سجن إيفين وفوردو رموز إيران في مرمى النيران الإسرائيلية

طهران - استهدفت إسرائيل الاثنين موقع فوردو النووي الإيراني المحصّن في عمق جبل في جنوب طهران، وفق الإعلام المحلي الإيراني، فيما أكدت الدولة العبرية استهداف مقر قيادة للحرس الثوري وسجن إيفين وتكثيف الضربات على العاصمة، في اليوم الحادي عشر للحرب.
ويأتي ذلك غداة ضربات أميركية استهدفت منشأة فوردو المحفورة في جبل، مع منشأتين نوويتين أخريين، توعّدت إيران بأنّ عواقبها ستكون "وخيمة".
ومع دخول الحرب بين الجمهورية الإسلامية والدولة العبرية يومها الحادي عشر، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن الجيش يضرب "بقوة غير مسبوقة" أهدافا تابعة للنظام في وسط العاصمة الإيرانية.
وقال كاتس في بيان "الجيش يضرب بقوة غير مسبوقة أهدافا تابعة للنظام والأجهزة الحكومية القمعية في قلب طهران".
وأكد كاتس أن من بين الأهداف "سجن إيفين... ومقرّات الأمن الداخلي للحرس الثوري".
كان وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر نشر في وقت سابق لقطات لعملية استهداف السجن عبر حسابه على إكس، كتب معها بالإسبانية "تعيش الحرية".
وبالتوازي، أعلنت السلطة القضائية في إيران الإثنين، أنّ ضربات إسرائيلية استهدفت سجن إيفين في طهران، ما ألحق أضرارا في أجزاء منه.
وقال موقع "ميزان أونلاين" التابع للسلطة القضائية، "في أحدث هجوم للكيان الصهيوني على طهران، سقطت مقذوفات على سجن إيفين للأسف، ما تسبّب في أضرار في أجزاء من المنشأة"، مشيرا إلى أنّ الوضع لا يزال "تحت السيطرة". وكانت إسرائيل أعلنت أنّ ضرباتها على طهران استهدفت هذا السجن.
ويُعد استهداف سجن إيفين في طهران ذا دلالة مزدوجة، فهو ليس مجرد منشأة عقابية، بل رمز حيوي للنظام الإيراني، حيث يشتهر السجن باحتجازه لمزدوجي الجنسية والغربيين، الذين غالبا ما تستخدمهم طهران كورقة مساومة في مفاوضاتها الدولية، كما يضم أقساما مخصصة للسجناء السياسيين تديرها وحدات من الحرس الثوري الخاضع للمرشد الأعلى.
ويحمل قصفه، بالإضافة إلى كونه يمثل ضربة رمزية لمؤسسة رئيسية تابعة للنظام، أهدافا تكتيكية تتعلق بالضغط على طهران بشأن ملفاتها المتعددة، خاصة وأنه يخضع لعقوبات أميركية وأوروبية.
كما يطرح استهداف سجن إيفين تساؤلات أعمق حول الأهداف الخفية وراء الضربات الإسرائيلية، فبالنظر إلى مكانة السجن كمركز لاحتجاز المعارضين السياسيين والمزدوجي الجنسية، قد يكون القصد من قصفه بث الفوضى والاضطراب داخل المجتمع الإيراني، وتحفيز موجة استياء شعبي تستغل هشاشة الوضع الراهن.
وهذا التكتيك قد يرمي إلى زعزعة استقرار النظام من الداخل، لخلق بيئة مواتية لـتغيير محتمل للنظام، وهو هدف غير معلن لكنه يتردد في بعض الأوساط المتشددة، خاصة في إسرائيل والولايات المتحدة، التي ترى أن الضغط العسكري قد يدفع نحو تحولات سياسية كبرى.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إيفي ديفرين في بيان متلفز إن الطائرات الإسرائيلية "تكثّف الضربات في منطقة طهران، مستهدفة مقر قيادة الحرس الثوري".
وأفاد الجيش الإسرائيلي بأنّه ينفّذ ضربات على مواقع عسكرية في كرمنشاه في غرب إيران، وعلى "أهداف عسكرية" في طهران حيث سُمع دوي انفجارات قوية.
وأعلنت وكالة أنباء "تسنيم" الإيرانية استهداف منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم، وهي موقع محصّن تحت الأرض على عمق يقارب 90 مترا، على بعد 180 كيلومترا جنوب العاصمة الإيرانية.
ونقلت الوكالة عن المتحدث باسم هيئة إدارة الأزمات في محافظة قم قوله "هاجم المعتدي موقع فوردو النووي مجددا".
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن فجر الأحد أنّ قاذفات صواريخ أميركية ضربت ثلاثة مواقع نووية رئيسية في إيران، هي فوردو وأصفهان ونطنز، بعد عشرة أيام على بدء الحملة العسكرية الإسرائيلية على إيران.
وتوعّد المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية إبراهيم ذوالفقاري الاثنين بـ"عواقب وخيمة" ردا على هذه الضربات.
وأكد أن "هذا العمل العدواني... سيوسّع نطاق الأهداف المشروعة للقوات المسلحة للجمهورية الإسلامية الإيرانية وسيفتح الطريق لتوسيع الحرب في المنطقة"، مضيفا في فيديو بثه التلفزيون الرسمي أن "مقاتلي الإسلام سيلحقون بكم عواقب وخيمة لا يمكن توقعها بعمليات قوية وهادفة".
وأفاد الهلال الأحمر الإيراني بأنّ غارة إسرائيلية أصابت موقعا قرب مبناه في شمال طهران. وأرفق منشورا عبر تلغرام بمقطع فيديو يظهر تصاعد الدخان من موقع الهجوم.
وفي إسرائيل، دوّت صافرات الإنذار في مناطق عدة في الشمال بعد إعلان الجيش انطلاق دفعة جديدة من الصواريخ الإيرانية، في ثالث هجوم على الأقل في أقل من ساعتين.
كذلك، دوت انفجارات في القدس، وفق ما أفاد صحافيون في فرانس برس، بعدما دعا الجيش السكان للتوجه إلى الملاجئ.
وعلى المستوى الدبلوماسي، التقى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو الإثنين.
وكان عراقجي أكد الأحد أنّ الولايات المتحدة وإسرائيل "تجاوزتا خطا أحمر كبيرا".
ودانت دول عربية عدّة الضربات الأميركية، بينما شكر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الرئيس دونالد ترامب على تدخّله العسكري، وقال إنّ الهجوم "الجريء" على مواقع نووية إيرانية استراتيجية، يمثل "منعطفا تاريخيا" من شأنه إرساء السلام في الشرق الأوسط.
وأكد ترامب الأحد أن ضررا هائلا لحق بجميع المواقع النووية في إيران، كما أظهرت صور الأقمار الصناعية"، مضيفا أنّ "التدمير مصطلح دقيق".
غير أنّ مسؤولين أميركيين وإسرائيليين قالوا إنّهم يسعون إلى تقييم الأضرار، بينما يُعرب خبراء عن اعتقادهم بأنّه تمّ نقل المواد النووية قبل الهجوم.
وشدّد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رفايل غروسي على أنّه من غير الممكن تقييم الأضرار في الوقت الحالي.
وطالب غروسي الاثنين بالوصول إلى المنشآت النووية الإيرانية للكشف على مخزون اليورانيوم العالي التخصيب.
وفي افتتاح اجتماع طارئ في المقر الرئيسي للوكلة في فيينا، قال "يجب السماح للمفتشين بالعودة (إلى المنشآت النووية) والكشف على مخزون اليورانيوم، خصوصا... المخصب بنسبة 60 بالمئة".
وأضاف أن طهران أبلغته في رسالة مؤرخة في 13 يونيو بأنها اتخذت "تدابير خاصة لحماية المعدات والمواد النووية".
وكان علي شمخاني، مستشار المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، أكد في منشور على منصة إكس، أن إيران لا تزال تملك مخزونات من اليورانيوم المخصب.
وفي ما يتعلق بمنشأة فوردو، أظهر تحليل أجرته وكالة فرانس برس لصور الأقمار الصناعية باستخدام بيانات من شركة "بلانيت لابس بي بي سي" (Planet Labs PBC) الأميركية، أنّ الأرض في المكان تأثّرت بالضربات، بينما تغيّر لون الجبل عما كان عليه قبل الضربة.
وتخصّب إيران اليورانيوم بنسبة 60 بالمئة، وفق الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ولصنع قنبلة ذرية، يستخدم اليورانيوم المخصّب بنسبة 90 في المئة. وقد حدد اتفاق عام 2015 حدّ التخصيب لغيران عند 3.67 بالمئة.
وبدأت إسرائيل هجومها على إيران في 13 حزيران/يونيو، بهدف معلن هو منعها من تطوير قنبلة ذرية، وضربت مئات المواقع العسكرية والمواقع المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني منذ بداية الحرب. وقتلت قياديين عسكريين وعلماء نوويين إيرانيين. وتنفي إيران أن تكون تسعى الى تصنيع قنبلة ذرية.
وردّت إيران بإطلاق وابل من الطائرات المسيّرة والصواريخ البالستية التي اعترضت أنظمة الدفاع الإسرائيلية معظمها، فيما سقط عدد منها في مناطق إسرائيلية وأحدث تدميرا واسعا.
وخلّفت الحرب أكثر من 400 قتيل و3056 جريحا في إيران، معظمهم من المدنيين، وفقا للأرقام الرسمية. وأسفرت الضربات الصاروخية الإيرانية على إسرائيل عن مقتل 25 شخصا، وفقا للسلطات الإسرائيلية.
وفي ظل المخاوف من عمليات انتقامية، دعت الولايات المتحدة مواطنيها في مختلف أنحاء العالم إلى أن يكونوا "أكثر يقظة".
ويتخوّف محللون من أن تردّ إيران على هجوم واشنطن بإغلاق مضيق هرمز الذي يعدّ ممرا مائيا حيويا يمر عبره خمس إنتاج النفط العالمي، معظمه يتجّه الى الأسواق الآسيوية.
ودعت الصين المجتمع الدولي لبذل المزيد من الجهود لمنع النزاع بين إسرائيل وإيران من التأثير على الاقتصاد العالمي، مشددة على أهمية مضيق هرمز والمياه المحيطة به بالنسبة للتجارة العالمية.
وكان وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو حضّ بكين الأحد على المساعدة في ردع طهران عن إغلاق المضيق.
كذلك، دعت الصين "أطراف النزاع لمنع تصعيد الوضع بشكل متكرّر والسعي بشكل حازم لتجنب اتساع رقعة الحرب والعودة إلى مسار الحل السياسي".
وحذّرت مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس بأن إغلاق إيران مضيق هرمز "سيكون خطيرا للغاية"، مذكّرة بأن الاتحاد الأوروبي يدعو إلى حل دبلوماسي وخفض التصعيد.