سخرية إعلامية دون رد.. سلاح الإخوان ضد النظام المصري

القاهرة لا تخرج من التقليدية في التعامل مع الحروب الإعلامية.
الجمعة 2022/09/16
ليس في مستوى باسم يوسف

الرد على شائعات جماعة الإخوان في نشرات متخصصة حل توصلت إليه القاهرة لمحاصرة الشائعات التي يبثها إعلام الجماعة الذي بات يلقى صدى واسعا بين المصريين، في وقت يقول خبراء إنه حل لا يكفي مع تراجع مصداقية الإعلام الرسمي.

القاهرة - اختارت القاهرة أسهل الطرق للرد على ما تسميه شائعات وأكاذيب وافتراءات الإعلام التابع لجماعة الإخوان، حيث قررت الشركة المتحدة للإعلام التابعة لجهات حكومية تخصيص نشرات وبرامج مدعمة بمعلومات لدحضها، على أن يتم بثها عبر قناة “إكسترا نيوز” المعنية بمتابعة الأخبار.

ويعبر هذا الاتجاه عن تفكير تقليدي في التعامل مع الرواج الإعلامي الذي يشهده خطاب الإخوان، والذي لم يغب منهج الرد عنه في الإعلام المصري خلال الفترة الماضية، ولم تتمكن برامجه من وقف الهجوم والانتقادات والمزاعم الموجهة إلى القاهرة، ربما تزداد الجرعة الآن ويتم تصويب بعض الأخطاء في الإعلام الرسمي، غير أنه من الصعوبة نجاحه في هزيمة إعلام الإخوان الذي يعتمد على تكتيكات ساحرة في جذب المتابعين.

وانتبهت وسائل إعلام المعارضة إلى الأهمية التي ينطوي عليها الإمعان في اللجوء إلى الأسلوب الساخر من النظام المصري وكبار المسؤولين فيه ومحاولة هدم الكثير من المعاني التي نسجت حول قوته في مجالات متعددة، وإيجاد مصطلحات ومفردات تقلل من شأنهم، بل وإطلاق مسميات تدل على الاستخفاف ببعضهم، بما يقلل من شأنهم في نظر الجمهور المصري.

واستفاد الإخوان من تجربة الإعلامي المصري باسم يوسف الذي لعب دورا مهما في هز صورة الإخوان والتشكيك في توجهات الرئيس محمد مرسي، وأسهم مع آخرين في تكريس انطباعات سلبية للغاية عن الجماعة وقياداتها بالصوت والصورة.

الطفرة التي يشهدها إعلام الإخوان ليست نابعة من قوة أو حنكة أو كفاءة، لكن بسبب قصور واضح يعاني منه الإعلام المصري

وقد اعتبره بعض الخبراء أشبه برأس الحربة التي حطمت أسطورة الإخوان في الوجدان العام المصري حتى أسقط نظامها رسميا في الثالث من يوليو 2013، بعد ثورة شعبية عارمة كانت كل الأجواء الإعلامية مهيأة لنجاحها.

واختفى باسم يوسف من الإعلام المصري بعد سقوط الإخوان، ولم تستطع قناة مصرية أو عربية تحمّل أسلوبه الساخر، ورفض التحول إلى معارض مناصر للإخوان.

وظهر أكثر من برنامج في وسائل الإعلام التابعة للجماعة للقيام بهذا الدور، ولجأ مقدمو البرامج السياسية إلى زيادة الجرعة المقدمة للنيل من النظام المصري، وهو ما لم يحدث على مدار ثماني سنوات تقريبا، لأن حدة الأزمات التي مرت بها مصر خلال هذه الفترة كان يمكن قبولها.

وشهد برنامج مثل “جو شو” الساخر الذي يبث على محطة التلفزيون العربي وكانت تتمركز في لندن ثم الدوحة الآن رواجا كبيرا مؤخرا مع تصاعد حدة الأزمات في مصر، وكان رواجه السابق أقل مقارنة بما هو عليه حاليا.

وزادت الفجوة بين الإعلام الرسمي والمواطنين مع تراجع مصداقية الأول، وشعور الفريق الثاني بعمق الفجوة بين ما يردده عليه الإعلام المصري الحكومي ليلا ونهارا وبين ما يشاهده بأمّ عينيه في حياته العملية من أزمات.

ولعب إعلام الإخوان على هذه الفجوة التي صاحبتها تصريحات رسمية لا تتناسب مع حجم المشكلات في الواقع المصري، وزاد مقدمو البرامج من جرعات السخرية بعد أن تأكدوا من قدرتها على التأثير بفارق كبير، وجرت استدعاءات لافتة لإحياء تجربة يوسف من دونه شخصيا لدى الإخوان، وفي الوقت الذي اختفى فيه الرجل من الإعلام المصري لم تتمكن القاهرة من صناعة اسم آخر يعمل لصالح النظام الحاكم.

وكثف الإعلام الرسمي من الاعتماد على الصورة الإيجابية التي صاحبت الرئيس عبدالفتاح السيسي باعتباره المخلص والمنقذ من قبضة الإخوان، والمدافع القوي عن الأمن القومي المصري، وجرى ترديد الكثير من هذه السرديات دون أن يقدم الإعلام على إحداث تغيير فيها عندما بدأت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية تتوالى، ووجد الناس أنفسهم في تناقض بين ما يعرضه الإعلام من تفاؤل وواقع بائس يعيشونه.

وجاءت الطفرة الأخيرة التي يشهدها إعلام الإخوان، وهي ليست نابعة من قوة أو حنكة أو كفاءة يتمتع بها، لكن بسبب قصور واضح يعاني منه الإعلام المصري وزيادة في حجم المشكلات أخفق في التعامل معها بحرفية وأصر على تجاهلها أحيانا، واكتفى بالإنجازات والمشروعات وهي عديدة، لكنها غير مقنعة في خضم شحنات كبيرة من الإحباطات أخذت تثقل كاهل المصريين في الأداء العام للدولة.

وأنقذت السخرية إعلام الإخوان من السقوط إلى الهاوية بعد فقدان الجدوى من خطاب “المظلومية والشرعية والانقلاب العسكري” والذي لم يحقق تقدما على مدار ثماني سنوات، وتم إسقاطه من جميع وسائل إعلام الجماعة وتلك التي تدور في فلكها والتركيز على أخطاء الحكومة المصرية التي أصبحت كافية لثراء خطاب الإخوان.

وأغفل الإعلام المصري التابع للحكومة هذه المضامين ولجأ إلى الرد على الشائعات والأكاذيب بصورة مباشرة، وقد يتكبد أموالا طائلة في هذه الحرب الشرسة دون أن يتمكن من هزيمة إعلام الإخوان بالضربة القاضية أو تسجيل النقاط، فالجمهور لا يميل إلى هذه الطريقة ويراها نوعا من الدعاية ولا تندرج في باب الإعلام الجذاب.

بعد سقوط الإخوان لم تستطع قناة مصرية أو عربية تحمّل أسلوبه الساخر
بعد سقوط الإخوان لم تستطع قناة مصرية أو عربية تحمّل أسلوبه الساخر

ويشير خبراء الإعلام إلى أن المعركة الراهنة غير متكافئة وغير متوازنة، والسبب أن السخرية كسلاح قوي في الإعلام يدغدغ مشاعر الناس لا تصلح سوى مع المعارضة التي تريد تكسير عظام النظام الحاكم بأدوات جذابة، وتبدو أقرب إلى الدراما المسلية ويرددها الجمهور بشغف تلقائيا، على الرغم مما تحويه من معان سياسية عميقة.

ويزداد رواج السخرية مع إتاحة الفرصة أمام مستخدميها من خلال اتساع مجال الحريات العامة فلا يوجد نظام يخصص برامج لمعارضيه ولا ينال أحدا سواهم، حيث يمنحهم وزنا سياسيا كبيرا، خاصة في ظل حالة الإنكار المصري للإخوان.

ويمكن أن يكون الإنكار مفيدا إذا كان منطلقا من منهج إعلامي متماسك، لكن الإنكار مع الاهتمام بالرد هو إشكالية تحمل تناقضا يجهض الرسالة الإعلامية المطلوبة، ويفرض اللجوء إلى أدوات أشد بترا مما يملكه إعلام الإخوان، والذي يمكن استخدام عبارات قاسية عديدة لوصفه بـ”المتآمر والعار والمخرب وغيرها”، غير أنها لا يمكنها أن تحدث تغييرا كبيرا يؤدي إلى تقزيمه.

وما لم يتم نزع فتيل العوامل التي قادت إلى نجاح السخرية وإبطال مفعول التوظيف السياسي لما يحويه خطاب البعض من المسؤولين بمصر من تباين ظاهر بين ما جرى قوله في الماضي وبين ما يتم ترديده في الحاضر سوف يظل إعلام الإخوان متقدما بخطوات، وهي الأزمة التي على الإعلام المصري علاجها ومواجهتها بشجاعة من خلال إتاحة المجال لممارسة المزيد من الحريات في وسائل الإعلام والمجال العام.

وإذا تعددت المنابر في مصر ووجد المواطنون ما يبحثون عنه بالقرب منهم وعبر قنواتهم وصحفهم ومواقعهم الرسمية والخاصة في الداخل لن تكون هناك أهمية لإعلام الإخوان وسوف تنزع منه الأوراق الدسمة التي منحته قوة نسبيا خلال الفترة الماضية.

16