سجن برلماني كويتي سابق في رسالة قضائية صارمة: مقام الأمير خط أحمر

القضاء يرفض مزاعم بأن ما صدر عن أنور الفكر يندرج تحت مظلة حرية التعبير إذ إن الدستور حدد ضوابط لممارسة حرية الرأي جعلها في إطار شروط وأوضاع بينها القانون.
الثلاثاء 2024/07/30
القضاء هو الفيصل

الكويت - قضت محكمة الجنايات في الكويت، الاثنين بحبس عضو مجلس الأمة (البرلمان) السابق أنور الفكر ثلاث سنوات مع الشغل والنفاذ، بعد إدانته بجريمة التدخل في صلاحيات الأمير بشأن تعيين رئيس الوزراء، وذلك في ثالث حكم قضائي من نوعه منذ قرار أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد حل البرلمان وتعليق العمل بعدد من مواد الدستور.

وقالت المحكمة، في حيثيات حكمها، إن "التهم المنسوبة إلى الفكر ثابتة بحقه"، مبينة أن "العبارات التي أصدرها المتهم تضمنت عدم التوقير في توجيه الخطاب إلى الأمير والتدخل في مسند الإمارة". وفق صحيفة "الراي" الكويتية.

ومن المتوقع أن يطعن الفكر على هذا الحكم أمام محكمة الاستئناف للمطالبة مجدداً ببراءته من التهم المنسوبة إليه من النيابة.

وجاء الحكم في مظهر على الصرامة في التعامل مع مثل تلك القضايا التي يعتبرها متابعون للشأن الكويتي لصيقة بحالة من التساهل طبعت الحياة السياسية خلال السنوات الماضية وقادت عددا من الأصوات المعارضة، بما في ذلك تلك الحاضرة تحت قبة مجلس الأمّة إلى التجاوز على القوانين التي تمنع التدخل في صلاحيات الأمير ومناقشة قراراته.

وكان الأمير قد تطرّق إلى الظاهرة في كلمته التي أعلن فيها مؤخّرا عن إجراءاته التي عدّت منعطفا نحو ضبط الفوضى السياسية في البلاد وفك الاشتباك الدائم بين الحكومة والبرلمان قصد التفرّغ لتدارك التأخر في تطوير البلد وإنجاز الإصلاحات التي بات يفرضها الواقع الجديد بقوّة.

وقال الشيخ مشعل في كلمته إنّ "التمادي وصل إلى حدود لا يمكن القبول بها أو السكوت عنها لما تشكله من هدم للقيم الدستورية وإهدار للمبادئ الديمقراطية"، مضيفا قوله "نجد البعض مع الأسف الشديد يصل تماديه إلى التدخل في صميم اختصاصات الأمير".

كما تضمنت الكلمة عزما واضحا على انتهاج الصرامة في تطبيق القانون من خلال قول الأمير “يجب أن يعلم الجميع أن لا أحد فوق القانون.. ولن أسمح على الإطلاق أن تستغل الديمقراطية لتحطيم الدولة".

وكانت ملامح الصرامة في حفظ مقام الأمير باعتباره أعلى سلطة في الدولة ورمزا لوحدتها وتماسكها قد تجلت من قبل في حلّ مجلس الأمّة الأسبق بسبب مداخلة أدلى بها أحد النواب وتضمنت إبداء ملاحظات بلهجة غير معهودة على مضامين خطاب سابق للأمير كان قد وجه فيه انتقادات لاذعة لأداء السلطتين التشريعية والتنفيذية.

ويعد الفكر من الأسماء المعارضة في مجلس الأمة الكويتي، الذي لم يرَ النور بعد قرارات أمير الدولة بحله، وتعليق بعض مواد الدستور لمدة 4 سنوات.

وبحسب وقائع الدعوى، فإن الفكر أدلى بتصريحات في مقابلة نشرها على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "إكس"، تتعلق بقبول استقالة رئيس الوزراء وتعيين رئيس وزراء جديد.

وأشار الحكم إلى أنه "لا يمكن القول أن ما صدر من المتهم يندرج تحت مظلة حرية الرأي التي كفلها الدستور"، حيث حدد الأخير ضوابط ممارسة حرية الرأي، وأن القانون الكويتي حمى أمير الكويت "مما عساه أن يُوجّه إليه من طعن في حقوقه وسلطته، ويشمل كل نقد منطوٍ على تجريح يمس الهيبة ويؤذي الشعور"، وأن "الأمير بحكم مركزه الاستثنائي وعلو مكانته ومقامه السامي، مستوجب التوقير والاحترام، حفظاً لمكانة سموه، أما الإنكار على سموه، والاعتراض على أوامره الأميرية، فضلاً عن مخالفته القانون، فإنه يجلب المفاسد ويؤدي إلى عدم الاستقرار".

وكانت محكمة الجنايات، برئاسة المستشار نايف الداهوم، قد عقدت جلستين لمحاكمة الفكر، قبل جلسة النطق بالحكم اليوم، في 8 و15 يوليو الحالي على التوالي.

وفي الجلسة الأولى، قررت المحكمة إلقاء القبض على الفكر بعدما حضر إلى المحاكمة بنفسه، وإيداعه السجن المركزي على ذمة القضية، قبل أن تُحدد الجلسة الأخرى من أجل مرافعة هيئة الدفاع، وفيها رفضت طلب الأخيرة إخلاء سبيل موكلها، وقررت استمرار حبسه مع حجز القضية من أجل الحكم.

ويُذكر أن القضية التي أُدين فيها الفكر بالحبس ثلاث سنوات، اليوم، جاءت بعدما قررت دائرة أخرى لدى محكمة الجنايات، برئاسة المستشار محمد الصانع، في قضية أخرى على ذات التهم أيضا، إخلاء سبيله في 28 مايو الماضي، على خلفية ما تضمّنته ندوته السياسية في موسم الانتخابات، التي أجريت في الرابع من أبريل الماضي، وذلك بكفالة خمسة آلاف دينار كويتي (أكثر من 16 ألف دولار)، مع منعه من السفر، والتي حددت الجلسة المقبلة في 3 سبتمبر المقبل من أجل المرافعة في القضية.

ويُعتبر الحكم الصادر ضد الفكر على خلفية قضية "أمن دولة" في تهم التعدّي على أمير الكويت، الحكم الثالث من نوعه، الذي طاول نوابا سابقين منذ إعلان الأمير، في 10 مايو الماضي، حلّ مجلس الأمة ووقف العمل ببعض مواد الدستور، وذلك لمدة لا تزيد عن أربع سنوات، بعد أحكام محكمة الجنايات بسجن النائب السابق حمد العليان سنتين مع الشغل والنفاذ، وزميله وليد الطبطبائي مدة أربع سنوات مع الشغل والنفاذ، في 20 و24 يونيو الماضي على التوالي.

وكان الطبطبائي وهو نائب مقرّب من جماعة الإخوان المسلمين قد نشر تغريدة على حسابه في منصة إكس فور إعلان أمير الكويت حلّ مجلس الأمة وتعليق العمل ببعض مواد الدستور، متعهدا بما أسماه الدفاع عن حريات الشعب، وقال "سندافع عن حريات الشعب وحقوقه ومكتسباته الدستورية والتي لا نقبل المساس بها".

لكنه عاد في اليوم التالي لينشر تغريدة يتهم فيها دولا لم يسمها بالتدخل في شؤون الكويت، لكنه في الوقت نفسه وجّه النقد لسلوك من أسماهم “القلة من أعضاء مجلس الأمة من خلال تدخلهم في التشكيل الوزاري وهو من صميم صلاحيات صاحب السمو”.

وقال في تغريدته "غير مقبول تدخل بعض الدول في الشأن الداخلي الكويتي والذي سيتم حله بطريقة التفاهم وروح الأسرة الواحدة".

غير أن تراجع الطبطبائي لم يمر مرور الكرام على مواقع التواصل الاجتماعي، فتعرض إلى هجوم واسع.