سعود البحري: على المصورين الاستعداد لتحديات أخلاقية تفرضها التكنولوجيا

كيف تطورت الصورة عالميا وفي سلطنة عمان؟ وما مدى تأثير التكنولوجيا على عالم التصوير ومستقبل المصورين؟ كلها أسئلة يحاول الإجابة عنها المصور الضوئي سعود البحري الذي يعد من الجيل المخضرم الذي جرب التصوير بشكله التقليدي والحديث، ولا يحصر التصوير في مجرد التوثيق وتأريخ الواقع والأحداث وإنما يشدد على أنه فن يعبّر عن أفكار وفلسفات ذاتية وتجارب شعوب عريقة.
مسقط- يرى المصور الضوئي العُماني سعود البحري أن التكنولوجيا تعد اليوم أحد أهم العوامل التي خدمت عوالم الصورة الضوئية بشكل كبير. فقد غيّرت الإنترنت والوسائط الرقمية بشكل جذري طريقة عرض وتداول الصور. وقد استفاد المصور الضوئي الكلاسيكي من هذه التطورات بشكل ملحوظ، فبدلا من الانحصار في معارض محلية، أصبح بإمكانه الآن نشر أعماله على منصات عالمية تصل إلى جمهور كبير. وهذه السهولة في التوزيع أدت إلى تعزيز التواصل مع الجمهور وتبادل الآراء، ما يوفر للمصورين نوعا من التفاعل الذي لم يكن ممكنا في السابق.
ويشير “عندما نتحدث عن الصورة الرقمية، وبفضل برامج تحرير الصور الحديثة، أصبح بالإمكان تعديل وتحسين الصور بشكل يسهل من الاستفادة منها تجاريا أو فنيا. تتيح هذه التكنولوجيا القدرة على التجريب بأساليب وتقنيات تصوير جديدة، ما يفتح آفاق الإبداع أمام المصورين. وبفضل تخزين الصور الرقمية، أصبح بالإمكان الاحتفاظ بكميات هائلة من الوثائق البصرية دون الحاجة إلى المساحات المادية الكبيرة.”
تحولات مستمرة
مع ذلك، يرى المصور العماني أن التكنولوجيا “تثير العديد من التحديات والمخاطر، خاصة في ما يتعلق بتوليد الصور الضوئية عن طريق الذكاء الاصطناعي. فتسهم هذه التقنية في فقدان الأصالة، إذ إن الصورة المولدة بالحاسب الآلي قد تفتقر إلى اللمسة الإنسانية التي تميز الأعمال الفنية التقليدية. كما أن إمكانية إنشاء صور مزيفة قد تؤثر على اقتناع الجمهور بالحقائق، ما يؤدي إلى تشويش الرسائل الإنسانية التي تحملها الصور. ولا يخفى على أحد أن هذه العوالم ستواجه تحديات متزايدة في مجال حقوق النشر، خاصة مع تزايد الصور المولدة آليا.”
ويتوقع أن يشهد مستقبل المصور الضوئي والصورة الضوئية التقليدية، تحولا مستمرا، “قد يتجه العديد من المصورين إلى دمج تقنيات التصوير التقليدي مع التكنولوجيا الحديثة لتعزيز رؤاهم الفنية. كما أن هناك شعورا متزايدا في السوق بأهمية الأصالة، ما يعني أن الطلب على الصور التي تعكس التجارب الحقيقية قد يزداد. بالإضافة إلى أنه يجب على المجتمع والمهتمين بالفنون أن يستعدوا للتحديات الأخلاقية التي قد تظهر مع تقدم هذه التقنيات.”
ويعتبر البحري أن “الصورة الضوئية تأخرت قليلا في دخولها إلى نادي الفنون البصرية عالميّا، كان هذا الاستبعاد بسبب النظر إلى المصور الضوئي كشخص يقوم بتسجيل الواقع كما هو بواسطة آلة التصوير، دون إبداع يُذكر، حيث لم يكن المصور يضيف أي شيء إلى الموضوع.”
ويضيف “من وجهة نظري الشخصية، ربما كان هذا التصنيف مقبولا في ذلك الوقت، لأن أجهزة التصوير الضوئي البسيطة لم تكن توفر الإمكانيات التي تساعد المصور على إنتاج صورة ضوئية فنية. تغير هذا الوضع مع تطور آلات التصوير، ما أتاح للمصورين التحكم أكثر في نسبة الضوء المطلوبة وسرعة تجميد الأشياء المتحركة. كل هذه العوامل ساعدت المصور على التحول من تسجيل الواقع (التصوير) إلى إخراج فني من الواقع (صناعة الصورة)، ما سمح للمصور الضوئي بالحصول على الاعتراف وترقيته إلى لقب الفنان.”
والفنان الذي انضم إلى نادي التصوير الضوئي بالجمعية العُمانية للفنون التشكيلية في عام 1993، يشير إلى أنه ومنذ ذلك الحين أصبحت الصورة الضوئية جزءا لا يتجزأ من حياته، فدراسته للتصوير الضوئي عن طريق المراسلة في معهد نيويورك للتصوير الضوئي أتاحت له فهما عميقا لفلسفة التصوير وتقنياته وتطوير مهاراته الفنية بشكل ملحوظ.
وحول رؤيته الفنية في ما يتعلق بمسيرة التصوير الضوئي في السلطنة، يقول “إذا أخذنا عام 1993 كنقطة انطلاق رسمية للتصوير الضوئي مع تأسيس نادي التصوير الضوئي، سنجد تدرجا واضحا في مسيرة التصوير الضوئي في السلطنة. كانت فكرة الانطلاق إلى الساحة الدولية واضحة منذ البداية. قامت إدارة النادي في تلك الفترة، وهي مؤسسة تطوعية، بوضع خطط ما زلنا نجني ثمارها حتى اليوم.”
ويضيف “كل تلك الجهود مهدت لانضمام نادي التصوير إلى المنظمة الدولية للتصوير الضوئي في تسعينات القرن الماضي. سرعان ما تمكن المصورون العُمانيون من ترك بصمة في هذه المنظمة العالمية وإبهار الجميع بأعمالهم والحصول على الجوائز.”
ولأن المصور سعود البحري عاصر الجيلين الأول التقليدي والثاني الرقمي الحديث، من المصورين العُمانيين، وشهد العديد من نقاط التحول في شأن النهوض بالصورة الضوئية، يقول “مرت مسيرة التصوير الضوئي في سلطنة عُمان بعدة مراحل، بدأت مع مجموعة صغيرة من المصورين الذين أطلق عليهم جيل الأساتذة. هؤلاء شكلوا النواة الأولى للتصوير الضوئي في الثمانينات من القرن الماضي، وكان لي الشرف أن أنضم إلى هذا الجيل في بداية التسعينات.”
ويتابع “تميز هذا الجيل بإنتاج التصوير الكلاسيكي، وهو نمط يتميز بالبساطة وعدم التعقيد، والتركيز على العناصر الأساسية للصورة. يشمل هذا النوع من التصوير على الضوء والظل والأشكال، ما يوجد تأثيرات جمالية مميزة. كما تميزت هذه الفترة باستخدام الكاميرات التقليدية والمواد الكيميائية لطباعة الصور، وهي تقنيات لم تكن متاحة للجميع بسبب تكلفتها العالية وتعقيدها التقني، ما أكسب المصورين احترام المجتمع.”
ويوضح أن “دخول التقنيات الرقمية أدى إلى تغيير المشهد التصويري على مستوى العالم، وكسر الاحتكار في إنتاج الصور الضوئية الاحترافية. إذا حصرنا الموضوع في الضوئيات العُمانية، سنجد التحول الكبير الذي حدث في عدد هواة التصوير الضوئي مع دخول الكاميرات الرقمية. عند إشهار نادي التصوير الضوئي عام 1993 تحت مظلة الجمعية العُمانية للفنون التشكيلية، لم يكن عدد أعضاء النادي الناشطين يتجاوز 20 عضوا. مع تأسيس الجمعية العُمانية للتصوير الضوئي عام 2012، شهدت الساحة تحولا كبيرا من أسلوب التنظيم القائم على مجموعة من المتطوعين إلى كيان مؤسسي رسمي.”
ويشير إلى أن “هذا التحول منح الجمعية مرونة أكبر، ما أدى إلى زيادة عدد المشاركات وارتفاع سقفها، بالإضافة إلى تنوع عناوين المعارض، وهذا التغيير كان له الأثر الإيجابي الواضح، خاصة مع انضمام أعضاء من الجيل الثالث من الشباب الشغوفين والمبدعين في فنون التصوير الضوئي. هؤلاء الشباب جلبوا معهم رؤى جديدة وأفكارا مبتكرة، ما أسهم في إثراء مشهد التصوير الضوئي العُماني وتعزيز مكانته على الساحة الدولية.”
نافذة على عوالم ذاتية
يبيّن البحري كيف للصورة الضوئية أن تكون نافذة يستطيع المرء من خلالها الاطلاع على عوالمه الذاتية الداخلية، وتكشف تفاصيل الواقع المعيش وتُترجم لحظات الحياة إلى مشاهد ثابتة تحمل في طياتها كل ما هو إنساني، وهنا يقول “هناك مصطلحات قلما يتم تداولها مثل ‘التقاط الصورة’ و’صناعة الصورة’. يشير الأول إلى كل من يسجل الصورة الضوئية بأي وسيلة كانت، وليس بالضرورة أن يكون ملما بتقنياتها وفلسفاتها. أما الثاني، فيتطلب تفكيرا إبداعيا ويعبّر عن رؤية الفنان أو المصور، ما يمكّنه من ملامسة جمهور واسع بطرق متعددة ومعقدة.”
ويفيد “الصورة ليست مجرد تمثيل للواقع، بل تعكس الفلسفات والرؤى التي يحملها الفرد، ويمكن أن تكون بمثابة مرآة لكل ما هو إنساني، بدءا من تفاصيل معينة، حيث يمكن للصورة أن تكشف عن جوانب خفية من الحياة اليومية، ويمكن أن تستعرض تنوع التجارب الإنسانية، وتعبر عن الثقافات المختلفة، وتساعد على فهم العالم من حولنا بشكل أعمق.”
ولأن المصورين يرون أن الصورة وثيقة عالمية تتجاوز الحواجز المادية، هنا يتحدث البحري عن الكيفية التي من الممكن أن توجد لغة مشتركة عابرة للأطر الجغرافية، فيقول “تلعب الصورة دورا بارزا في تسجيل الهويات الثقافية ومشاركة التجارب الإنسانية المشتركة. هذا يجب أن يتم بطريقة مدروسة ومنظمة، أرى أن هذا الدور التنظيمي الرائع يتم تحت مظلة وزارة الثقافة والرياضة والشباب في سلطنة عُمان، فهي تشرف على منظومة ثقافية متكاملة، تشمل رعاية الفنانين الضوئيين ومشاركة أعمالهم خارج البلاد لنقل الجانب التراثي والثقافي والحضاري للسلطنة، كما تستضيف تجارب مصورين من دول أخرى لعرض أعمالهم محليّا.”
ويؤكد “الصورة أداة قوية للتعبير الثقافي، فهي ليست مجرد وسيلة لنقل اللحظات أو المشاهد، بل تعكس عمق الثقافات وتجارب الشعوب عبر الأزمنة. التأثير الذي تتركه الصور يمكن أن يكون عميقا ومتعدد الأبعاد. عندما نشاهد صورة تاريخية، فإننا لا نرى فقط أشخاصا أو أحداثا عابرة، بل نلمس أرواح الذين عاشوا تلك اللحظات. والصور توثق القصص والتقاليد والممارسات، ما يجعل من الممكن للأجيال القادمة التعرف على ماضيهم، بالإضافة إلى ذلك، تلعب الصور دورا حيويا في تشكيل الذاكرة الجماعية. هي ليست مجرد تسجيل بصري للعالم، بل هي محطات تُساعد المجتمعات على تذكر تاريخها وتجاربها المشتركة. هذه الذاكرة الجماعية تعزز الهوية الثقافية وتساعد القيم والعادات على البقاء حية.”


