سطوة الميليشيات تعرقل ترويج السوداني لبيئة استثمارية ملائمة في العراق

بغداد - أثار رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني موضوع المحاذير الأمنية التي تحجم الشركات الأجنبية بسببها عن العمل في العراق ما يحرم الأخير من فرص لتنشيط اقتصاده وتوفير مواطن الشغل لمئات الآلاف من شبانه وخريجي جامعاته العاطلين عن العمل.
ودعا الشركات الأميركية إلى “عرض ما لديها من تحديات” لعملها في العراق، قائلا في مقابلة تلفزيونية مع شبكة “سي.أن.أن” الأميركية أجريت معه على هامش مشاركته في الدورة الثامنة والسبعين لأعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، إنه “لا يمكن أن تبقى العلاقة بين العراق والولايات المتحدة محصورة في الجانب الأمني”.
ويستند السوداني في دعوته هذه إلى التحسّن الكبير للوضع الأمني في بلاده بعد سنوات طويلة من عدم الاستقرار ومن التفجيرات والاغتيالات والحرب ضد تنظيمي القاعدة وداعش.
خطر الميليشيات يتعدى تهديدها للأجانب إلى انخراطها في الحياة الاقتصادية واستيلائها على المشاريع
إلاّ أن المحاذير الأمنية التي تعيق عمل الشركات الأجنبية في العراق لا تتلخّص فقط في تلك الحوادث الأمنية الدامية ولا تنتهي بالقضاء على التنظيمات التي وقفت وراءها، بل تتجاوزها إلى وجود العشرات من الميليشيات المسلّحة التي يستمدّ بعضها مشروعية وجوده من انتمائه الصوري إلى القوات المسلحة العراقية تحت يافطة الحشد الشعبي، بينما يواصل البعض الآخر نشاطه ويحتفظ بسلاحه دون أي موجب قانوني، ولمجرّد رعايته من قبل سياسيين مشاركين في حكم البلاد ومستندين بدورهم إلى دعم الحرس الثوري الإيراني.
وتتعدّى تأثيرات تلك الميليشيات على جلب المستثمرين، مجرّد تهديدها للأجانب الموجودين على الأراضي العراقية والاعتداء عليهم في بعض الأحيان، إلى انخراطها أصلا في الحياة الاقتصادية واستيلائها على بعض المشاريع وإدارتها للمرافق المدرّة للأرباح.
وذكر السوداني أن العراق يمتلك “القرار والإرادة لإيقاف الفساد بإجراءات قانونية ولا يمكن جعل الشركات عرضة للابتزاز أو الروتين”، لافتا إلى العمل على “إصلاح النظام الضريبي ونظام الجمارك”.
وتوجد بالفعل سوابق في العراق لابتزاز مستثمرين من قبل قادة ميليشيات، وصولا إلى الاستيلاء على مشاريعهم كونها تدر أرباحا ضخمة يحتاج إليها هؤلاء في الإنفاق على تنظيماتهم المسلحة شديدة النهم للمال.
وفي تقرير سابق أعدّه الصحافي الأميركي روبرت وورث لصحيفة نيويورك تايمز وردت تفاصيل عن قصّة مستثمر عربي استولت كتائب حزب الله، الميليشيا القوية ذات العلاقة الوثيقة مع الحرس الثوري الإيراني، على مشروعه الاستثماري الذي أقامه في مطار بغداد الدولي بالاستناد إلى عقد حكومي وأجبرته على مغادرة العراق تحت طائلة التهديد، حيث قال له أحد عناصر الميليشيا عندما حاول التمسّك بالقانون الذي ينظم الاستثمار “نحن القانون”.
وقال وورث في تقريره إنّ الميليشيات أصبحت تشكّل طبقة جديدة أخلاقياتها الوحيدة هي إثراء الذات. وعلى مر السنين أتقنت هذه العصابات الحيل على جميع المستويات من الاحتيال المصرفي إلى الاختلاس من الرواتب الحكومية.
ومع تعاظم دور الميليشيات وارتفاع فاتورة نفقاتها أصبح الجانب الاقتصادي والمالي جزءا أساسيا في نشاطها، حيث ينخرط بعضها في أعمال تجارية ويدير مشاريع ربحية من خلال إنجاز أعمال وإدارة مرافق خدمية تابعة للدولة يحصل عليها من خلال المشاركة الصورية وعبر شركات وهمية في الصفقات العمومية.
أما البعض الآخر فيذهب مباشرة نحو السيطرة على مرافق تابعة للدولة مثل المعابر الحدودية وخصوصا تلك الموجودة على الحدود مع إيران وتمرّ عبرها كميّات هائلة من السلع رخيصة الثمن والمقلّدة وغير المستجيبة لأي من المواصفات والمقاييس الصحية، بالإضافة إلى الأسلحة والمخدرات بمختلف أنواعها، بينما يتم في الاتجاه العكسي تهريب النفط والكثير من السلع وقطع الغيار والمعدّات رغم أنّها مستوردة بأموال الدولة العراقية وموجّهة للاستخدام محلّيا.
وخلال الأيام الماضية أعيد تسليط الأضواء على ما يخترق الوضع المالي في العراق من تلاعب لا ينفصل عن أنشطة الشخصيات والفصائل المرتبطة بإيران في العراق.
وجاء ذلك من خلال تحذير وجهه مسؤولون في بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي إلى السلطات المالية العراقية، بأنه ما لم يتم عزل المصارف الخاصة التي تقوم بتهريب الدولار، فإن قيودا إضافية سوف تفرض على التحويلات العراقية.
ويقول مراقبون إن إيران تلعب دورا كبيرا في التحكم بالمصارف غير الحكومية العراقية حيث أصبحت تمتلك نحو أحد عشر مصرفا كما اشترت مصارف إيرانية حصصا في ستة بنوك عراقية أخرى. ولئن كانت هذه المصارف تعمل بواجهات عراقية إلا أنها تقدم خدماتها لإيران.