سعوديون يناقشون مصطلحات الإبل رمز التراث العربي وأيقونة الشعراء

الرياض - نقّب مختصون في الأدب واللغة العربية في التراث العربي بحثا عن مصطلحات الإبل الفصيحة والعامية، وذلك ضمن الندوة التي نظمها نادي الإبل بالتعاون مع مكتبة الملك عبدالعزيز العامة الثلاثاء ضمن البرنامج الثقافي لمهرجان الملك عبدالعزيز للإبل في مقر المهرجان بصياهد الدهناء.
وأدارت ندوة مصطلحات الإبل بين الفصحى والعامية أستاذة الأدب والنقد بجامعة الملك سعود الدكتورة نورة القحطاني، واستعرض أستاذ الأدب بجامعة القصيم الأكاديمي إبراهيم الدغيري في الورقة العلمية الأولى وصف الناقة عند ثلاثة من أبرز الشعراء العرب، وهم طرفة بن العبد وحميد بن ثور الهلالي وذو الرمة.
وقد احتلت الإبل في نفوس العرب مكانة مرموقة لا تكاد تعادلها أو تدانيها منزلة أي شيء آخر إذا نحن استثنينا الخيل، وليس أدل على ذلك من أنها كانت تُسَمّى بالمال، فكلمة المال إذا أُطْلِقَتْ في كلام العرب أريد بها الإبل، كما كانت محور قصائد كثيرة وشكلت جزءا أساسيا من مخيال الشعراء العرب والفرد العربي عامة.
فقد اعتمد ابن الجزيرة العربية على معطيات الطبيعة بشكل أكبر، إذ حضرت الإبل بكامل تفاصيلها في حياته اليومية، ولم يستغن الإنسان العربي عن الإبل، فبعد أن كانت شريكا في سابق الأيام أصبحت أيقونة أساسا لتراثه وحياته واقتصاده، علاوة على أنها محور فنون أدبية وحتى مشهدية كثيرة.
ومثلت الإبل مصدر اعتزاز وافتخار لرعاتها على مر العصور التاريخية في الجزيرة العربية، وامتازوا بصفات عن غيرهم، كان أبرزهــا الاعتزاز الذي يرتسم بطباعهم بدرجة أكبر، وثقتهم بالإبل، باعتبارها الحيوان الذي يشركونه فـي الكثير من تفاصيل حياتهم اليومية، ويدل على أهمية الإبل وارتباطها الوثيق بالحضارة في شبه الجزيرة العربية على مر العصـور.
ويثبت ذلك العثور على مجموعة مـن النقـوش الأثرية في عدد من المواقع التاريخية، حيث شكلت ركيزة للقوافل التجارية قديما في نقل البضائع وجلب الماء، إضافة إلى الاستخدامات المتعددة لجلدوها وأوبارها ومنها صناعة الحبال وقرب الماء .كما يؤكد ذلك احتلالها للكثير من المآثر والأمثال والقصص الشعبية حتى أن القرآن يذكرها بدوره ويجلّها ويؤكد مكانتها الاجتماعية والثقافية، كما تذكرها الأحاديث النبوية، إذ تحولت على مر السنين إلى أيقونة العرب ورمز تراثهم.
وفي بداية الندوة التي تناولت مصطلحات الإبل أشار الدغيري إلى أن الإبل ساعدت الإنسان على التكيف مع بيئته في الجزيرة العربية، ولذلك خلّدت في الأشعار والنقوش التي وصفت عمق العلاقة والتضامن بين الإنسان والإبل في الجزيرة العربية.
وأوضح أن تشبيه الإبل في شعر العرب يدور حول محاور، أبرزها القوة وعناصر الطبيعة ومظاهر الطبيعة، وعدة تشبيهات متفرقة أخرى، مشيرا إلى أن بعض الشعراء وصفوا الإبل في أشعارهم بأنها مصدر لإزالة الهمّ والتشتت الذهني، كما وصفها بعضهم بالعظمة والكبر والضخامة وبالقصر الكبير والبرج العالي والصرح والسفينة وبالشدة والقوة، داعيًا إلى زيادة وعي الناس بالتراث وباللغة العربية الفصحى، كي تكون جزءا من شخصياتهم، وجعل الجيل الجديد يعتز ويحرص على لغته وتراثه.
إلى ذلك، تناول المؤلف والناقد الأدبي سليمان النغيمشي في ورقته، أهمية مصطلحات الإبل العامية وأصلها الفصيح في لسان العرب، مشيرا إلى أن الجزيرة العربية حافظت على لغتها العربية وبناء كلماتها منذ العصور الأولى، ولم تبدأ الكلمات المهاجرة في مزاحمة المفردات الفصحى إلا مع الفتوحات الإسلامية، إذ حضر بعد ذلك ما يسمى بالمصطلحات العامية التي أصبحت مقبولة في عصرنا عند العامة.
وأشار النغيمشي إلى أن مجال الإبل ظل بعيدًا عن اللسان العامي، وحافظ على كلماته ومصطلحاته، ولم يتأثر كثيرًا بالكلمات المهاجرة، داعيًا إلى حماية اللغة الفصحى من الاندثار وحماية كلماتها ومصطلحاتها.
واستعرض خلال الورقة، عددًا من مصطلحات ومسميات الإبل وأصولها في اللغة العربية. وتناول الشاعر والباحث في اللغة العربية تركي الغنامي مصطلحات الإبل وازدواجيتها بين الفصحى والعامية، مؤكدًا وجود ثراء لغوي في مصطلحات ومسميات الإبل بسبب اتساع جزيرة العرب وتوسع لهجاتها، مبينا أن الشعر العربي تناول الإبل في نسبها إلى المواضع والقبائل، كما أن جل وصفها يتمثل في وصف الهجن والجيش خاصة، وفي السمن وكثرة الحليب ووفرته.
وفي الورقة العلمية الأخيرة تحدث أستاذ الذكاء الاصطناعي المساعد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عبدالرحمن العصيمي عن توظيف الذكاء الاصطناعي في بناء المعاجم، وتطرق إلى مفهوم المعاجم الإلكترونية الحديثة، وكيفية بناء معجم حديث باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، وكذلك استخدام الذكاء الاصطناعي والبيانات للتعرف على الكلمات ضمن النص وسياق الكلمة، ومراحل الصناعة المعجمية الحديثة.
ولفت إلى دور المساعدة اللغوية في تصحيح الكلمات، والترجمة الآلية ومحركات البحث وقدرتها على الوصول إلى المعلومة الصحيحة، وإظهار كل سياقات الكلمة لأنها لم تعد محدودة بمساحة معينة كما في المعاجم التقليدية، والنظرة المستقبلية للمعاجم الإلكترونية.
ويذكر أن مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل الذي تقام فعالياته بالصياهد تحت شعار "همة طويق" الأكبر من نوعه عالميا لجهة عدد المشاركين والجوائز، ويشهد مشاركات خليجية عربية وعالمية وحقق أرقاما قياسية، عمل خلاله نادي الإبل بكل إمكاناته من أجل خدمة الإبل ومُلّاكها، وكذلك محبي ذلك الموروث الشعبي بشكل يرضي طموحات الجميع.