سفن تجارية تخفي مواقعها في البحر الأحمر تجنبا لهجمات الحوثيين

لندن - يرسو عدد من سفن الحاويات في البحر الأحمر وأوقف عدد آخر أنظمة التتبع لديه بينما يعدل التجار مسارات رحلاتهم وأسعارها بسبب الهجمات التي تشنها جماعة الحوثي اليمنية المتحالفة مع إيران على طريق التجارة الرئيسي بين شرق العالم وغربه.
وأثارت الهجمات التي وقعت في الأيام الماضية على السفن في طريق الشحن الرئيسي في البحر الأحمر مخاوف من تعطل التجارة الدولية مجددا على غرار ما حدث في أعقاب الاضطرابات الناجمة عن جائحة كوفيد-19 من جهة، ومدى تأثر قناة السويس من جهة أخرى.
كما دفعت لتشكيل قوة دولية بقيادة الولايات المتحدة للقيام بدوريات في المياه بالقرب من اليمن.
ويرتبط البحر الأحمر بالبحر المتوسط عن طريق قناة السويس، التي تشكل أقصر طريق ملاحي بين أوروبا وآسيا. ويمر نحو 12 بالمئة من حركة الشحن العالمية عبر القناة.
وتعد القناة إحدى نقاط الاختناق الجغرافية السبع وهي بالغة الأهمية لتجارة النفط العالمية، كما أنها عرضة للتعطل أو هجمات القراصنة.
وأعلنت شركات شحن كبرى، منها هاباج لويد وإم.إس.سي وميرسك، وشركة النفط الكبرى بي.بي ومجموعة ناقلات النفط (فرونت لاين) أنها ستتجنب طريق البحر الأحمر وستغير مسار رحلاتها عبر رأس الرجاء الصالح الذي يمر بالجزء الجنوبي من أفريقيا.
كما أعلنت مجموعة "ولينيوس فيلهلمسن" البحرية، اليوم الثلاثاء، أنها أعادت توجيه جميع السفن المقرر أن تعبر البحر الأحمر إلى رأس الرجاء الصالح بسبب تدهور الوضع الأمني في المنطقة.
لكن العديد من السفن لا تزال تبحر في الممر المائي. وأظهرت بيانات من (إل.إس.إي.جي) وجود حراس مسلحين على متن عدد من السفن التي تبحر حاليا.
وجاء في البيانات أن ما لا يقل عن 11 من سفن الحاويات التي مرت عبر قناة السويس وتقترب من اليمن حاملة سلعا استهلاكية وحبوبا لدول مثل سنغافورة وماليزيا والإمارات، ترسو الآن في البحر الأحمر بين السودان والسعودية.
وأظهرت البيانات أن أربع سفن حاويات تابعة لشركة (إم.إس.سي) في البحر الأحمر أوقفت تشغيل أجهزة الإرسال والاستقبال لديها منذ يوم الأحد، حتى لا يرصد أحد مكان وجودها على الأرجح.
وقال إيوانيس باباديميتريو، كبير محللي الشحن في فورتيكسا، إن بعض السفن تحاول إخفاء مواقعها عن طريق إرسال إشارات تظهر أنها في مواقع أخرى كإجراء احترازي عند دخول الساحل اليمني.
وأوقفت شركة ميرسك الدنمركية الجمعة عبور جميع شحنات الحاويات من البحر الأحمر بعد "حادث وشيك" تعرضت له سفينتها (ميرسك جبل طارق) يوم الخميس. وأظهرت بيانات (إل.إس.إي.جي) أن عددا من السفن الراسية في البحر الأحمر تابعة لشركة ميرسك.
وقالت الشركة اليوم الثلاثاء إن السفن التي أوقفت رحلاتها في وقت سابق وكانت من المقرر أن تبحر عبر جنوب البحر الأحمر وخليج عدن ستغير مسارها حول أفريقيا.
ودخلت جماعة الحوثي في الصراع بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) من خلال مهاجمة السفن في ممرات الشحن الحيوية وإطلاق طائرات مسيرة وصواريخ على إسرائيل، على بعد أكثر من 1600 كيلومتر عن العاصمة صنعاء.
وتقول الجماعة المدعومة من إيران إنها تدعم الفلسطينيين الذين يئنون تحت الحصار الذي تفرضه إسرائيل عليهم في قطاع غزة.
وهاجم الحوثيون سفينتي شحن تجاريتين جنوب البحر الأحمر الاثنين.
وتقول مصادر إن مدى تأثر التجارة العالمية سيتوقف على مدة استمرار الأزمة، لكن أقساط التأمين والطرق الأطول ستشكل أعباء آنية.
وقال باباديميتريو من فورتيكسا اليوم الثلاثاء إن تكلفة نقل النفط الخام من الشرق الأوسط إلى أوروبا عبر إحدى ناقلات (سويزماكس) ارتفعت 25 بالمئة خلال أسبوع.
وقال بنك غولدمان ساكس الاثنين إنه من غير المرجح أن يكون لتعطل تدفقات الطاقة في البحر الأحمر آثار كبيرة على أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي المسال، لأنه يمكن إعادة توجيه السفن.
وأضاف البنك "تشير تقديراتنا إلى أن عملية إعادة توجيه افتراضية طويلة الأمد لجميع تدفقات النفط (المتجهة شمالا وجنوبا) البالغة سبعة ملايين برميل يوميا سترفع أسعار النفط الخام الفورية مقارنة بالأسعار طويلة الأجل بمقدار ثلاثة إلى أربعة دولارات للبرميل".
وقال مشتر آسيوي لمادة النفتا البتروكيماوية التي تصدرها أوروبا إن السفن التي تنقلها لا تزال تستخدم طريق البحر الأحمر، مشيرا إلى أن عملية إعادة توجيه السفن عبر رأس الرجاء الصالح ستستغرق ما بين سبعة و14 يوما إضافية.
وقال سماسرة بحريون إن بعض مالكي ناقلات النفط يدخلون بندا جديدا لإدراج خيار رأس الرجاء الصالح في عقود الشحن التي يبرمونها كإجراء احترازي.
وقال مصدر مطلع بشركة ساينياو اللوجستية التابعة لشركة علي بابا إن أوقات تسليم الشحنات ورسوم الشحن قد تزيد قليلا، ولكن بشكل عام فإن عملية إعادة توجيه السفن لن يكون لها تأثير يذكر على الأعمال.
ويثير انخراط الحوثيين في الحرب الدائرة في قطاع غزة باستهداف السفن في البحر ومضيق باب المندب قلق مصر بشأن تأثر عائدات قناة السويس، خصوصا في ظل الأزمة المالية والاقتصادية التي تمر بها البلاد.
وقالت إدارة معلومات الطاقة الأميركية نقلا عن بيانات فورتيكسا إن نحو 9.2 مليون برميل يوميا من النفط تدفقت عبر القناة في النصف الأول من 2023، وهو ما يمثل نحو تسعة بالمئة من الطلب العالمي.
وقالت شركة إنرجي أسبكتس الاستشارية إن حوالي أربعة بالمئة من واردات الغاز الطبيعي المسال العالمية وتقدر بنحو 391 مليون طن في عام 2023 حتى الآن مرت عبر القناة.
وتعد إيرادات الرسوم التي يدفعها أصحاب السفن مصدرا مهما للدخل بالنسبة للاقتصاد المصري، وبلغت مستوى قياسيا عند 9.4 مليار دولار في العام حتى 30 يونيو.
ويمكن للقناة استيعاب أكثر من 60 بالمئة من إجمالي الأسطول العالمي للناقلات عند تحميلها بالكامل، وأكثر من 90 بالمئة من ناقلات البضائع السائبة. ويمكنها أيضا استيعاب جميع ناقلات الحاويات وناقلات السيارات وسفن البضائع العامة.
ويمكن للسفينة التي تحمل الخام السعودي من الخليج أن تصل إلى روتردام، على سبيل المثال، على مسافة تبلغ 6436 ميلا بحريا إذا عبرت القناة. ويؤدي المسار حول أفريقيا إلى زيادة المسافة إلى 11169 ميلا بحريا، مما يزيد الوقت والتكلفة لمالك السفينة
وفي 17 ديسمبر، قالت هيئة قناة السويس إنه منذ 19 نوفمبر غيرت 55 سفينة مسارها إلى طريق رأس الرجاء الصالح، بينما مرت 2128 سفينة عبر القناة في الفترة نفسها.
وقال أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس إنه في 17 ديسمبر مرت عبر القناة 77 سفينة من بينها بعض السفن التابعة لخطوط ملاحية أعلنت تحويل مسارها مؤقتا. وكانت تلك السفن موجودة بالفعل في منطقة البحر الأحمر قبل إصدار القرارات.
واستبعد نصر سالم، رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق بقناة السويس وأستاذ العلوم الاستراتيجية، أن تتأثر الملاحة في قناة السويس سلباً مع تلك الهجمات.
وقال في تصريح لقناة "روسيا اليوم" إن هذا الأمر لن يؤثر على حركة الملاحة بالبحر الأحمر بشكل عام وقناة السويس على وجه الخصوص، ولكنه يستهدف السفن الإسرائيلية فقط.
ولفت إلى أن "ما يفعله الحوثيون، وما تشهده المنطقة بشكل عام سببه في المقام الأول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وما تقوم بها من استهداف للأبرياء"، مشيرا إلى أن "الضغط الإسرائيلي هو ما أدى إلى الانفجار في المنطقة، وهذا ما حذرته منه الدولة المصرية مرارا وتكرارا بأن العملية ستخرج عن السيطرة".
وكشف عن وجود 3 تجمعات بحرية تقودها الولايات المتحدة لتأمين الملاحة في البحر الأحمر والخليج ومضيق هرمز وباب المندب، وأن تلك المجموعات تشترك فيها أكثر من 22 دولة لتأمين الملاحة، وأن "المنطقة ليست في حاجة إلى قوات بحرية جديدة لتأمين الممرات المائية".
وشدد على أن ما يحدث حاليا هو أحد مظاهر الخروج عن السيطرة، مشيرا إلى أن الحوثيين لن يستهدفوا أي سفن أخرى، وقبل ذلك استهدفوا سفنا أميركية وتم الرد عليهم من قبل القوات الأميركية ولم تتأثر حركة الملاحة الدولية، مشيرا إلى أن الأمر لن يؤثر على حركة الملاحة في البحر الأحمر.
وأكد على أن إثارة مخاوف دول المنطقة من تهديدات الحوثيين باستهداف السفن وتهديد حركة الملاحة الدولية والعالمية بالبحر الأحمر "هي دعوات إسرائيلية من أجل استمالة دول المنطقة إليها"، مشيرا إلى أن "السبب الرئيسي في كل ما يحدث في المنطقة، ومن توسيع دائرة الصراع هي إسرائيل فقط".
وأوضح أن "كافة الأمور ستصبح جيدة في البحر الأحمر وفي جميع المنطقة، مشيرا إلى أن الحوثيين لم يفعلوا شيئا مع إسرائيل قبل عدوانها على غزة، فمصدر عدم الاستقرار في المنطقة هو إسرائيل".