سعد سلوم أكاديمي عراقي يفوز بجائزة ابن رشد للفكر الحر لعام 2022

أعلنت مؤسسة ابن رشد للفكر الحر ومقرها العاصمة الألمانية برلين عن فوز الأكاديمي العراقي سعد سلوم مع مؤسسته "مسارات" بجائزة ابن رشد لعام 2022 والتي تم تخصيصها هذا العام للأفراد والمؤسسات، الذين ساهموا بنشر مبادئ الحريات الدينية في الدول العربية.
كما منحت الجائزة للبنانية نايلا طبارة ومؤسستها "أديان"، ومن المقرر عقد مراسم تسليم الجائزة في دورتها العشرين في متحف بيرغامون في الثامن من شهر سبتمبر المقبل، قبل يوم من انعقاد المؤتمر العام للمؤسسة، الذي يحمل هذا العام عنوان "الحريات الدينية".
ويعد سلوم من أبرز سفراء منظمة "بيبيور أنترناشونال" البريطانية لقيادة حملة عالمية تهدف إلى تشريع معاهدة دولية لحظر الاستخدام السياسي للدين من خلال الأمم المتحدة، وقد حظيت بتأييد برلماني ورسمي متزايد في أكثر من ستين بلدا.
مؤسسة ابن رشد للفكر الحر تأسست في ألمانيا عام 1998 في الذكرى الـ800 لوفاة الفيلسوف ابن رشد. وهذه هي الدورة العشرون للجائزة، التي سبق أن منحت لشخصيات بارزة مثل محمد أركون ومحمد عابد الجابري ونصر حامد أبوزيد وسمير أمين ومحمود أمين العالِم وعزمي بشارة وصنع الله إبراهيم.
ويعد سلوم أول مثقف عراقي يفوز بالجائزة، وقد قالت المؤسسة إنها خصصت الجائزة هذه السنة لصالح شخصيات ومؤسسات ساهمت في تعزيز الحريات الدينية وحمايتها، ومقاومة النزعة الطائفية والتمييز بين المواطنين على أساس ديني، ودعم الاعتراف بالتنوع من أجل بناء مجتمع يسوده السلم الاجتماعي.
الاعتراف بالتنوّع
وذكر بيان المؤسسة أن لجنة التحكيم اختارت طبارة ومنظمتها "أديان" وسلوم ومنظمته "مسارات" نظرا للجهود الكبيرة التي يواصلان بذلها في المجتمعين اللبناني والعراقي وخارجهما في العالم العربي، نحو ترسيخ الممارسة الفعلية لحرية العقيدة والتضامن بين الأفراد من مختلف الأديان، ولتعزيز حقوق الإنسان والحقوق المدنية القائمة على الحريات بشكل عام و الحريات الدينية بشكل خاص.
اهتمام مؤسسة "مسارات" الرئيسي ينصب على الأقليات في العراق وعلى دراسة الذاكرة الجمعية لها، في حين تعمل مؤسسة "أديان" على تعزيز المواطنة الحاضنة للتنوع، ودعم حرية الدين والمعتقد وحماية حقوق المرأة من انتهاكات قوانين الأحوال الشخصية الدينية السارية في لبنان.
◙ سلوم يعد من أبرز سفراء منظمة "بيبيور أنترناشونال" البريطانية التي تأسست لقيادة حملة عالمية تهدف إلى تشريع معاهدة دولية لحظر الاستخدام السياسي للدين من خلال الأمم المتحدة
وسلوم باحث عراقي عُرف بدفاعه عن الأقليات العرقية والدينية، وقد حرص على عكس معتقداته في عمل ”مسارات“ ومجلتها الثقافية التي يرأس تحريرها. عمل سلوم و“مسارات“، وهي منظمة غير ربحية تركز على الأقليات الدينية والإثنية وتنشر دراسات حول الذاكرة الجماعية والحوار بين الأديان، على المستوى الشعبي في تعزيز “ثقافة التنوع” ومفهوم المواطنة الذي يقوم كليا على “المساواة الكاملة وغير المشروطة“.
وتشكلت لجنة تحكيم جائزة ابن رشد 2022 من عدد من الخبراء والمتخصصين في تاريخ الأديان والفلسفة والعلوم السياسية وهم الأكاديميون إليزابيث كساب من لبنان، وخزعل الماجدي من العراق، وأسماء المرابط من المغرب، إضافة إلى نظمي الجعبة من فلسطين.
بالإضافة إلى اختيار الفائزين بالجائزة، اختارت لجنة التحكيم في المرتبة الثانية والثالثة التونسية أمّ الزين بن شيخة المسكيني لمساهماتها الفلسفية القيّمة في فهم ليبرالي للدين، والعراقي عبدالجبار الرفاعي لجهوده المستمرة منذ عقود لفتح آفاق جديدة للفكر الديني حتى خارج حدود دين واحد، على الرغم من المحن الهائلة التي حلت بالعراق في التاريخ الحديث.
الدفع نحو التغيير
يؤمن سلوم أن الشباب يمتلك قوة كفيلة بإحداث التغيير، ويسلط الضوء على الأجيال الشابة من الإيزيديين في سنجار، الذين خرجوا مطالبين بإنهاء وجود الميليشيات المسلحة، والحيلولة دون تدخل القوى الإقليمية في موطنهم، مثلما فعلت في سوريا ولبنان، مطالبين بجعل سنجار منطقة منزوعة السلاح.
كل ذلك يراه سلوم مؤشراً إيجابياً على تقدّم الوعي في المنطقة حيال هذا الملف، فيقول “هناك إعلان مراكش لحماية الأقليات الدينية في العالم الإسلامي، وإعلان بغداد لمواجهة خطاب الكراهية في العراق والشرق الأوسط، وإعلان الأزهر للمواطنة والعيش المشترك، وجميعها مبادرات مترابطة تكمل ويعزز بعضها بعضا“.
زيارة البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، يعتبرها سلوم حدثاً مهماً على هذا الصعيد، فهو أول بابا يزور شبه الجزيرة العربية، الأمر الذي من شأنه أن يشّجع الشخصيات الأخرى ذات الثقل في العالم على الإقدام على خطوات مشابهة.
قد أحدثت تلك الزيارة، حسب سلوم، نتائج مهمة، تجسدت في توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك (إعلان أبوظبي)، والتي وقّعها البابا فرانسيس عن الكنيسة الكاثوليكية والشيخ أحمد الطيب، الإمام الأكبر للأزهر، في فبراير 2019. وتوجّت تلك الجهود زيارة البابا للعراق في مارس من العام الماضي، ليطل على العراق عن قرب، وهو بلد التنوع والتعددية إذ يضم 21 طائفة دينية، منها 14 طائفة مسيحية.
سلوم المولود في بغداد عام 1975 أستاذ في العلاقات الدولية المساعد في كلية العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية، من مؤسسي مبادرة الحوار المسيحي – الإسلامي 2010 والمجلس العراقي لحوار الأديان، والمركز الوطني لمواجهة خطابات الكراهية، ومعهد دراسات التنوع الديني في بغداد، إضافة إلى معهد صحافة التنوع في العراق.
وقد نشر نحو 18 مؤلفا عن شؤون التنوع المختلفة من أبرزها "الأقليات في العراق"، و"التنوع الخلاق"، و"مختلفون ومتساوون"، و"الوحدة في التنوع"، كما صدر له "الإيزيديون في العراق"، و"حماية الأقليات الدينية والإثنية واللغوية في العراق"، وله مؤلفات أخرى باللغة الإنجليزية ومؤلفات مترجمة إلى الفرنسية والإيطالية والهولندية.
حوار الأديان
وحاز سلوم في السنوات الماضية على جوائز عديدة من أبرزها: جائزة تحالف "ستيفانوس" الدولي ومقره العاصمة النرويجية أوسلو عام 2018 لدوره في الدفاع عن قضايا حرية الدين والمعتقد في الشرق الأوسط، وجائزة البطريركية الكلدانية لعام 2019 عن كتابه "المسيحيون في العراق: التاريخ الشامل والتحديات الراهنة"، وجائزة كامل شياع لثقافة التنوير عن مجمل أعماله الفكرية.
وهو يدعو إلى إعادة التفكير في طريقة تناول قضايا التنوع في المنطقة، وتوفير المزيد من الحريات الدينية للأقليات، مستندا إلى إن التنوع مصدر ثروة لا ينضب، خاصة في البلدان التي تعتمد على مصدر دخل واحد مثل النفط.
◙ سلوم يصب اهتمامه على الأجيال الشابة من الإيزيديين في سنجار الذين خرجوا مطالبين بإنهاء وجود الميليشيات المسلحة والحيلولة دون تدخل القوى الإقليمية في موطنهم
وينتقد سلوم الأدبيات السياسية والأكاديمية التي تعتبر التنوع تهديدا. ويقول في حوارات أجريت معه إثر فوزه بالجائزة "قرأتُ أطروحات ودراسات جامعية تعتبر دراسة الأقليات والتنوع تهديدًا للوحدة الوطنية. في الواقع، التنوع أساس الوحدة. أحثُّ الأكاديميين على التوقف عن الكتابة عنه من خلال نهج أمني تلهمه نظريات المؤامرة".
ويوجه الدعوة إلى تحفيز التفكير السياسي حول أهمية "الوحدة في التنوع"، على اعتبار أنه شعار سياسي كبير يجب أن يناضل الجميع من أجله، بهدف دعم التماسك الاجتماعي في العالم العربي. كما يجب أن تصبح إدارة التنوع مطلبًا لحركة احتجاجات الأجيال الجديدة، من أجل بناء مواطنة عقلانية تعمل على تحسين إدارة مواردها البشرية وتستثمر في رأس مالها الثقافي وتراثها القديم..
كان هدفه الأسمى نشر الوعي حول الملف الذي يشغل اهتمامه، ولذلك قرّر إطلاق مجلة "مسارات" في العام 2005، في بيئة غير مواتية شديدة الاستقطاب، ووسط تسييس كبير للشؤون الدينية، ومجال عام غير تعددي، بحسب تعبيره.
غير أن سلوم يتميز بآرائه المخالفة لما يدرج عليه الحديث عن الأقليات في العالم العربي، فهو ينتقد ما يعتبره "صعوبة تواجهها الأقليات الدينية في الحصول على اعتراف رسمي" في العالم العربي. مشيرا إلى الإبادة الجماعية التي ارتكبت بحق الإيزيديين في سنجار، ومع ذلك فإن الناجين من الإيزيديين لا يزالون يعيشون في المخيمات، مشبهاً مأساتهم بتكرار نموذج اللاجئين الفلسطينيين، فيقول "إنهم شعب فلسطيني جديد، كما أخبرني رجل إيزيدي نازح في دهوك".