سفير مالي الجديد يضع الأزمة مع الجزائر على سكة الحل

دور روسي وارد في دفع باماكو لمراجعة أوراقها داخل محيطها الإقليمي.
الخميس 2025/03/20
خطوة نحو تجاوز الخلافات

عيّنت مالي سفيرا جديدا لها في الجزائر، وهو ما اعتبره مراقبون خطوة إيجابية ببصمة روسية واضحة، لتجاوز الأزمة القائمة بين البلدين بعد سنوات من التوتر والسجال المتبادل.

الجزائر - أبدى السفير المالي الجديد في الجزائر محمد أماغا دولو، خلال التصريح الذي أدلى به عقب استقباله من طرف الرئيس عبدالمجيد تبون، تفاؤلا بشأن علاقات البلدين، وقدرتها على تجاوز التحديات التي تواجههما، مما يلمح إلى فرص ونوايا لدى الطرفين من أجل حل خلافاتهما، التي وصلت حد السجال الدبلوماسي والاحتكاك العسكري في وقت سابق.

وأكد محمد أماغا دولو، عقب استقباله من طرف الرئيس تبون، بأن بلاده تتقاسم مع الجزائر مصيرا مشتركا في مجالات السلم والأمن والتنمية، وأن البلدين تربطهما روابط عريقة، وهو ما يعتبر تحولا لافتا في الخطاب الدبلوماسي لباماكو، التي كانت في أشهر قليلة، تتهم الجزائر برعاية الإرهاب وتهديد الوحدة والسيادة الوطنيتين لمالي.

وصرح السفير الجديد، بعد تقديم أوراق اعتماده للرئيس الجزائري، بالقول: “انتهزت الفرصة لنقل التحيات الأخوية والودية من أخيه ونظيره، الجنرال آسيمي غويتا، رئيس المرحلة الانتقالية ورئيس دولة جمهورية مالي، وفي إطار مهمتي، أود أن أبذل كل الجهود لتعزيز التعاون والعلاقات الأخوية والودية التي تربط مالي بالجزائر.”

ولفت المتحدث، إلى أنه تطرق مع الرئيس تبون، إلى “العلاقات الثنائية وضرورة العمل سويا من أجل تجاوز التحديات المشتركة، وأن مالي والجزائر دولتان شقيقتان، يجمعهما التاريخ والجغرافيا، علاوة على الروابط العريقة والمصير المشترك في مجالات السلم والأمن والتنمية، وعليه أتمنى دعم الحكومة والشعب الجزائريين، اللذين أتمنى لهما رمضانا مباركا.”

وتشكل الخطوة الجديدة، تحولا لافتا في مسار علاقات البلدين التي توترت خلال السنوات الأخيرة إلى حد السجال الدبلوماسي وحتى الاحتكاك العسكري، حيث ظلت الجزائر مناهضة لاستحواذ المجلس العسكري على السلطة في مالي، بينما أدارت النخبة الحاكمة في باماكو ظهرها للجزائر، خاصة بعد الانفتاح على شراكات جديدة كالروس والأتراك، بينما تم طرد فرنسا والتضييق على الدور الجزائري في المنطقة، بما في ذلك وقف العمل باتفاق المصالحة الوطنية الذي رعته الجزائر من العام 2015.

◙ مراقبون اعتبروا أن البصمة الروسية تبدو واضحة في التقارب المفاجئ بين الجزائر وباماكو بعد سنوات من التوتر

ويرى متابعون لشؤون المنطقة، أن البصمة الروسية تبدو واضحة في التقارب المفاجئ بين سلطات الجزائر وباماكو بعد سنوات من التوتر والسجال المتبادل، فالجزائر التي استعادت التوازن الى علاقتها مع روسيا في الآونة الأخيرة، تكون قد وظفت ذلك في فرض مقاربة ورؤية جديدة للوضع الجيوسياسي في المنطقة، من خلال استغلال النفوذ الروسي لدى حكومات الساحل، في إعادة توجيه النخبة الحاكمة بمالي إلى الخارطة التقليدية.

وإلى غاية مطلع العام الجاري، كانت حكومة مالي تتهم الجزائر بـ”دعم مجموعات إرهابية” في شطرها الشمالي الذي يشهد تمردا للطوارق، وتدعوها لـ”الكف عن جعل مالي رافعة لتموضعها الدولي.”

وقال حينها بيان لوزارة الخارجية المالية، إنها “تبلغت عبر الصحافة تصريحات” وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف والتي علق فيها على الإستراتيجية المالية لمكافحة الإرهاب، ولذلك تندد بشدة بهذا التدخل الجديد للجزائر في الشؤون الداخلية لمالي، وأنها سبق أن أدانت “قرب الجزائر وتواطؤها مع المجموعات الإرهابية التي تزعزع استقرار مالي.”

وشددت على أن “الخيارات الإستراتيجية لمكافحة المجموعات الإرهابية المسلحة المدعومة من دول أجنبية، تندرج فقط في إطار سيادة مالي وجارتيها بوركينا فاسو والنيجر، والتي شكلت معهما كونفدرالية بعد انسحاب الدول الثلاث من المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا، ولذلك فان الجزائر مدعوة للكف عن جعل مالي رافعة لتموضعها الدولي.”

وقبل ذلك بعام تقريبا، أعلن المجلس العسكري المالي، “إنهاء اتفاق السلام الذي وقع في الجزائر عام 2015 بمفعول فوري، واعتبره كأنه لم يكن منذ تجدد الأعمال العدائية العام 2023 ضد الدولة المركزية والجيش المالي من قبل مجموعات انفصالية يهيمن عليها الطوارق، إثر انسحاب بعثة الأمم المتحدة (مينوسما) بناء على مطالبة المجلس العسكري بعد انتشار استمر عشرة أعوام.

ويعد التواصل الرسمي بين البلدين، الأول من نوعه خلال السنوات الأخيرة، حيث كانت الجزائر تعد الضحية الأولى للتحولات التي استجدت منذ العام 2020 في منطقة الساحل، وفيما كانت العلاقات الثنائية مع النيجر قد حافظت على حد أدنى من التعاون والتواصل، خاصة في المجال الاقتصادي والطاقي، فإن قطيعة غير معلنة سادت السنوات الأخيرة بين البلدين.

وتتمسك الجزائر، برؤيتها التي تعتبر الانفصاليين الطوارق جزء من الشعب المالي، وأن اتفاق الجزائر أمّن مصالحة شاملة في البلاد، بما فيهم المكون الطارقي، بينما تعتبرهم السلطات العسكرية الحاكمة، مجموعات إرهابية مدعومة من طرف الجزائر، وأنهم يسعون إلى تفكيك وحدة وسيادة مالي، ولذلك فتحت ضدهم حملات عسكرية لملاحقة الانفصاليين، لكن سقوط ضحايا مدنيين، أوقع الجيش المالي في دائرة الاتهامات بارتكاب جرائم ضد المدنيين، وممارسة العنصرية والتمييز بين أبناء البلد الواحد.

وكانت النظام المالي الحاكم، قد غير شراكاته الجيوستراتجية، في إطار تحالف دول الساحل الأفريقي المتمردة على النفوذ الغربي والفرنسي تحديدا، ولذلك توجهه العقيد عصيمي كويتا، إلى إرساء علاقات وثيقة مع الروس والأتراك خاصة في مجال التسليح واللوجستيك، مما شكل تهديدا صريحا للأمن الإستراتيجي للبلاد، بعد وصول ملاحقاته وضرباته ضد المجموعات الطارقية، إلى غاية المسافة صفر بحسب شهود عيان.

4