام ملتقى “عام على التحديث” نفسه أمام أسئلة حرجة تتعلق جلها بأثار رؤية التحديث السياسي، ما يعكس غضبا شعبيا بدا واضحا ويزيد تعميق الهوة بين الأردنيين وحكومتهم التي تواجه مطالب بتغييرها ويحملها الأردنيون قسما كبيرا من تدهور مقدرتهم الشرائية وزيادة الأعباء المعيشية.

وقال الشريدة ردا على سؤال متى سيلمس المواطن آثار رؤية التحديث الاقتصادي عبر زيادة الدخل وتراجع معدلات الفقر، إن التحديات الحالية وليدة تراكم سنوات، ورؤية التحديث أتت بخارطة طريق ونتائجها ستخفف المشاكل الموجودة.

وأضاف الشريدة “المواطن سيبدأ تدريجيا بالشعور بأثر إيجابي وذلك خلال السنوات العشر المتعلقة بالخطة”.

وأطلق العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، العام الماضي، رؤية التحديث الاقتصادي، المنبثقة عن مخرجات ورشة العمل الاقتصادية الوطنية، التي عقدت في سياق التحديث للمسارات السياسية والاقتصادية والإدارية في البلاد.

زيان زوانة: على الحكومة ألا ترفع سقف التوقعات كثيرا لدى المواطن
زيان زوانة: على الحكومة ألا ترفع سقف التوقعات كثيرا لدى المواطن

وتتمحور رؤية التحديث الاقتصادي للمملكة حول شعار “مستقبل أفضل” وتقوم على ركيزتين إستراتيجيتين: النمو المتسارع من خلال إطلاق كامل الإمكانات الاقتصادية، والارتقاء بنوعية الحياة لجميع المواطنين، بينما تشكل الاستدامة ركنا أساسيا في هذه الرؤية المستقبلية، وفقا لصحيفة الغد الأردنية.

وتتمثّل إحدى ركيزتي الرؤية في إطلاق كامل الإمكانات للاقتصاد على مدى العقد المقبل، والتركيز على القطاعات الناشئة والواعدة وذات الإمكانات العالية للنمو، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الفرص الاقتصادية للمواطنين وزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل.

وترمي الرؤية إلى تحقيق 3 أهداف إستراتيجية اقتصادية متكاملة، هي: إتاحة المزيد من فرص الدخل للمواطنين، وزيادة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وتحسين مكانة الأردن في مؤشر التنافسية العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.

وقال الخبير الاقتصادي زيان زوانة إن الحكومة لا تستطيع عمل الكثير خلال عام واحد من إطلاق رؤية التحديث الاقتصادي مهما فعلت.

وأضاف زوانة في تصريح لإذاعة محلية “على الحكومة ألا ترفع سقف التوقعات كثيرا لدى المواطن، وأن تكون شفافة بتزويده بالمعلومات”.

وأوضح أن “الخطاب الرسمي الحكومي لا يلامس هموم المواطن”، مشيرا إلى أن “أولويات الحكومة يجب أن تلامس مشاكل المواطن الأساسية والحقيقية”.

واعتبرت لما جمال العبسة، الخبيرة الاقتصادية الأردنية، أن “الرؤية الاقتصادية التي أطلقها الأردن تحت شعار ‘مستقبل أفضل’ جاءت بناء على ورش العمل التي وجه الملك الحكومة خلالها لمزج آراء أصحاب الخبرة والاختصاص بالقطاعين العام والخاص، وخرجت كل ورشة بعدة توصيات تتعلق بالقطاعات الاقتصادية، مثل البيئة التشريعية، واحتياجات القطاعات، وكيفية دعم الاستثمارات القائمة وجذب أخرى جديدة وما إلى ذلك”.

الحكومة الأردنية الحالية غير قادرة بسياساتها إلى الآن على التعامل مع المشاكل الاقتصادية التي تواجهها

وأضافت العبسة “الخطة التي أعلنتها الحكومة طموحة وجيدة في مجملها، لكنها تصطدم بالكثير من العقبات، التي تحتاج إلى توضيح من الحكومة عن كيفية تخطيها، أهمها الفترة الزمنية المحددة بـ10 سنوات وهي كافية لتحديث كل القطاعات الاقتصادية، في حين مشروع واحد مثل مشروع ‘الباص السريع’ عملت عليه 6 حكومات، على مدار 15 عاما”.

وأكدت أن “ما تحتاجه الحكومة، وأول ما يعرقل الاستثمارات في الأردن، سواء التوسع فيها أو جذب استثمارات جديدة، هو البيئة التشريعية، فالملك على مدى حكومات سابقة وصولا إلى الحكومة الحالية، كان ينادي بضرورة تحديث وتطوير البيئة التشريعية في الأردن، وهو أول شيء يقف أمام المستثمر”.

وتابعت “هناك تعقيدات كثيرة تقف حائلا ضد تحقيق طموحات الرؤية، أهمها الإجراءات وغياب النافذة الواحدة، وأن الخروج بتشريع يأخذ وقتا طويلا جدا، وهو شيء طارد للاستثمار، ناهيك عن ارتفاع التكاليف الخاصة بمدخلات الإنتاج، وارتفاع أسعار الطاقة التي تزيد باستمرار، وكذلك الكهرباء والمياه، وارتفاع تكاليف المعيشة والتضخم وارتفاع الجمارك”.

وأكدت أن “الرؤية يمكن أن تفيد الاقتصاد الأردني بالشكل الأمثل، خلال السنوات القادمة”، لكنها شددت على “ضرورة قيام الحكومة بعمليات جراحية سريعة لتذليل كافة العقبات“.

ويعاني الأردن من أزمة اقتصادية خانقة، حيث ترتفع مؤشرات البطالة والمديونية العامة والعجز في الموازنة، وزاد من حدتها تراجع المساعدات الخارجية وارتفاع تكاليف اللجوء السوري، ولجوء الحكومات إلى حلول تقليدية أهمها زيادة الضرائب على المواطنين.

الأردن يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، حيث ترتفع مؤشرات البطالة والمديونية العامة والعجز في الموازنة

ونتج عن الترفيع في أسعار المحروقات والضرائب مؤخرا حراك اجتماعي كاد أن ينحرف عن مساره السلمي، نجحت الحكومة الأردنية في تبريده بشق الأنفس، لكن مراقبين يحذرون من اندلاع شرارته مجددا مع توجهات حكومية لرفع الضرائب وأسعار الغذاء تناغما مع ارتفاع الأسعار عالميا.

ويفرض الأردن ضرائب على الماء والكهرباء، والمشتقات النفطية، والأدوية، وملابس الأطفال، والسيارات، وغير ذلك الكثير، الأمر الذي أدى إلى انخفاض معدلات الدخول الحقيقية للأفراد والمجتمع.

ويقول محللون إن الحكومة الأردنية الحالية غير قادرة بسياساتها إلى الآن على التعامل مع المشاكل الاقتصادية التي تواجهها، وهي تلجأ إلى فرض المزيد من الضرائب على الشعب بهدف زيادة إيراداتها، وذلك دون البحث عن حلول جديدة مبتكرة، أي إن حال الحكومة هي حال الحكومات السابقة كحكومة جباية، ولا توجد لديها سياسات اقتصادية واجتماعية مستقلة وجديدة للتعامل مع المشاكل التي تواجهها.

ويقول المحللون إن موازنة العام 2023 لا تختلف عن سابقاتها، ولم تلتفت إلى القضايا الأساسية التي تهم المواطنين، مطالبين بتخفيض ضريبة المبيعات، وفرض ضريبة على البنوك والشركات الكبرى، وتخفيض ضريبة المحروقات.

وشكلت الإيرادات الضريبية نسبا مرتفعة من حجم الموازنة، إذ بلغت تحصيلات الإيرادات من الضريبة العامة على المبيعات نحو 4200 مليون دينار، مسجلة بذلك نموا نسبته 4 في المئة عن الموازنة الماضية.

وأقرت الحكومة الأردنية في الأول من ديسمبر الماضي موازنة عام 2023، متوقعة أن يبلغ عجز الموازنة بعد المنح الخارجية 2.5 مليار دولار، وأن يبلغ التضخم 3.8 في المئة، وبمعدل نمو حقيقي يبلغ 2.7 في المئة.

وتقر الحكومة الأردنية بصعوبة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وتراجع القدرات الشرائية للمواطنين وتشوه العبء الضريبي وارتفاع البطالة التي ولّدت حالة من الإحباط لدى الشباب، لكنها تقول إن الخروج من تلك الحالة يحتاج إلى وقت لإنجاز البرامج الإصلاحية الاقتصادية، وهو تبرير محل تشكيك في صدقيته.

2