سعاد العلوي.. فنانة تجسد شخصيات تحمل نكهة الشارع المغربي

الفنانة المغربية تألقت في السينما المغربية بأدوار متنوعة عكست الروح الأصيلة للدار البيضاء.
السبت 2025/04/12
أسلوب متجذر في روح الدار البيضاء

تعد سعاد العلوي واحدة من أبرز الوجوه الفنية المغربية التي صنعت نفسها بخطوات ثابتة قبل ظهور السوشيال ميديا، في مجال التلفزيون والمسرح والسينما، حاملة في رصيدها إرثا فنيا يعكس الأصالة والتنوع، وبأسلوبها المتجذر في روح الدار البيضاء، استطاعت أن تجسد شخصيات تحمل نكهة الشارع المغربي، مع لمسة من الرقي والعمق الإنساني الذي يصعب تكراره.

تتميز الممثلة بتشخيص مغربي نادر، يتسم بالرصانة الفنية، إذ تنتقل بسلاسة بين الأدوار الكوميدية التي تثير الضحك العفوي، والدرامية، وحتى الأدوار الشريرة الشعبية، وهذه الموازنة بين الأنواع الفنية جعلتها مرجعا في الأداء، قادرة على التقمص الطبيعي لشخصيات تعبر عن الواقع المغربي بكل تناقضاته وجمالياته.

الرصانة الفنية

بسلاسة تتنقل الفنانة بين الأدوار الكوميدية التي تثير الضحك العفوي، والدرامية، وحتى الأدوار الشريرة الشعبية
بسلاسة تتنقل الفنانة بين الأدوار الكوميدية التي تثير الضحك العفوي، والدرامية، وحتى الأدوار الشريرة الشعبية

ولدت سعاد العلوي في قلب الدار البيضاء، المدينة التي شكلت خلفية إبداعها وألهمتها لتقديم أدوار تحمل طابع الحياة الحضرية المغربية بتفاصيلها الدقيقة، من اللهجة البيضاوية الغنية إلى العادات والتقاليد المتأصلة في الأحياء الشعبية، ومسيرتها الفنية التي امتدت لعقود، كانت شاهدة  لتجارب إنسانية عميقة. استطاعت أن تجمع بين خفة الظل والجدية، وبين البساطة والتعقيد.

سواء كانت تجسد الأم الصلبة التي تواجه تحديات الحياة، أو الشخصية الكوميدية التي تستلهم الفكاهة من المواقف اليومية، أو حتى الخصم الذي يثير التوتر، كانت العلوي دائما قادرة على إضفاء لمسة شخصية تجعل كل دور مميزا، وهذا التنوع مقرونا بحضورها القوي وصوتها المعبر، جعلها رمزا للممثلة المغربية التي تجمع بين الأصالة والحداثة، وبين الترفيه وترك صدى طيب لدى الشعب المغربي المتتبع لها.

حافظت على مبدأ أن سمعة الفنان هي رأسماله، فرفضت أدوارا لا تتماشى مع قيمها، احتراما لجمهورها ولأهل مدينتها، وشاركت في أعمال رمضانية هذا العام، من “دارت ليام” إلى “أحلام النسيم” و”شبح الماضي”، إضافة إلى فيلم “رشوة قاضي”، مؤكدة حضورها الدائم.

بدأت سعاد العلوي مسيرتها الفنية بموهبة لافتة، وأضافت لمسة خاصة على كل عمل شاركت فيه، محققة حضورا مميزا في وقت قصير، إذ انطلقت منذ ثمانينات القرن الماضي، لتترك بصمتها في أعمال سينمائية مثل “شفاه الصمت” و”محاكمة امرأة” و”فين ماشي يا موشي” لحسن بنجلون، و”السمفونية المغربية” لكمال كمال، إلى جانب “ألو بيتزا” لمراد الخودي.

وشاركت في أعمال تلفزيونية وطنية متنوعة، من أفلام ومسلسلات كوميدية إلى حلقات برنامج “مداولة” على القناة الأولى، مانحة الجمهور فرصة للتعرف إلى طاقتها الفنية المتنوعة، كاشفة عن طموحاتها وما أخذته وعطته للفن، بينما تستعد لمشاريع جديدة تضم مسلسلات درامية حديثة آخرها مسلسل “رحمة” الذي عرض ضمن السباق الرمضاني لعام 2025.

أدوار اجتماعية

فنانة تجمع بين خفة الظل والجدية
فنانة تجمع بين خفة الظل والجدية

عندما شاهدنا سعاد العلوي في دور أمينة بمسلسل “رحمة”، شعرنا بقوة حضورها منذ اللحظة الأولى، لقد أخبرتنا كيف أنها لم تتفاجأ بالعرض لأداء هذه الشخصية، لكنها أدركت على الفور، من مجرد قراءة السيناريو، أنها ستقدم لنا امرأة تحمل الكثير من الأبعاد الدرامية.

تحدثت سعاد العلوي عن دورها ذاك وعن شغفها بإظهار واقع الفقر بصدق، حيث أكدت أن أمينة ليست مجرد نموذج للمرأة المغربية، بل هي امرأة عاشت قسوة الحياة، تسعى مع ابنتها لتأمين المال بأي وسيلة، حتى لو أدى ذلك إلى قرارات متسرعة تترك آثارا عميقة.

كان تعاونها مع المخرج محمد علي المجبود هو السر وراء هذا الأداء المؤثر الذي جعلنا نعيش معاناة أمينة وكأنها جزء من حياتنا.

السينما والتلفزيون في نظر العلوي مجالان متكاملان، ونجاح الفنان عندها يعتمد على مهارته واستعداده، وليس على الوسيط الفني، فهي بدأت تجربتها المسرحية الأولى عام 1984 بعشق ومغامرة، ثم وجدت في زوجها المحامي الراحل مولاي هشام العلوي داعما شجعها بميوله الفنية، كما حافظت على علاقات مهنية مع زملائها في الوسط الفني، لكنها ظلت حذرة من الخيانة والكذب، مفضلة إطارا ضيقا يحميها من الصدمات، وجدت في ابنتها أحلام سندا ومتنفسا، موازنة بين عملها ورعايتها، خاصة مع مساندة أختها التي تعيش معها.

أعربت سعاد العلوي عن حبها للأدوار الاجتماعية، رافضة النمطية، ومنفتحة على أعمال عربية أو أجنبية بشرط احترام قيمها، وانخرطت في العمل الجمعوي، مؤمنة بأهمية رسالة الفنان تجاه مجتمعه، داعية إلى ترسيخ حقوق المرأة المغربية ومواجهة التحديات كالعنف الزوجي بعقلية متجددة، فاسمها الحقيقي سعاد صابر، لكنها غيرته إلى سعاد العلوي نسبة إلى اسم زوجها الراحل، وذلك لتجنب الخلط مع الممثلة المعروفة سعاد صابر، خاصة بعد حادثة نشر صورة خاطئة لها في إحدى الصحف مرتبطة بمسرحية شاركت فيها.

العلوي رمز للممثلة المغربية التي تجمع بين الأصالة والحداثة، وبين الترفيه وترك صدى طيب لدى جمهورها

تألقت سعاد العلوي في السينما المغربية بأدوار متنوعة عكست الروح الأصيلة للدار البيضاء، فجسدت شخصيات مستوحاة من الحياة اليومية في الأحياء الشعبية، في أفلام مثل “شفاه الصمت” و”محاكمة امرأة”، قدمت أداء دراميا يبرز تحديات المرأة المغربية، بينما أضافت في “السمفونية المغربية” و”فين ماشي يا موشي” لمسة من البساطة المغربية، واستخدامها للهجة البيضاوية وتفاصيل الثقافة المغربية جعل شخصياتها قريبة من الجمهور، مع الحفاظ على طابع إنساني يبرز القيم الأسرية والاجتماعية.

وبرعت الممثلة في الكوميديا من خلال أعمال مثل “ألو بيتزا” و”الكماط”، وأظهرت حسا فكاهيا ينبع من المواقف اليومية في الدار البيضاء. في “دالاص”، لعبت دور السعدية بمزيج من القوة والخفة، جعل الشخصية مقبولة، بينما أضافت في “ربيبي مليونير” و”القافز” طابعا شعبيا مميزا، وأدوارها الكوميدية اعتمدت على عفوية اللهجة المحلية وتفاعلها الطبيعي مع الممثلين، مما عزز من حضورها كممثلة متعددة المواهب.

وشاركت سعاد العلوي في التلفزيون بأدوار تراوحت بين الدراما والكوميديا. بدأت مشوارها بمسلسل “راضية” الذي أظهر موهبتها المبكرة، وفي “أحلام نسيم” و”لمكتوب”، جسدت شخصيات درامية مثل راضية التي تحمل صمود المرأة المغربية، بينما أضافت في “كبور ولحبيب” كشخصية خديجة روحا كوميدية جعلتها محبوبة، وتنوع أدوارها في “شيب وشباب” و”يبان يبان” عكس قدرتها على التكيف مع مختلف الأنواع الفنية، مع الحفاظ على طابع بيضاوي أصيل.

ابنة المدينة القديمة

أدوار تحمل طابع الحياة الحضرية المغربية
أدوار تحمل طابع الحياة الحضرية المغربية

ساهمت سعاد العلوي في إثراء الفن المغربي من خلال تجسيد شخصيات تعبّر عن الهوية المحلية، مستلهمة إيحاءاتها من الدار البيضاء، وسواء في السينما أو التلفزيون، استطاعت أن تمزج بين العمق والخفة، مقدمة أداء يعكس تفاصيل الحياة المغربية من خلال اللهجة، الأزياء، والقيم الاجتماعية، وتعاونها مع نخبة من الفنانين مثل رشيد الوالي وسعد لمجرد عزز من تأثيرها، مما جعلها رمزا للممثلة التي تجمع بين الأصالة والتنوع في الأداء.

ولدت سعاد العلوي في أحضان حي بوسبير بالمدينة القديمة للدار البيضاء، وأطلقت صرختها الأولى وسط أسرة مغربية لم تكن تختلف عن غيرها، إذ نشأت بين جدران بيت لم يسمح لها والدها بالخروج للعب في الأزقة، خوفا عليها، فبقيت بعيدة عن شغب الطفولة وضحكات الدروب الضيقة.

سعاد العلوي استطاعت أن تمزج بين العمق والخفة، مقدمة أداء يعكس تفاصيل الحياة المغربية بكل خصائصها

بدأت رحلتها الفنية صدفة، حين شاركت في فيلم قصير بعنوان “المؤسسة”، ثم تلتها تجربة “راضية” أواخر الثمانينات، لتعلن عن ميلاد ممثلة ستترك بصمة في الذاكرة المغربية، وأصبحت صورتها مألوفة، وصوتها يتردد في البيوت، مع كل دور جديد تضيفه إلى مسيرتها.

راكمت سعاد العلوي ثمانية وعشرين عاما من الخبرة الفنية، وقدمت خلالها العشرات من الأعمال، وأبقت على علاقات إنسانية مع زملائها وجمهورها، وبقيت ابنة المدينة القديمة، تحمل عشقها لها كوشاح لا يفارقها، وتبحث عن مكان قريب منها لتعيد إليه جزءا من روحها.

12