سريالية محمد رياض سعيد.. احتفاء بتجربة فنية فريدة

معرض تشكيلي يعكس نزعة الفنان محمد رياض في تناول أحداث وقضايا من الواقع.
الجمعة 2025/02/21
فن غاضب من أجل الإنسانية

القاهرة - استعادة لتجربة فريدة لواحد من أهم الفنانين السرياليين في مصر، انطلق منذ مطلع فبراير الجاري معرض تشكيلي يستضيفه غاليري المشهد حتى السابع عشر من مارس المقبل تحت عنوان “سريالية محمد رياض سعيد” ويهتم بالمدرسة السريالية المصرية في الثلث الأخير من القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة، من خلال تجربة الفنان الراحل محمد رياض سعيد (1937 – 2008) أيقونة السريالية المصرية.

يضم المعرض نحو ثلاثين لوحة بعضها لم تُعرض منذ فترة طويلة، وهي تعكس نزعة محمد رياض سعيد السريالية في تناول أحداث وقضايا من الواقع، بهدف إبراز تناقضات المجتمع وسلوكياته وصراعاته الاجتماعية.

التركيز على القواعد الجمالية المطلقة أو التحديث بلا هدف هو أكبر الأخطار التي صنعت الهوة بين الفنان والمتلقي
التركيز على القواعد الجمالية المطلقة أو التحديث بلا هدف هو أكبر الأخطار التي صنعت الهوة بين الفنان والمتلقي

وقال الفنان إيهاب اللبان معد المعرض، في بيان، إن الفنان محمد رياض سعيد “أحد أهم رموز الفن المصري الحديث والمدرسة السريالية المصرية وصاحب التجربة الرائدة على المستويين الفكري والتقني، حيث شكلت أعماله الفنية عالما فريدا ساحرا تنطق مفرداته بسياقها السريالي بالكثير من المعاني، تقرأها العين فتنجذب ويسبح معها العقل شاردا وباحثا عما تبعثه من رسائل أطلقها خيال هذا الفنان القدير، تلك المشاهد ليست بعيدة عما يدور في عالمنا بل هي غارقة في كل ما يحيط بنا، أكسبها رياض سعيد بقدرته الفائقة وخياله الاستثنائي بعدا آخر يدعونا إلى التأمل”.

ويعد المعرض فرصة جديرة بالمتابعة للتعرف عن قرب على قيمة كبيرة بحجم محمد رياض سعيد الملقب بـ”عزيز الفن المصري” نظرا لندرة أعماله وعزوفه في الكثير من الأحيان عن التواجد واعتزازه الكبير بشخصه وفكره وفنه الذي أراده أن يكون رسالة صادقة تتأملها الأجيال وتبحث في معانيها الماضية معنا حتى الآن حيث يضم المعرض قرابة الثلاثين عملا من أعمال الفنان.

وأضاف اللبان أن محمد رياض سعيد هو “أحد أهم المحطات الرئيسية والفارقة في مسار الفن المصري الحديث التي يجب أن يمر عليها كافة الدارسين والباحثين والمهتمين بالفن المصري ورموزه المؤثرين”.

وفي هذا الصدد يصدر مع المعرض كتالوغ يضم أعمال الفنان ويحتوي على دراسة نقدية هامة بقلم الفنان والناقد الكبير صلاح بيصار تحت عنوان “عالم محمد رياض سعيد بين السحر الكوني وعمق الروح السريالية”.

جدير بالذكر أن الفنان محمد رياض سعيد تخرج من كلية الفنون الجميلة عام 1964 وحصل على الأستاذية في الفن من أكاديمية فرناندو للفنون الجميلة بمدريد عام 1976، شارك خلال مسيرته الفنية في أكثر من 50 معرضا محليا ودوليا وله العديد من المقتنيات الفنية في متاحف عدة حول العالم.

ويعد رائد السريالية وتربع على عرشها أربعين عاما وامتلك تقنيات إنهاء اللوحة لتبدو في أجمل رونق وكأنها لوحة كلاسيكية رصينة، وبالفعل يثبت أستاذيته في البورتوريه الكلاسيكي ولعل أشهر لوحاته في هذا المجال لوحة “الراهبة”.

يصفه الفنان والناقد التشكيلي الراحل مكرم حنين بالقول “لا ينفصل الفنان الأصيل عن تناول قضية أو أكثر من الواقع سواء كان واقعا خاصا أو عاما، فقد تعلمنا من تاريخ الفن أن الكثير من الفنانين اكتسبوا وجودا قويا في ضمير شعوبهم بتلك المبادرة في تناول أحداث وأفكار من الواقع الذي يعيشه الفنان. ولا ينكر أحد عضوية الفنان في المجتمع الذي يقوده إلى الإيجابية، وقد تكون مظاهر هذه الإيجابية هي التناقض أو الصراع أو النقد لهذا المجتمع ككل أو تطبيقه أو كوضع إنساني إلى آخره، فالتركيز على القواعد الجمالية المطلقة أو التحديث بلا هدف هو أكبر الأخطار التي صنعت تلك الهوة بين الفنان والمتلقي، وهو ما استطاع في نهاية القرن العشرين أن يحاربه بقوة منذ عام 1960 الفنان محمد رياض سعيد.”

تعبير تجريدي للواقع الحياتي
تعبير تجريدي للواقع الحياتي

ويرى أنه “يواجهنا بلوحاته السريالية الطابع، الواقعية المضمون، يتناول فيها رغيف الخبز ومأساة القدس بنفس الحرارة والقوة، يساعده في ذلك فهمه العميق لضرورة ارتباط الفنان بما يحدث حوله في العالم.”

ارتبط اسم سعيد بالقضية الفلسطينية بسبب أحد أعماله المعروفة، والذي حمل عنوان “حلم في ساحة القدس”، هذه اللوحة غير المؤرخة التي تصفها الناقدة فاطمة علي بالقول “لم يسجل الفنان تاريخ رسمها في أسفل اللوحة.. كأنه أراد تأكيد أن أثر الحدث المرسوم مستمر.. في ظل الكابوس الموجود على الأرض دوما.”

في اللوحة رسم سعيد قبة الصخرة وأمامها تظهر عروس ترتدي ثوب زفافها، وعلى رأسها وشاح يمتدّ إلى الأرض بمسافة أمتار، أمام جثّة عريسها الملقاة في كفن تشتعل فيه النيران وبجواره سيجارة، بينما تتصدر واجهة المشهد “مانيكان” خشبي أسود اللون برأس مقطوع يقف فوق رقبته غراب يراقب كلّ ما يحدث صامتا، ووراء هذه العناصر يقف رجل عار يتبوّل في انتهاك واضح لتكوين اللوحة وعناصرها، وكأنّه يرمز إلى الاحتلال الإسرائيلي.

تقول علي “هكذا يصبح العمل الفني رمزيا – وهو مزدحم بالتأويلات – ويعد وثيقة على عصر يُحرق فيه السلام وتُنتهك المُقدسات دون أي حركة من أحد سوى الرجل المتبول ونيران الجثمان المتصاعدة برائحة اللحم الحي أمام المسجد وسحب كثيفة أخرى رمادية متصاعدة تمتد إلى أعلى في السماء خلف المسجد فقط كأنها تتشارك وسحب نيران شهيد الأرض الحمراء.. بينما السماء وحتى إلى العمق نراها صافية زرقاء.”

وتعد الناقدة المصرية هذه اللوحة من أهم الأعمال الفنية التي “صورت قبة الصخرة بطريقة واقعية ورمزية وسريالية في آن واحد وبتعبير قوي التأثير يعكس رسوخ المسجد الصامد الغاضب الواثق من النهاية بتلك الإضاءات التي تنعكس فوق قبته وأعمدته.”

15