سعي تركي محموم لتثبيت موطئ قدم في القرن الأفريقي

المساعدات البعيدة عن أنظار الاتحاد الأفريقي ورقة تركيا الرابحة، والصومال يحاول الالتحاق بركب الترتيبات الجديدة بالمنطقة.
الخميس 2018/11/08
مساعدات تركية ملغومة
 

تسعى تركيا إلى الالتحاق بركب الترتيبات الجيواستراتيجية الجديدة في منطقة القرن الأفريقي وتثبيت موطئ قدم فيها عبر بوابة الصومال المنهك من آفة الإرهاب والحروب الأهلية، على إثر المصالحة التاريخية بين إثيوبيا وإريتريا التي لعبت فيها دول خليجية وغربية دورا مهما في الدفع نحو تتويجها، ما يفتح آفاق سلام وتنمية كبيرة أمام دول المنطقة.

مقديشو - وصل وزير الدفاع التركي خلوصي أكار الأربعاء، إلى مطار مقديشو الدولي في زيارة رسمية تستمر لمدة يومين، ليبحث مع المسؤولين الصوماليين التعاون المشترك بين الهيئات الأمنية في البلدين، في ثاني زيارة لمسؤولين أتراك رفيعي المستوى بعد المصالحة الإثيوبية الإريترية.

ويرى مراقبون أن تكثيف المسؤولين الأتراك لنشاطهم في الصومال، يكشف السعي التركي المحموم لإيجاد موطئ قدم في منطقة القرن الأفريقي، يأتي على خلفية شعور أنقرة بأن الأحداث تجاوزتها هناك، مع إعلان المصالحة الإريترية الإثيوبية.

ويمثل الدعم اللوجستي التركي للجيش الصومالي تحت يافطة المساعدة في محاربة الإرهاب إحدى الأوراق التركية لتثبيت موطئ قدم في المنطقة.

وتخفي المساعدات العسكرية التركية للجيش الصومالي، حسب مراقبين، رغبة تركية جامحة في الوصول إلى المنافذ البحرية في القرن الأفريقي، المنطقة الجيواستراتيجية الأهم في القارة السمراء.

و أشرف رئيس قسم الاستخبارات في الجيش التركي الجنرال عرفان أوزسيركان قبل شهرين تقريبا، على تخرج دفعة ضباط صف صوماليين من مركز التدريب العسكري التركي بالعاصمة مقديشو.

ويأتي تخرج دفعة الجيش الصومالي المدعومة تركيا بعد مصالحة تاريخية في المنطقة بين إثيوبيا وإريتريا دفعت باتجاهها قوى خليجية ودولية، قد تغير خارطة المنطقة التي تعاني من حروب أهلية لعقود ويدفع بها نحو تجاوز الخلافات والانفتاح أكثر على محيطها العربي والأفريقي.

وبعد قمة غير مسبوقة بين الرئيس الإثيوبي آبي أحمد ونظيره الإريتري أسياس أفورقي، قرّرت إثيوبيا وإريتريا إعادة فتح السفارات ما يعني كسر سنوات طويلة من الجمود الدبلوماسي بين البلدين.

ويتجاوز لقاء السلام الذي احتضنته أسمرة عتبة إنهاء القطيعة بين البلدين الجارين ليدخل العمق الأفريقي وتتخذ تداعياته أبعادا إقليمية، بشقيها العربي والأفريقي، وأيضا عالمية في علاقة باستراتيجية منطقة القرن الأفريقي وتأثر التجارة الدولية كما السياسات بكل ما يطرأ فيها من تغيّرات.

وتخطو منطقة القرن الأفريقي نحو طي صفحات قاتمة لازمتها سنوات طويلة وجعلتها عنوان التوترات السياسية والصراعات المسلحة، الأهلية والبينية، وتحولت أيضا إلى عنصر جذب للكثير من التنظيمات الإسلامية المتطرفة.

ولم تكن الظروف الاقتصادية سببا وحيدا في تعدد وتنوع علاقات دول المنطقة، مع دول عربية وغير عربية، دول في الشرق وأخرى في الغرب، بل هي لعبة الجغرافيا السياسية، التي منحت القرن الأفريقي مزايا استراتيجية يصعب أن تستغني عنها كل دولة تريد تأمين مصالحها في البحر الأحمر وخليج عدن والخليج العربي، وهو ما أوجد صراعا خفيا على النفوذ في هذه المنطقة، التي تحولت إلى صمام أمان للبعض وعنصر قلق وتوتر لآخرين.

وما جرى من زلزال في اليمن، وتوابعه العسكرية والسياسية والاقتصادية، جذب المزيد من الأنظار لمنطقة القرن الأفريقي التي تطل على الضفة المقابلة، لأن إيران وضعت أقدامها مبكرا في إريتريا من خلال جزر حنيش لتوطيد أحلامها في اليمن والمنطقة المحيطة به ودعم المتمردين الحوثيين الذين تمكنوا بفضل ما تلقوه من مساعدات مسلحة من طهران، غالبيتها عبر البحر الأحمر، من الإمساك بزمام الأمور في بعض مفاصل الدولة اليمنية.

طاهر محمود غيلي: يمكن لإريتريا لعب دور وساطة بين الصومال والإمارات
طاهر محمود غيلي: يمكن لإريتريا لعب دور وساطة بين الصومال والإمارات

ولم تكن محاولات إيران التمدد في اليمن والقرن الأفريقي، على هوى قوى دولية عدة، لكنها لم تتصد لها بما فيه الكفاية وبصورة مباشرة، ما أجبر قوى خليجية، مثل السعودية والإمارات على وضع دول المنطقة ضمن حساباتها الاستراتيجية، لإنهاء الحرب في اليمن وعودة الشرعية، وتحسبا لمآلات المستقبل.

وفي 28 يوليو، أجرى الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو، زيارة تاريخية إلى إريتريا، بعد أن كانت العلاقات بينهما متدهورة لعقود، على خلفية اتهام مقديشو لإريتريا بالضلوع في دعم الإرهابيين ضد الحكومة الصومالية.

وجاءت هذه الاتفاقية نتيجة جهود بذلتها دولة الإمارات تتوّجت مؤخرا بالقمة التي جمعت الزعيمين الإثيوبي والإريتري والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، في العاصمة الإماراتية في 24 يوليو.

وقال وزير الإعلام في الحكومة الصومالية طاهر محمود غيلي إنه يمكن لإريتريا لعب دور وساطة بين الصومال والإمارات. وأضاف غيلي في حديث مع إذاعة صوت أميركا -قسم البث الصومالي- أن العلاقات الصومالية الإماراتية مرت بمستويات مختلفة وأنهما ليستا مجرد دولتين صديقتين بل شقيقتين أيضا.

وأضاف “طبعا تتمتع إريتريا بعلاقات جيدة مع الإمارات، وبحكم ذلك يمكنها أن تلعب دورا مهما في الوساطة بين الصومال والإمارات”، حيث تشهد العلاقات بينهما توترا في الآونة الأخيرة.

ودربت الإمارات المئات من الجنود الصوماليين منذ عام 2014 في إطار جهد تدعمه البعثة العسكرية للاتحاد الأفريقي لهزيمة إسلاميين متشددين، وتأمين البلاد من أجل الحكومة التي تحظى بدعم الأمم المتحدة ودول غربية.

واضطرت الإمارات إلى إيقاف برنامجها التدريبي في الصومال، ردا على مصادرة قوات الأمن الصومالية الملايين من الدولارات واحتجازها طائرة إماراتية لفترة وجيزة، في تصعيد يضرّ بالصومال ويضعه أمام فوهة بركان الإرهاب، في وقت تتصاعد فيه التقارير التي تتحدث عن أنّ الجماعات الإرهابية المهاجرة من الشرق الأوسط شدّت رحالها نحو المنطقة الأفريقية.

ويوضح خبراء صوماليون أن الرئيس محمد عبدالله محمد فرماجو، استفاد من دعم الإمارات ودورها في ترسيخ الاستقرار في البلاد، خلال حملته الانتخابية التي قادته إلى الفوز في 2017.

ورأى متخصصون في شؤون القرن الأفريقي أن الصومال يندفع نحو الخروج من خطأ الاصطفافات الإقليمية منذ إثارة مقديشو للخلاف مع الإمارات، وأن الرئيس الصومالي يسعى لدى نظيره الإريتري لإخراجه من حالة العزلة من أجل أن تكون بلاده جزءا من تحولات واعدة ترعاها السعودية والإمارات وتساهم فيها مصر وسط ترحيب ودفع دوليين.

5