سريان العقوبات الأميركية يضعف خطط حكومة إدريس

البرهان يوافق على هدنة إنسانية بالفاشر لتقزيم الأثر السياسي للعقوبات.
الأحد 2025/06/29
خيارات محدودة أم حكومة الجيش

قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان يسعى للمناورة بهدف إظهار تجاوبه مع المجتمع المدني عبر إعلان القبول بهدنة إنسانية في الفاشر، والهدف الإيحاء بأنه يستجيب لدعوات الحوار وتحييد المدنيين، لكن سياسته على الأرض غير ذلك.

الخرطوم - دخلت العقوبات التي فرضتها الإدارة الأميركية على السودان إثر اتهامه باستخدام أسلحة كيميائية حيز التنفيذ، الجمعة، في وقت يحاول فيه قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان الظهور أمام المجتمع الدولي بصورة مغايرة، مع إقدامه على تعيين رئيس الوزراء كامل إدريس، ويحمل صبغة مدنية وله علاقات بمنظمات دولية، وتهيئة الأجواء أمام قبول التعامل معه على نطاق واسع إقليميا ودوليا.

وسعى البرهان لتقليل أثر العقوبات وتأكيد تجاوبه مع المجتمع الدولي بإعلانه، الجمعة، القبول بهدنة إنسانية في مدينة الفاشر، عاصمة إقليم شمال دارفور، والتي تدور فيها معارك بين الجيش وحركات مسلحة متحالفة معه، وقوات الدعم السريع، تسبّبت في حدوث انتهاكات إنسانية، وضاعفت من صعوبة وصول المساعدات.

وفرضت الولايات المتحدة في مايو الماضي عقوبات تضمنت فرض قيود على الصادرات الأميركية، وعلى الوصول إلى خطوط الائتمان، وإنهاء المساعدات غير الإنسانية، ووقف مبيعات الأسلحة وتمويلها، وحرمان السودان من أيّ قروض أو دعم مالي حكومي أميركي، وحظر تصدير السلع والتكنولوجيا الحساسة للأمن القومي.

وتواجه عملية تشكيل الحكومة الجديدة انتقادات من قبل حركات مسلحة بسبب توزيع المناصب، ما يضعها أمام مشكلات أكبر عقب دخول العقوبات حيز التنفيذ، حيث ستجد صعوبات على مستوى التحركات الدولية، وتظل صورتها قاتمة منذ أن جرى توقيع عقوبات مماثلة في ثمانينات القرن الماضي.

ويسعى الجيش السوداني من وراء تشكيل حكومة مدنية أن يخفف من الانتقادات الموجهة إليه بالاستحواذ على السلطة، وكان من المفترض أن تكسب وزارة كامل إدريس ثقة جهات مدنية تمنحها شرعية دولية تتحرك في إطارها، غير أن ما حدث أنها تواجه اعتراضات من مكونات عديدة، إلى جانب تأثرها بالعقوبات الأميركية.

وقد يكون بدء سريان العقوبات دافعا نحو تمدد الأنشطة غير المشروعة لتعويض أيّ قروض أو تمويلات خارجية تأتي من جهات أميركية أو قريبة منها، وتبقى البلاد في وضعية تتيح انتشار التنظيمات المتطرفة وجماعات التهريب، ما يقود إلى المزيد من زعزعة الأوضاع في السودان والدول المجاورة له، وهو ما كان مثار نقاشات في جلسة عقدها مجلس الأمن لمناقشة الأزمة السودانية، الجمعة.

وأجرى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الجمعة، اتصالا برئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، عبّر فيه عن ترحيبه بتعيين كامل إدريس رئيساً للوزراء، ودعا في الوقت ذاته لإعلان هدنة إنسانية لمدة أسبوع في محلية الفاشر دعما لجهود الأمم المتحدة وتسهيل وصول الإغاثة للآلاف من المواطنين المحاصرين هناك، وهو ما وافق عليه البرهان.

وقال المحلل السياسي السوداني عبدالواحد إبراهيم إن العقوبات الأميركية تضعف خطط قائد الجيش بتسويق الحكومة الجديدة أمام المجتمع الدولي، خاصة وأنه أقدم على اختيار إدريس نظرا لعلاقاته الخارجية كجزء من المنظمات الدولية التي تتمتع بعلاقات جيدة مع حكومات غربية عدة.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن سريان العقوبات يساهم في خلق صعوبات اقتصادية تنعكس سلبا على الأوضاع المعيشية المتردية بفعل الحرب، ولا توجد فرصة لتنمية أو استثمارات أجنبية وسوف تتراجع التحويلات المالية على مستوى الدول والأفراد، ويقود ذلك إلى فقدان العملة المحلية المزيد من قيمتها ما يعرض الاقتصاد لانهيار أكبر، ولذلك تأثير قاتم على قدرة الجيش على استعادة مناطق جغرافية فقد السيطرة عليها خلال الحرب لصالح الدعم السريع.

◙ العقوبات الأميركية كان تأثيرها كبيرا غير أن قدرة الجيش على تنويع مصادر التمويل جعلته لا يتأثر مثل قوات الدعم السريع

وأشار إلى أن خطر العقوبات يكمن في تحولها على إلى مقدمة لعقوبات أشمل تصل إلى قطيعة مع السودان، وليس مستبعدا أن تصل حد توقيع عقوبات مع الجهات المتعاونة مع الحكومة، تحديدا ما يتعلق بصفقات السلاح العسكرية، كما تؤدي إلى انكماش في علاقات السودان ببعض الدول الفاعلة.

ويؤكد متابعون أن العقوبات الأميركية، ركزت على البعد الشخصي لطرفي الصراع وكان تأثيرها كبيرا مع حظر استخدام أرصدة مالية، غير أن قدرة الجيش على تنويع مصادر التمويل جعلته لا يتأثر مثل الدعم السريع، ويمكن أن يكون ذلك دافعا نحو فرض عقوبات شاملة على الحكومة. وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس قد أعلنت في مايو الماضي أن بلادها خلصت إلى أن السودان استخدم أسلحة كيميائية عام 2024، وتعتزم فرض عقوبات عليه بعد إخطار الكونغرس بمدة 15 يوما.

وأدرج الموقع الرسمي “للسجل الاتحادي” الأميركي إخطاراً عاماً بشأن سريان العقوبات، صباح الخميس، تحت تصنيف (غير منشور) وتاريخ نشره الجمعة، وقال إن حكومة السودان انتهكت القانون الدولي باستخدام هذه الأسلحة، بموجب المادة 306 (أ) من قانون مكافحة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والقضاء على الحرب.

وذكر أستاذ العلوم السياسية بجامعة أفريقيا العالمية محمد خليفة صديق أن التحفظ الكبير على حيثيات فرض عقوبات على السودان بسبب استخدام أسلحة كيميائية دون تقديم دليل سيجعل أثرها الدولي ضعيفا، وكان من المفترض وجود تأثير على البيئة المحيطة للسودان، كما أن قوات الدعم السريع لم تتهم في السابق الجيش باستخدام هذه الأسلحة.

وأوضح لـ”العرب” أن السودان تأثر بالعقوبات منذ ثمانينات القرن الماضي، لكن من تضرّروا بشكل أكبر هم المواطنون وليس النظام، ويظل التأثير على مستوى دخول سلع بعينها واختلال الميزان التجاري بين السودان والولايات المتحدة، باستثناء الصمغ العربي الذي يتم استثناؤه لدخول في صناعة المشروبات الغازية الأميركية، كما أن تراجع العلاقات التجارية بين واشنطن والخرطوم يجعل أثر العقوبات محدودا.

وأكد أن العقوبات التي تتضمن وقف الحصول على قروض للحكومة السودانية تأتي في وقت أوقفت فيه المنظمة الأميركية لدعم دول العالم الثالث المعونات المقدمة بقرار من الرئيس دونالد ترامب، ما يجعل النتيجة تأخذ جانبا معنويا يتعلق بصورة السودان وحكومته الجديدة، والتأثير الأكثر فاعلية لوقف الحرب يجب أن يكون على مستوى حظر وصول السلاح للطرفين المتصارعين، ما يفضي إلى نقطة تجبرهما على التفاوض.

ونفى السودان استخدام أسلحة كيميائية في النزاع المستمر منذ 15 أبريل 2023، وفي نهاية مايو الماضي شكل البرهان لجنة وطنية للتحقيق في مزاعم استخدام أسلحة كيميائية في النزاع، تضم وزارتي الخارجية والدفاع وجهاز المخابرات العامة، لكن لم تصل بعد إلى نتائج معلنة.

3