سجل أردوغان يفرض تغيّرا في استراتيجيات بايدن مع تركيا

واشنطن – تغيّر التعاطي الأميركي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فبعد أن كان على ودّ مع رؤساء سابقين يشيدون بسياساته مثل جورج دبليو بوش وباراك أوباما، دخل منذ عهد الرئيس السابق دونالد ترامب في توترات تفاقمت مع وصول الرئيس الجديد جو بايدن، الذي يرى محللون أنه أخطأ حين تغافل عن دبلوماسية نظيره التركي في مقابل التعاون المشترك بين البلدين.
ويقول مايكل روبين، الباحث المقيم بمعهد “أميركان انتربرايز”، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” الأميركية، إنه عندما تولى بايدن منصبه، أدرك حقيقة أردوغان، وبدا أنه مصمم على حرمان الرئيس التركي من الاستفادة من مبرر الشك. فعلى سبيل المثال جرى أول اتصال هاتفي بين بايدن وأردوغان بعد مرور 93 يوما من ولاية بايدن، وهو تجاهل كان ملحوظا من جانب المواطنين الأتراك. وللأسف فإنه رغم تجنب بايدن وفريقه الإشادة بسياسة أردوغان التي لجأ إليها أسلافه، فإنه وقع في الكمين بقبول عروض التعاون التركي على محمل الجدّ.
فبعد أن أصبح واضحا أن بايدن سوف يواصل حملته لمغادرة أفغانستان، اقترح أردوغان أنه من الممكن أن تتولى تركيا إدارة العمليات في مطار كابول. وكانت هذه الخطوة في مصلحة تركيا. فطوال أكثر من عقد من الزمان قبل تولي أردوغان منصب رئيس الوزراء، رسخ علاقات وثيقة مع الإسلاميين الأكثر تشددا في أفغانستان. وحتى مع احتدام تمرّد طالبان، أوضح أردوغان أنه لا يحمل أي عداء أيديولوجي تجاه الحركة.
وأضاف روبين المتخصص في بحث شؤون إيران وتركيا والشرق الأوسط الكبير أنه سواء غادرت القوات الأميركية وقوات دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) أم لم تغادر، فإن تركيا أوضحت أن استثماراتها ووجود رعاياها سوف يستمر، حتى مع عودة الكثير من قواتها إلى البلاد. وببساطة، كانت لتركيا مصلحة مالية في الإبقاء على المطار مفتوحا. كما أن أردوغان وجد فرصة للتفوق على بايدن في صفقة دبلوماسية.
وأوضح أردوغان قائلا “نريد أن تلبي واشنطن بعض الشروط… أولا، سوف تقف إلى جانبنا في العلاقات الدبلوماسية. وثانيا، سوف تحشد وسائلها اللوجيستية لصالحنا… كما أنه ستكون هناك مشكلات جادة بالنسبة إلى القضايا المالية والإدارية، ومن الضروري أن توفّر الدعم اللازم لتركيا”.
ويرى روبين أنه في واقع الأمر، كان أردوغان يريد من بايدن أن يدعمه في اغتصابه المستمر للأراضي وفي حملات التطهير العرقي التي يقوم بها ضد الأكراد والإيزيديين. كما أنه سعى إلى أن يتدخل فريق بايدن لدى السلطة القضائية الأميركية، لعرقلة قضايا انتهاك العقوبات وقضايا الاعتداء ضد تركيا ووكلائها. وأراد أردوغان جمع تنازلات أميركية لسياسة ستتبعها تركيا رغم كلّ شىء.
وفي نهاية المطاف تقدمت قطر للمساعدة بالنسبة إلى المطار في كابول، ولكن استعداد بايدن للنظر في عرض تركيا، وتردد وزارة الخارجية الأميركية في مساءلة تركيا أثناء المفاوضات، أكدا استراتيجية أردوغان.
ومؤخرا، نشر مراد مرجان أحد الموالين لأردوغان منذ وقت طويل، والذي عينه سفيرا لتركيا لدى الولايات المتحدة مقالا افتتاحيا يؤكد هذه الاستراتيجية بدرجة كبيرة.
وقال مرجان “إن تركيا هي مركز شبكة من خطوط الصدع في أنحاء منطقة يورو آسيا الكبرى.. وتعتبر الحليف الذي يعتمد عليه في وقت الأزمات، فهي الصديق وقت الضيق… ويجب أن تعمل تركيا والولايات المتحدة معا”.
واعتبر السفير التركي بوجه خاص أن بوسع تركيا “حشد دعم شعبي لجهود تحقيق الاستقرار، والجهود المرتبطة بالأمن، مثل الجهود التي تبذل في ليبيا وسوريا”.
ويشير الباحث الأميركي إلى أنه في المقابل، كل ما تحتاجه تركيا هو تقدير الولايات المتحدة وتفهمها لذلك، وينبغي التفكير في ما يعنيه ذلك. ففي سوريا، قدمت تركيا الدعم اللوجيستي، والأسلحة والملاذ الآمن ليس فقط للجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة ولكن أيضا لداعش. ورغم أن المسؤولين الأتراك يبررون تصرفاتهم بمواجهة الإرهاب الكردي، تشير الأدلة إلى أن الإرهاب يسير في اتجاه آخر: فمن يعملون بالوكالة لصالح تركيا يهاجمون بانتظام الأكراد ويخطفون النساء ويغتصبونهن، بينما نادرا ما تفرق الطائرات التركية المسيرة ما بين المسلحين وأطفال المدارس.
ويؤكد روبين أن تمكين تركيا لداعش هو الذي أرغم الولايات المتحدة على إقامة علاقات مع الأكراد في سوريا أساسا، مما أدى في نهاية المطاف إلى انتصار تركي في حصار عين العرب (كوباني). وسوف يعني توصل الولايات المتحدة إلى حل وسط مع تركيا في سوريا تمكين النشاط المسلح وإضعاف الاستقرار والأمن في أنحاء المنطقة. وبمعنى آخر، فإن الثقة بتركيا تماثل الثقة بالصين بالنسبة إلى تايوان. وبالإضافة إلى ذلك فإن خيار واشنطن في سوريا ليس مجرد خيار بين أردوغان وبشار الأسد؛ إذ أن الأكراد يمثلون مسارا ثالثا.
وفي ما يتعلق بليبيا أوضح أن هناك إجماعا واسع النطاق في المجتمع الدولي على أن أفضل مسار لتحقيق تقدم يتمثل في انسحاب كل القوات الأجنبية من ليبيا. ورغم أن أوروبا على استعداد لدعم هذا الطلب، سعت وزارة الخارجية الأميركية مرارا وتكرارا للتخفيف من انتقاد التدخل التركي في ليبيا.
وشدد المحلل الأميركي على أن سجل تركيا يكذّب صدق أردوغان، وأنه بدلا من معاملة مبادرات أردوغان على أنها صادقة، حان الوقت لأن تدرك إدارة بايدن حقيقة دبلوماسية تركيا: إنها محاولة ذاتية لتجنب المساءلة عن السياسات التي يعتبر أردوغان ملتزما أيديولوجيا بمواصلتها.