سرقة المياه جريمة أمن دولة في الأردن

عمان - شنت الحكومة الأردنية حملات مكثفة ضد سرقة المياه، مصنفة إياها "جريمة أمن دولة"، في بلد مهدد بأن يصبح "أكثر البلدان فقرا مائيا" في العالم.
ويعاني الأردن، حيث معظم مساحته ذات طبيعة صحراوية، من شح كبير في المياه. وتفاقمت الأزمة في السنوات الأخيرة بفعل التغيرات المناخية، وزيادة الاعتماد على المياه الجوفية بشكل لافت، والضخ الجائر من الآبار الجوفية، إلى جانب الكثافة السكانية وتدفق اللاجئين ما شكله ذلك من ضغط كبير على الموارد المائية للدولة.
وقال وزير المياه والري، رائد أبوالسعود، خلال جلسة حوارية في منتدى اقتصادي عقد بالعاصمة عمان، إن الحكومة نفّذت حملات مكثفة ضد سرقة المياه، وصلت إلى تصنيف هذه الجريمة كجريمة أمن دولة، وتم خلالها ضبط عشرات الآبار غير المرخصة ومحطات التحلية المخالفة التي كانت تزود منشآت سياحية بالمياه دون تصاريح رسمية.
وأوضح أبوالسعود أن أحد أكبر التحديات التي تواجه الوزارة هي سرقات المياه، والتي تُستنزف من خلالها كميات ضخمة، في مختلف مناطق المملكة، حيث اكتشفت فرق الوزارة بالتعاون مع الأجهزة الأمنية وجود آبار ومحطات تحلية غير مرخصة في عدة مناطق.
وقال إن حملات مكثفة بالتعاون مع الأمن العام تم تنفيذها، وتم خلالها ضبط المعدات والقبض على المتورطين، مؤكداً أن الوزارة لن تتهاون في هذا الملف.
ولا تتجاوز حصة الفرد السنوية في الأردن من المياه 60 مترا مكعبا، وهي من أدنى الحصص عالميا، ما يجعل المملكة فعليا أفقر دولة مائيا في العالم.
وفي محاولة لاحتواء أزمة المياه المتفاقمة، تعمل وزارة المياه والري في الأردن، على مسارين متوازيين، الأول هو تنفيذ مشروع الناقل الوطني، والثاني خفض الفاقد وتحسين كفاءة الشبكات باستخدام التقنيات الحديثة، إلى جانب مواجهة السرقات.
وأوضح أبوالسعود أن مشروع الناقل الوطني يُعد من أضخم المشاريع الإستراتيجية في تاريخ المملكة، وهو حجر الزاوية لاستدامة التزويد المائي في السنوات المقبلة.
وقال إن المشروع سيوفر حوالي 300 مليون متر مكعب سنوياً، مما سيُحدث فرقاً جوهرياً في تلبية احتياجات المواطنين والقطاعات الاقتصادية.
ووقّع الأردن في يناير الماضي، اتفاقا بقيمة خمسة مليارات دولار مع ائتلاف فرنسي، لتنفيذ المشروع الضخم لتحلية مياه البحر ونقلها من خليج العقبة أقصى الجنوب على البحر الأحمر إلى محافظات المملكة.
ويوفر المشروع الذي أُطلق عليه اسم “الناقل الوطني”، خطوط أنابيب لنقل المياه بطول حوالي 445 كيلومترا وواحدة من أكبر محطات تحلية المياه في العالم، مع أكثر من 300 مليون متر مكعب من مياه الشرب سنويا لنحو أربعة ملايين نسمة في مختلف محافظات المملكة.
وجاء مشروع “الناقل الوطني” بعد تعثر الاتفاق مع إسرائيل على مشروع “ناقل البحرين”، الذي كان سيربط بين البحرين الأحمر والميت.
وتعثر مشروع ناقل البحرين، جمود عملية السلام في المنطقة، وبحسب دراسة سابقة للبنك الدولي أجريت بمشاركة الأطراف الثلاثة، الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية، فإن كلفة ذلك المشروع الكلية كانت ستقارب 11 مليار دولار.
الأردن يعاني من شح كبير في المياه، وتفاقمت الأزمة في السنوات الأخيرة بفعل التغيرات المناخية
ويتوقع أن يبدأ تنفيذ مشروع “الناقل الوطني” قبل نهاية العام الحالي على أن ينجز بعد حوالي أربعة أعوام.
وأكد أبوالسعود أن تمويل مشروع الناقل الوطني يجري من خلال نظام البناء والتشغيل والتحويل (بوت)، وبمساهمات تمويلية من جهات دولية مانحة ومؤسسات تمويلية، دون تحميل موازنة الدولة أعباء مباشرة، لافتا إلى أن تكلفة المشروع ضخمة، لكن مردوده الإستراتيجي على المملكة لا يُقدّر بثمن.
وأضاف أن الوزارة تنسّق مع وزارة التخطيط والتعاون الدولي لاستكمال الترتيبات المالية، مشيراً إلى أن المشروع سيعتمد على محطات تحلية في العقبة وخطوط نقل رئيسية لضمان وصول المياه إلى مختلف المناطق.
وشدّد أبوالسعود على أن قضية المياه لم تعد مجرد قضية خدمات، بل هي قضية أمن وطني، موضحا أن انخفاض حصة الفرد إلى ما دون 30 مترا مكعبا سنويا -وفي حال استمرار الحال كما هو- سيؤدي إلى تداعيات كبيرة على كافة القطاعات، وعلى رأسها السياحة، والصناعة، والزراعة.
وأضاف، أن قطاع السياحة سيكون من أكثر القطاعات تأثرا وانعكاس ذلك على تنافسية القطاع السياحي، نظرا لحاجته للمزيد من كميات المياه، مما سينعكس على ارتفاع كلفة تشغيل القطاع السياحي.
وفي القطاع الصناعي، قال الوزير إن ارتفاع كلفة المياه الصناعية سيُحمِّل المصانع أعباء إضافية، ويؤدي إلى ارتفاع كلفة الإنتاج، مما قد يضعف القدرة التنافسية للصادرات. أما في الزراعة، فأشار إلى أن القطاع الزراعي واحد من القطاعات الحيوية، وتناقص كميات المياه يهدد بتقلص المساحات الزراعية وتدني الإنتاج.
وحول تحديات الشبكات القديمة والتكنولوجيا الحديثة، أوضح أبوالسعود أن الوزارة تعمل على خفض نسبة الفاقد في الشبكات التي تعاني من تهالكها، إذ إن بعضها يعود إلى أكثر من خمسين عاماً.
وقال إن الوزارة تستهدف تقليص نسبة الفاقد بنسبة 2 في المئة سنوياً، أي ما يعادل نحو 5 ملايين متر مكعب سنوياً.
وبيّن أن هذا الهدف يتم تحقيقه من خلال تغيير الشبكات، ومراقبة الضغوط، والكشف المبكر عن التسربات، إضافة إلى ضبط الاعتداءات.
وأكد أبوالسعود أن الوصول إلى الأمن المائي في الأردن يتطلب وعيا مجتمعيا، وتكاملا بين القطاعين العام والخاص، وتوظيفا فعالا للتكنولوجيا، وإدارة رشيدة للموارد، مشددا على أن “كل متر مكعب من المياه ننجح في توفيره أو حفظه، هو خطوة إضافية نحو استقرار الأردن واستدامة أمنه المائي.”