سعد الشرايبي.. رائد سينما حقوق المرأة في المغرب

الرباط- يعتبر سعد الشرايبي من أبرز رواد السينما المغربية. بعد دراسته للسينما والسمعي البصري في جامعة فانسين بباريس، قاد مسيرته المهنية بترؤسه للنادي السينمائي “العزائم” بالدار البيضاء، حيث كان له دور فعال في الجامعة الوطنية للأندية السينمائية، كما كان من مؤسسي غرفة منتجي الأفلام، وتولى منصب رئيس صندوق دعم الإنتاج الوطني، وعمل عضوا في لجنة دعم المهرجانات السينمائية وساهم في تأسيس مجموعة السينمائيين بالدار البيضاء، وشارك في صياغة النصوص التشريعية للقوانين الخاصة بالسينما.
وترأس الشرايبي وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات داخل المغرب وخارجه، وكان عضوا دائما في لجنة تحكيم المنظمة العربية للمرأة التي تمنح جائزة أفضل عمل سمعي وبصري حول المرأة العربية، حيث تولى منصب رئيس اتحاد المخرجين المؤلفين المغاربة وساهم في تقديم أعماله في العديد من المهرجانات الوطنية والدولية، ونالت تكريما في مناسبات متعددة، كما برع في عالم السينما من خلال أدواره في الأندية السينمائية وجامعة الأندية السينمائية “جواسم”.
قضايا المرأة وهمومها
بدأ الشرايبي مسيرته كمساعد في إخراج الفيلم الجماعي “رماد الزريبة”، ثم عمل مديرا لإنتاج الفيلم القصير “الأيام المائة للمامونية” لمخرجه مصطفى الدرقاوي، وأخرج فيلمه الوثائقي القصير “بوعادل/من حياة قرية”، تلاه الفيلم الروائي القصير “كلمات وتعابير”، ثم الفيلم الروائي متوسط الطول “غياب”، الذي قام بتأليفه وإنتاجه وإخراجه، وشارك في تشخيصه كل من ثريا جبران وعائد موهوب ومحمد كافي.
كما أخرج الشرايبي فيلمه الروائي الطويل “أيام من حياة عادية”، ثم تبعه بفيلم “نساء ونساء” الذي خلق ضجة كبيرة بالمغرب لكونه من أول الأفلام المغربية التي تناولت بشكل مقرب حياة المرأة المغربية العصرية والاضطهاد والعنف الذي تعاني منه في المجتمع، وقد حاز الفيلم على جائزة أفضل ممثلة لفاطمة خير في مهرجان جوهانسبرغ السينمائي بجنوب أفريقيا، إضافة إلى جوائز عديدة في أكثر من عشرة مهرجانات في أوروبا والعالم العربي.
وتدور أحداث الفيلم حول شخصية زكية، صحافية شابة ومديرة برامج للنساء في هيئة الإذاعة والتلفزيون، التي تعشق عملها لدرجة أنه أصبح أهم محتوى في
حياتها، حيث تتلقى زكية دعوة غير متوقعة من ليلى، صديقة قديمة لم تلتقِ بها منذ سنوات، ومن خلال لقاء ليلى، تلتقي زكية مجددا بصديقتين أخريين من أصدقائها القدامى، غيثة وكلثوم، فيجتمع الأربع، اللواتي يشتركن في مزاج وطريقة حياة متشابهين، ويقررن البقاء معًا، ويعتبر هذا الفيلم من أفضل الأعمال التي درست أحوال المرأة المعاصرة في المغرب الحديث.
وفيلم “عطش” الذي شارك في بطولته كل من عبدالله ديدان، منى فتو، ثريا جبران، لويس لوموان، وجان ميشال نواري، وتدور أحداثه خلال فترة الاستعمار الفرنسي للمغرب، وتحديدا في إحدى القرى بالجنوب المغربي حيث يستعرض القصص والحكايات التي حدثت في تلك الفترة، بالإضافة إلى مواجهة الوطنيين للمستعمر الفرنسي.
أما فيلم “جوهرة بنت الحبس” فقد شارك في بطولته كل من منى فتو، محمد البسطاوي، ومحمد خيي، ويعتبر من أهم الأفلام المغربية التي تناولت موضوع حقوق الإنسان والمرأة في سنوات الرصاص، وتم تصوير الفيلم في سجن حقيقي، وهو يعرض قصة جوهرة الفتاة التي ولدت في السجن من أم سجنت مع المعتقلين السياسيين، وتجسد دورها منى فتو حيث يتناول الفيلم قصصا واقعية حدثت في مدينة الدار البيضاء حول مراقبة أجهزة الاستخبارات المغربية للنوادي السينمائية للطلاب واعتقالهم بتهم سياسية لأسباب بسيطة.
ونذكر أيضا فيلم “الإسلام يا سلام” للشرايبي الذي شارك في بطولته كل من حكيم النوري وآن ماسينا، وتدور أحداثه حول عائلة مكونة من أب مغربي يدعى عباس وهو الممثل حكيم النوري وأم أميركية تدعى بيتي وهي الممثلة آن ماسينا وطفلين هما يحيى وإيطو، الذين يقيمون في مدينة نيويورك، فيضطرون للعودة إلى وطنهم الأم بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، مع العديد من المهاجرين العرب المقيمين هناك، ويعتبر الأب عودتهم فرصة للعودة إلى الأصول والجذور، لكن الشرق الذي يتذكره لم يعد كما كان، وفي المقابل تقف زوجته الأميركية وأطفاله في صف المعارضين للعودة، ما يؤدي إلى صدامات ومشاكل وضغوطات نفسية لا تنتهي، فتتواصل الأحداث بالتصادمات والصراعات بين أفراد الأسرة الواحدة في محاولة للعودة إلى الأصل والجذور.
وهناك فيلم “نساء في المرايا” الذي شارك في بطولته كل من نفيسة بنشهيدة، مريم الزعيمي، ولطيفة أحرار، إذ يعبر الفيلم عن اهتمام المخرج بقضايا وهموم المرأة، ويكمل ثلاثيته التي بدأها بفيلم “نساء… ونساء” ثم “جوهرة بنت الحبس”.
الضمير الحي
أما فيلم “الميمات الثلاثة، قصة ناقصة” فيروي الفيلم قصة ثلاثة أصدقاء من ديانات مختلفة: الإسلام والمسيحية واليهودية، ولدوا في اليوم نفسه وفي الحي نفسه ويجمعهم ارتباط صداقة كبيرة رغم اختلافاتهم، إذ تتغير الظروف السياسية العالمية فتفرق بينهم، حيث يغادر “مويس” المغرب نحو إسرائيل ويتجه “ماثيو” إلى فرنسا، ثم يجتمعون مرة أخرى بعد فترة.
وانتهى الشرايبي من تصوير فيلمه الجديد “صمت الكمانجات”، الذي يتناول مسألة نقل التراث الموسيقي الأصيل من جيل إلى آخر، إذ تدور أحداث الفيلم حول جد وهو الممثل عز العرب الكغاط وحفيدته التي تؤدي دورها مريم البوعزاوي، حيث يشتركان في شغفهما بالموسيقى، إذ يمتلك الجد معرفة عميقة بفن الملحون الأصيل، بينما تعشق الحفيدة الموسيقى الغربية الكلاسيكية وتعزف على آلة الكمان، وبعد شد وجذب بينهما يصلان إلى صيغة فنية تدمج بين الموسيقى الأصيلة والمعاصرة، وسيعرض الفيلم قريبا في قاعات السينما.
وتتسم الرؤية السينمائية لسعد الشرايبي بلمسة فنية راقية وحس اجتماعي عميق، ما يضعه دائما في قلب القضايا الإنسانية وخاصة المتعلقة بالمرأة، ويجعل صوته معبرا عن الوجدان والضمير الحي، كما يعرف الشرايبي بنضاله من خلال الكاميرا والقلم، إذ يدمج بين الكتابة والإخراج والسيناريو والإنتاج، إلى جانب ذلك يتمتع بمعرفة أكاديمية وثقافية واسعة، ما يمنحه القدرة على إدارة النقاشات النقدية بمهارة وعمق في مجال السينما.
توثيق الذاكرة
أصدر الشرايبي مؤخرًا كتابا سينمائيا بعنوان “شذرات من ذاكرة سينمائية”، الذي يقدم فيه تأملات شخصية حول السينما وحالة الحركة السينمائية، وقد شهدت مسيرته أيضا إصدار مؤلفين يستعرضان تجربته السينمائية بعمق، الأول بعنوان “التجربة السينمائية لسعد الشرايبي”، الذي نشرته الجمعية المغربية لنقاد السينما، والثاني بعنوان “سينما سعد الشرايبي: بنياتها ودلالاتها”، الذي أصدرته جمعية القبس للسينما والثقافة بالرشيدية، وتعكس هذه الأعمال عمق تجربته السينمائية وتثري المكتبة السينمائية بإسهامات قيمة ومؤثرة، ثم أضاف آخر مؤلف له وهو رواية بعنوان “شظايا من المشهد”.
ويقدم “شظايا من المشهد” للمخرج والمؤلف المغربي سعد الشرايبي رواية تمزج بين السيرة الذاتية وتأملاته حول السينما المغربية، إذ يأخذنا من خلال هذا العمل في رحلة زمنية عبر ستة عقود من تطور المجتمع المغربي، مستعرضا الجوانب الثقافية، الاجتماعية، والسياسية التي تشكل المشهد السينمائي في البلاد.
ويميز هذا الكتاب الجمع بين الأسلوب السردي الأدبي والبصري، حيث يعكس الشرايبي خبرته الطويلة كمخرج، ويحوّله إلى نص أدبي حي، فهذه الرواية تسجل أكثر من مجرد ذكريات، حيث تنقد وتحلل بعمق العلاقة بين السينما والمجتمع، وكيف تستخدم السينما كأداة لرصد التحولات التي يشهدها المغرب منذ السبعينات.
◄ الرؤية السينمائية لسعد الشرايبي تتسم بلمسة فنية راقية وحس اجتماعي عميق، ما يضعه دائما في قلب القضايا الإنسانية
ويسلط الشرايبي الضوء على أهمية توثيق الذاكرة السينمائية المغربية، موضحا كيف تنتقل السينما من مرحلة التجريب إلى الاحترافية، وكيف تواجه تلك الفترة تحديات وإنجازات كبيرة، إذ تعكس الرواية أيضا الواقع السياسي والاجتماعي المغربي، حيث يناقش الشرايبي القضايا التي تؤثر على البلاد قبل الاستقلال وبعده، ويوضح الصراعات السياسية والاجتماعية التي تشكل المشهد الوطني.
ويمتزج في “شظايا من المشهد” الطرح الشخصي مع التحديات المجتمعية، مشيرا إلى أن الفرد لا ينفصل عن بيئته، وأن كل سؤال شخصي يعكس جزءا من سياق اجتماعي أوسع، ويدعو الكتاب إلى التأمل في تطور العلاقات الاجتماعية، وقيمة التضامن والتعايش التي تسود في الماضي مقارنة بالتوجهات الفردية الحالية.
ويبرز الكتاب بفضل السرد البصري والأسلوب العميق، كوثيقة هامة لفهم السينما المغربية وتاريخها، ويعطي القارئ فرصة للتفكير في تطور المجتمع المغربي من خلال عيون مخرج يشهد على تلك التحولات.
وتميز المخرج والسيناريست المخضرم باهتمامه العميق بقضايا المرأة في أعماله السينمائية منذ التسعينات، حينما كانت تلك القضايا لا تحظى بالاهتمام الواسع أو الزخم الإعلامي الذي نشهده اليوم من خلال أفلامه، إذ كان من أوائل الذين سلطوا الضوء على حقوق المرأة ومعاناتها في المجتمع، معالجا التحديات التي تواجهها قبل أن تبدأ الأصوات المطالبة بحقوق المرأة في الانتشار والتأثير على الساحة العامة، وهذا الالتزام المبكر يعكس رؤيته المتقدمة وإيمانه بأهمية دور المرأة في بناء المجتمع وتحقيق العدالة.