سطوة تونسية بلاعبين ومدربين على الدوري المصري

تشهد النسخة الجديدة من الدوري المصري التي تنطلق يوم الخامس والعشرين من أكتوبر الحالي حضورا كبيرا للاعبي كرة القدم التونسيين، كما تشهد التجربة الأولى للمدرب التونسي معين الشعباني في الإدارة الفنية لنادي المصري البورسعدي.
القاهرة - قبل خمسة أعوام كان الدوري المصري لا يتضمن سوى علي معلول، لاعب النادي الأهلي، كممثل للكرة التونسية، قبل أن يعزز أبناء جنسيته وجودهم باضطراد ليحضروا في الموسم الجديد بـ16 لاعبًا، ومعهم مدرب تونسي لفريق المصري البورسعيدي، هو معين الشعباني مدرب الترجي السابق.
تضم الفرق المنافسة في بطولة الدوري المصري الذي ينطلق يوم 25 أكتوبر مجموعة من اللاعبون التونسيين أثبتوا جدارتهم في المواسم الماضية مثل علي معلول، حمزة المثلوثي، سيف الدين الجزيري، فخرالدين بن يوسف، ومعهم مجموعة أخرى تبحث عن ترسيخ أقدامها مثل: محمد علي جويني، مروان الصحراوي، زياد بوغطاس، محمد مثناني، رفيق كابو، رفيق غومة، سيف تقا.
ويثير التواجد المكثف للاعبي تونس تساؤلات حول أسباب تفضيلهم من قبل الأندية المصرية على جنسيات أخرى كانت ضيفا دائما على البطولات المصرية، خاصة في ظل عرف سائد محليًا بأن اللاعبين من ذوي البشرة السمراء أكثر قوة في الالتحامات واللياقة البدنية.
اعتقد الكثير من النقاد الرياضيين أن تواجد لاعبي شمال أفريقيا في الدوري المصري، خاصة تونس والمغرب والجزائر، ظاهرة مؤقتة شبيهة بما حدث في موسم 2006 عندما ضم الزمالك اللاعبين يامن بن زكري ووسام العابدي، وتبعه الأهلي باستقطاب أنيس بوجلبان الذين لم تصادف تجاربهم صدى واسعا وسرعان ما عادوا إلى بلادهم. لكن اللاعب علي معلوم الذي يدافع عن ألوان الأهلي منذ 5 أعوام وجدد عقده عامين إضافيين أخيًرا غيّر الصورة الذهنية للاعبي تونس، بفضل أدائه المستقر وتنفيذه المهام بحذافيرها، والتي كانت وازعا أمام الأندية المنافسة للبحث عن لاعبين مشابهين من أنباء جنسيته.
تجارب ناجحة
الزمالك أسهم في ترسيخ مزايا اللاعبين التونسيين حينما ضم لاعب الوسط المهاجم فرجاني ساسي والظهير حمدي النقاز
أسهم الزمالك المصري في ترسيخ مزايا اللاعبين التونسيين حينما ضم لاعب الوسط المهاجم فرجاني ساسي والظهير الأيمن حمدي النقاز اللذان قدما مستويات مميزة قبل أن يقررا الرحيل عن الفريق لأمور تتعلق بعروض مالية أفضل.
واستفاد لاعبو تونس من عنصر القرب الجغرافي التي جعلت الكشافين المصريين يستطيعون بسهولة رصد المواهب الجيدة، بجانب عنصر اللغة الذي يسهل التواصل معهم واندماجهم سريعا ضمن تشكيلة الفريق. ومع المبالغ الفلكية التي تخصصها الأندية المصرية للتعاقدات وحضور الشركات بقوة في تشكيلة البطولات المختلفة، وجد لاعبو تونس فرصة لتحقيق طموحاتهم، في ظل صعوبة الانتقالات إلى الدوريات الخليجية التي باتت تستقطب أسماء كبيرة من الدوريات الأوروبية واللاتينية. وقال طارق السيد، لاعب الزمالك السابق، إن الانتقالات تشبه العدوى في كرة القدم، فنجاح علي معلول ثم ساسي، دفع باقي الأندية للبحث عن المواهب في تونس.
واستفاد لاعبو المغرب العربي عموما من الظاهرة ذاتها خاصة المغرب الذي تم استقدام لاعبين منه مثل حميد أحداد، وبدر بانون، وأشرف بني شرقي، وعبدالكريم الوادي، وأحمد مرشوح، في الموسم الحالي ليصبحوا ثاني جنسية بعد تونس في الدوري المصري.
وتتسم التجارب الاحترافية في مصر بطابع مستقر لدى اللاعب العربي يتعلق برغبته في التواصل مع أسرته والسفر إليها باستمرار، وغالبية اللاعبين التونسيين حاليًا يتمتعون بحرية السفر في فترات التوقف بسهولة لبلادهم من دون صعوبات أو اعتراضات من أنديتهم.
وأكد السيد أن التونسيين أثبتوا جدارتهم بقدرتهم على التركيز في الملعب مهما كانت نتيجة المباراة، ما جعل عددهم يزيد باستمرار في الدوري المصري.
ولا يمكن تنحية القفزة الكبيرة لرواتب اللاعبين بمصر حاليا والأزمات المالية التي تمر بها بعض الأندية التونسية من حسابات اللاعبين الذين يتحكم المقابل المالي في قرارات بعضهم والمفاضلة بين العروض الخارجية والاختيار بينها.
يصل الراتب السنوي لحمزة المثلوثي إلى 560 ألف دولار بخلاف الحوافز، وعلي معلول 1.5 مليون دولار، وفخرالدين بن يوسف 1.6 مليون دولار، وهي مبالغ أعلى مما قد يتحصلون عليه في تونس. ينظر بعض المحللين إلى تلك الظاهرة بأنها خطر على البطولات المحلية التونسية لتفريغ الأندية من المواهب، لكنها في الوقت ذاته تفيد المنتخب بشكل عام، على اعتبار أن التجارب الخارجية تمنح خبرات أفضل.
العكس صحيح تمامًا بالنسبة إلى المنتخب المصري الذي يعاني مدربوه في انتقاء لاعبين دائمي اللعب بمستوى جيد في مراكز بعينها، ويسيطر عليها اللاعبون المحترفون الأجانب خاصة مركزي صناعة الألعاب ورأس الحربة، وهذه المراكز يضطلع بها لاعبون أجانب، بينهم تونسيون.
تغطية إعلامية جيدة

تسمح التغطية الإعلامية الجيدة للدوري المصري للاعبين الأجانب بوضعهم في الأضواء باستمرار، وهو أمر يضعه اللاعبون في حسبانهم، فشهرة فرجاني ساسي تضاعفت بعد انضمامه للزمالك المصري. وتمتلك مصر منظومة شاملة للتسويق الرياضي ما يلبي طموحات اللاعبين ويساعد في نجاح مسيرتهم الاحترافية ليتخذوا القاهرة بوابة عبور لأماكن أخرى أعلى في الرواتب، مثل الخليج العربي.
وأمام بعض اللاعبين التونسيين اختبار شاق لفرض وجودهم في الدوري المصري، مثل رفيق كابو الذي كان أبرز لاعبي الاتحاد المنستيري موسم 2018-2019 لكنه لم يحقق الانطلاقة ذاتها في الموسم المنقضي مع وادي دجلة بمصر الذي هبط إلى دوري الدرجة الثانية.
لا يجد محللون تونسيون في رحيل الأسماء المحلية لمصر تأثيرا على قوة أنديتهم الأصلية وحظوظها في المنافسات القارية، بعدما استثمرت عائد البيع في استقطاب لاعبين بارزين من دوريات أخرى.
يملك لاعبون مصريون تجارب في الدوري التونسي لكن لم يكتب لها النجاح، مثل عمرو جمال مع النادي الصفاقسي التونسي موسم 2019، وعمرو مرعي مع النجم الساحلي في 2017.
وقال الناقد الرياضي المصري أحمد أبوطالب إن اللاعبين التونسيين يمتازون بالبعد عن إثارة المشكلات والالتزام بتعليمات الإدارات، باستثناء فرجاني ساسي وحمدي النقاز، وذلك لاعتبارات تتعلق بعدم قدرة الزمالك على تلبية طلباتهم المالية أو الدخول في خلافات حول مواعيد تسليمها.
وأضاف أبوطالب لـ”العرب” أن اللاعبين التونسيين يتسمون بميزة أخرى أهمها إمكانية التفاهم معهم على المقابل المالي مقارنة بلاعبين من دول أخرى في الفئة ذاتها، كما أن حديثهم بالعربية مع الفرنسية يساعدهم كثيًرا على تواصلهم مع الإعلام والجماهير في القارة، ما يعزز شعبيتهم.
وتتضمن النسخة الجديدة للدوري تجربة تونسية في التدريب مع معين الشعباني الذي تولي الإدارة الفنية لنادي المصري البورسعيدي لموسم واحد قابل للتمديد، وأعلن قبوله المهمة لرغبته في تحدي الأهلي والزمالك وبيراميدز، وهي الأندية التي تنافس على البطولات في مصر.
وخلف الشعباني المدرب المصري علي ماهر الذي حقق نتائج جيدة مع الفريق البورسعيدي (نسبة إلى محافظة بورسعيد)، واستقال من منصبه بعد خلافات مع الإدارة حول الصفقات اللازمة لتدعيم الفريق والالتزام بمواعيد صرف مستحقات اللاعبين. وقال الشعباني في تصريحات إعلامية، وهو الذي حقق عدة بطولات مع الترجي التونسي، إنه متعود على الضغط الجماهيري، وأكثر ما يحتاجه هو الهدوء والتركيز لتحقيق آمال جماهير بورسعيد.
للمدربين التونسيين سابقة غير مشجعة في الدوري المصري عبر نصرالدين نابي الذي درب فريق الإسماعيلي فترة قصيرة، خاض خلالها أربعة مباريات خسر في ثلاث وتعادل في واحدة قبل إقالته لسوء النتائج. ويجمع النقاد في مصر على أن تجربة لاعبي تونس ناجحة بكل المقاييس، وأفرزت المزيد من القوة والندية في الدوري المصري من دون أن تؤثر في الوقت على حظوظ اللاعبين المحليين المميزين في نيل فرصهم.