نخب التنوير في تونس يقظة أشد ما تكون اليقظة، تستند إلى طبقة متوسطة قوية نسبيا وممانعة ثقافيا، وتستند كذلك إلى قاعدة نسائية متنورة عز نظيرها في سائر المنطقة.

حجم الهلع الذي ظهر في نفوس الشامتين أنفسهم، يعكس بجلاء حجم النكوص إلى مرحلة الخوف البدائي من الظواهر الطبيعية، مرحلة إنسان الكهوف. بهذا المعنى لن تكون ردتنا الحضارية هينة، وسندفع الثمن غاليا إذا تغاضينا عنها.

الحل السياسي لا يعني هزيمة الحراك أو خيانته كما يزعم تجار الحروب، وإنما هو فرصة للانتقال من الثورة السياسية المستحيلة، إلى ثورة فكرية وحضارية ممكنة ومرتقبة.

إذا كانت خطيئة أردوغان أنه حاول أن يستغل الإسلام السياسي، فلا ننسى أن كل مشاريع الهيمنة على الشرق الأوسط حاولت أن تستغل الإسلام السياسي. هنا لم يأت أردوغان بأي جديد، عدا أنه استنزف نقطة قوته بالكامل.

سلطات الدول الغربية تتحمل أيضا نصيبها من المسؤولية السياسية والأمنية في تفشي الإرهاب المعولم والذي يبدو أنه لا يريد أن يترك موطنا آمنا.

رهانات الإرهاب المعولم اليوم أن يُترك له مجاله الخاص إلى غاية التمكين أو حتى إشعار آخر. على أننا نعيد نفس الخطأ القاتل حين نظن بأن إعادة الوحش إلى حالة الكمون، أو تلبية بعض مطالبه، مقدمة لترويضه والتقليص من شراسته.

أن يكون مستوى الحريات الفردية في غزة أفضل من مستوى الحريات الفردية في المناطق التي يديرها تنظيم داعش في سوريا، فهذا الأمر صحيح، لكنه ليس حجة نزيهة على أن الحريات الفردية في غزة بخير وسلام.

لقد خلقنا الربيع بأيدينا، وأحرقنا الربيع بأيدينا، وبأيدينا أشعلنا الفتن منذ الأزمنة الغابرة إلى غاية اليوم. وأما قدرنا التاريخي في الحساب الأخير فإنه متعلق بما كسبت أيدينا.

الحريات الفردية تستدعي أن يكون للفرد وجود. إذ يجب أن يوجد الفرد أولا، في حين أن الفرد كان ولا يزال غائبا في ثقافتنا غيبة كبرى.

كرهناك لأنك فضحت جبننا، وجعلتنا نرى حقيقة أنفسنا عارية على المرآة: إننا لا نملك من الثقافة غير ثقافة تبرير الجبن.

حين نقف عند مستوى النقد السياسي دون أن نكترث بنقد البنيات الثقافية المنتجة للاستبداد فكل ما نفعله وقتها أننا ننتقد الاستبداد بخطاب يعيد إنتاج الاستبداد.

الجبهة الحاسمة لن تكون جبهة جيوش وعساكر هذه المرّة، لن تكون جبهة على الأرض، بل ستكون جبهة لإصلاح التصورات الثقافية التي قد تعيد إنتاج نفس الكوارث السابقة كلما أذنت لها الظروف.

ثمة مسؤوليّة أخلاقية يتحمّلها من يُبررون الجريمة، سواء بتدوير الكلام أو بصمت اللئام. بهذا المعنى يكون جميع المسلمين مسؤولين عن الجرائم التي يقترفها بعض المسلمين باسم الإسلام وفي أي مكان.

ثمة سوء تفاهم جدي وجذري بين المفكر والسلطة: مجال اشتغال المفكر هو الأفكار، وتحديداً ترشيد النقاش العمومي والتثقيف الشعبي وإنتاج الأفكار. لكن مجال السلطة هو الانضباط.

من لا يزال يتوهم بأن تغول السلطة قد يحمي بعض الهامش الحداثي ضد شعوب متدعوشة بالفطرة أو بالضرورة، فندعوه إلى إمعان النظر في مآل المجتمع التركي تحت وصاية أردوغان.

كل المآسي التي حدثت في الربيع المحروق لم تكن قضاء لا راد له، بل كان بالإمكان تفاديها في لحظاتها الأولى بالحكمة والتعقل؛ كانت الفرصة سانحة في سوريا منذ لحظة درعا، وكانت الفرصة سانحة في ليبيا منذ لحظة بنغازي.

لا يخفى حجم التكفيـر الفتنوي الذي يمارسه عشرات الأئمة في مختلف مساجد المملكة، وهم يحرضون على المهرجانـات، وعلى العلمـانيين، وعلى الحريات الفردية.