سعيد حميش يصور معاناة المهاجرين المغاربة غير الشرعيين في "البحر البعيد"

مراكش (المغرب) - قدم المخرج المغربي سعيد حميش بن العربي فيلمه الجديد "البحر البعيد" وذلك في إطار المسابقة الرسمية للدورة الـ21 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، التي تتواصل فعاليتها إلى غاية 7 ديسمبر الجاري.
ويروي هذا العمل (117 دقيقة) قصة نور البالغ من العمر 27 سنة، شاب من مدينة وجدة هاجر بطريقة غير نظامية إلى مرسيليا حيث يعيش من تجارة صغيرة حياة هامشية واحتفالية برفقة أصدقائه.
وخلال هذه التجربة المليئة بمكابدات الغربة، يلتقي نور بالشرطي سيرج، غريب وغامض الطباع، وزوجته نويمي. هذا اللقاء الذي سيقلب حياته رأسا على عقب. كما يلتقي بمهاجرين جزائريين يحاولون التأقلم في فرنسا، تاركين حياتهم السابقة خلفهم للبحث عن حياة مجهولة.
وطوال التجربة التي يرويها هذا الفيلم من عام 1990 إلى عام 2000، يظل بطل الفيلم نور متأرجحا بين ألم الانفصال عن الجذور وقوة التشبث بالحلم، بين الارتباط بقيم مسقط الرأس ورفض كل ما يعاكسها من مظاهر الحرية في بلد المهجر. كما يصور حكاية واقعية حيث في أغلب الأسر المغربية يوجد شخص من العائلة هاجر إلى بلد آخر، بطريقة قانونية أو غير قانونية، للبحث عن فرصة لتحسين أوضاعه وأوضاع عائلته في المستقبل بعد فقدانه الشغف وفرص الحصول على عمل في بلده.
هذا العمل السينمائي من خلال سيناريو سعيد حميش بن العربي يذهب إلى مستوى إثارة العديد من القضايا الشائكة، أبرزها التأقلم مع الواقع الجديد، وإشكالية اندماج المهاجرين في بلد الاستقبال، وما يرتبط بذلك من تحديات اجتماعية وثقافية واقتصادية.
وعن اختياره لفترة التسعينات وأوائل الألفية الجديدة كخلفية زمنية للفيلم، أوضح حميش في تصريحات صحفية أنه سعى من خلالها إلى إبراز شعور الاغتراب والوحدة.
ولعبت موسيقى الراي دورا محوريا في الفيلم لارتباط شهرتها الواسعة بتلك الحقبة الزمنية. وعن ذلك قال مخرج الفيلم “في مدينة مرسيليا خلال تلك الفترة، كانت موسيقى الراي ذات أثر بالغ، وكانت تُمثّل جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية. وقد سعيتُ من خلال توظيفها إلى إشراك المشاهد في أجواء الفيلم الميلودرامية، ليعيش أحداثه لا أن يشاهدها فقط.”
واختيار الممثل أيوب كريطع ليكون بطل الفيلم، فيقول المخرج إنه كان نتيجة لدراسة معمّقة للشخصية، موضحا أنه “في البداية، ظننت أن الشرط الأساسيّ هو المظهر، فقد كنت أبحث عن ممثل في الثلاثينات من عمره. لكنّني سرعان ما اكتشفت تعقيد الشخصية، وغنى مشاعرها، وقدرتها على التفاعل مع محيطها. لذلك، احتجتُ إلى ممثل يجيد استنباط المشاعر وتجسيدها ببراعة. أصدقائي وفريقي نصحوني بلقاء أيوب، وعندما التقيتُه، علمتُ على الفور أنّه الخيار الأمثل.”
ومتحدثا للصحافة عن لعبه دوره في الفيلم بإتقان، قال بطل الفيلم أيوب كريطع، إن نصيحة أحد أساتذته تسكنه دائما خلال التشخيص، ومفادها أنه “يجب أن تفعل الشيء كأنك ستقوم به للمرة الأخيرة.”
من جهة أخرى، أبرز كريطع، وهو خريج المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط، أن هذا الفيلم “شكل بالنسبة إليّ تحديا كبيرا وناجحا، خصوصا وأن شخصية نور لا تتحدث كثيرا، وبالتالي كان من المهم العمل على دواخلي.”
هذا العمل السينمائي يثير قضايا شائكة أبرزها التأقلم مع الواقع الجديد وإشكالية اندماج المهاجرين في بلد الاستقبال
يشار إلى أن الفيلم من تشخيص آنا موكلاليس، وكريكوار كولان، وعمر بولعقيربة، وريم فوكليا، وسارة هينوشبيرغ.
اتهم الفيلم بأنه يركز على المثلية الجنسية خاصة بين الرجال، حيث يصور العديد من المشاهد داخل الحانات والملاهي الليلة وإظهارها فضاء خاصا برجال يمارسون الشذوذ الجنسي.
لكن بطل الفيلم أيوب كريطع نفى تهمة الترويج للأفكار الشاذة عن صناع العمل الذين يحملون جنسية فرنسية – بلجيكية، كما نفى احتمالية تدخل جهات إنتاج أجنبية لترويج الشذوذ داخل المجتمع المغربي، وقال في تصريحات صحفية إن “الفيلم لا يشجع على المثلية الجنسية، لكنه يعد فيلما فرنسيا – مغربيا، وبالتالي يعكس التقاء الثقافات.”
وشدد الممثل المغربي على أن هذا الفيلم عرض في العديد من البلدان مثل فرنسا وألمانيا وإسبانيا، ويشارك الآن في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، مما يجعله يستحق المشاهدة، مشيرا إلى أنه حان الوقت لتجاوز رسم الحدود في السينما ووضع القيود على القضايا المعالجة فيها.
يذكر أن سعيد حميش بن العربي درس السينما في المدرسة الوطنية العليا لمهن الصورة والصوت بباريس “فيميس”، وتخرج في مؤسسة “لاكاردير”. وعمل مع العديد من المخرجين السينمائيين مثل فوزي بن سعيدي، وفيليب فوكون، وليلى بوزيد، ونبيل عيوش، وياسمين بنكيران، وكامي لوكان وكمال الأزرق. وفي سنة 2018، ترشح فيلمه الطويل الأول “العودة إلى بولين”، لنيل جائزة لوي-دولوك لأول عمل.
وفي سنة 2022، اختير فيلمه القصير “الإقلاع” للمشاركة في العديد من المهرجانات الدولية، منها مهرجانات نامور، وروتردام، وبالم سبرينغز، وكليفلاند، ورود آيلاند، وكرونوبل، وكليرمون فيرون، ونال نحو 20 جائزة بالإضافة إلى ترشحه لجائزة سيزار.
وإلى جانب الإخراج يمارس سعيد حميش بن العربي الإنتاج من خلال شركته “بارني بروديكسيون” التي شارك من خلالها في إنتاج العديد من الأفلام المغربية الناجحة نذكر منها “صوفيا ” لمريم بنمبارك و”ملكات” لياسمين بنكيران و”الثلث الخالي” و”ليلى” لفوزي بنسعيدي و”كابو نيكرو” للمخرج عبدالله الطايع و”الزين اللي فيك” لنبيل عيوش.