سجال في مجلس الأمن يخرج الفتور الجزائري - الروسي إلى العلن

الجزائر – تحولت جلسة مجلس الأمن الدولي إلى تلاسن مفاجئ وغير مسبوق بين ممثلي الجزائر وروسيا، على خلفية نقاش حول جنس الرياضية إيمان خليف، وهي القضية التي استغلها الروس لتصفية حسابات سياسية مع فرنسا المحتضنة للألعاب الأولمبية من خلال دعم موسكو للاتحاد الدولي للملاكمة الذي ترأسه شخصية مقربة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وتبادل المندوبان الروسي والجزائري في مجلس الأمن سجالا دبلوماسيا يرشح العلاقات التي توصف بـ”التاريخية” بين البلدين، والمعززة باتفاقية الشراكة الإستراتيجية المعمقة، إلى أزمة غير مسبوقة.
ويبدو أن الفتور المسجل بين البلدين في الآونة الأخيرة، على خلفية تضارب المصالح في منطقة الساحل، صار يبحث عن منفذ لإخراج الخلافات الصامتة إلى السطح.
وجاء الجدل المثار في العالم حول جنس الملاكمة الجزائرية المتألقة في أولمبياد باريس 2024، والموقف الضعيف للاتحاد الدولي للملاكمة أمام حملة التضامن ودعم اللجنة الأولمبية الدولية للرياضية المذكورة، فرصة أمام الروس لنقل الجدل الرياضي إلى أورقة الأمم المتحدة.
ولم يتوان نائب ممثل روسيا بمجلس الأمن ديمتري بوليانسكي في انتقاد العالم الغربي، خاصة فرنسا التي تحتضن أولمبياد 2024، على خلفية ما أسماه بـ”عدم احترام المرأة، والتلاعب بالقيم الأولمبية والغش”، كما انتقد أداء اللجنة الأولمبية التي وصف تنظيمها بـ”المقزز” بسبب وجود عمليات غش في مشاركة رياضيين متحولين جنسيا في منافسة نسائية، في إشارة إلى خليف وملاكمة تايوانية.
وأثار كلام الدبلوماسي الروسي غضب نائب ممثل الجزائر توفيق كودري، الذي طلب الكلمة مرتين من طرف رئيسة الجلسة، ليعرب عن استغرابه من الخلط بين الرياضة والسياسة من طرف الوفد الروسي، ودافع عن مواطنته.
وقال إن “الرياضية الجزائرية ولدت أنثى وتربت أنثى، وتدرجت في الرياضة إلى مصاف العالمية كأنثى، ولا أحد بإمكانه التشكيك في ذلك”، وإن “الجزائر ترفض حملة التنمر والبهتان التي يشنها مناوئون بدءا من الاتحاد الدولي للملاكمة، إلى غاية نخب سياسية وإعلامية ومالية”. وأضاف “لا يوجد أدنى شك في هذا الأمر، باستثناء أولئك الذين لديهم أجندة سياسية غامضة”.
وأعطى التلاسن بين الطرفين الانطباع بأن العلاقات بين روسيا والجزائر لم تتهاو بهذا الشكل منذ تأسيسها في خمسينات القرن الماضي، وأن ما سوّق له من شعارات وخطب سياسية ودبلوماسية لم يصمد أمام الخلافات الصامتة بينهما، والتي بدأت من منطقة الساحل وانتقلت إلى الرياضة، ولا يستبعد أن تشمل قطاعات أخرى، خاصة وأن البلدين يرتبطان باتفاقيات متشعبة في ميدان التسليح والتعاون العسكري.
وقالت تقارير إن روسيا والجزائر تبادلتا اللكمات الدبلوماسية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بعد أن أثارت روسيا قضية الجنس في رياضة الملاكمة بالأولمبياد خلال اجتماع للمجلس ركز على المرأة والسلام والأمن.
ويبدو أن روسيا المتهمة بتنظيم حملة إلكترونية ضد فرنسا -باستخدام مقاطع الفيديو المزيّفة والقصص الإخبارية الوهمية وانتحال الشخصيات التي يولّدها الذكاء الاصطناعي للتأثير سلبا على الألعاب الأولمبية ردا على العقوبات المفروضة على رياضييها بسبب غزوها أوكرانيا- بصدد لعب كل أوراقها، بما فيها السياسية والدبلوماسية، حتى ولو كانت على حساب ما كانت تصفه بـ”الشريك التاريخي والأكبر في شمال أفريقيا”.
وارتفعت أصوات جزائرية تطالب بمراجعة بلادهم لعلاقاتها مع روسيا، في ظل التحول المفاجئ في خطابها المستعد للتضحية بكل شيء، من أجل ضرب مصالح أعدائها في أوروبا الغربية، حتى ولو كان الأمر يتعلق برياضيين أبرياء، وبالرياضة نفسها التي يجمع الكل على وجوب إخراجها من التجاذبات والمصالح المتضاربة. واتهم بوليانسكي الدول الغربية باحتكار الحركة الأولمبية وفرض أجندة مجتمع الميم “بشكل عدواني” على بقية العالم، وذكر أنها تلحق ضررا بحقوق المرأة وكرامتها.
وقال “في دورة الألعاب الأولمبية في باريس تتعرض الملاكمات للعنف علنا من جانب رياضيين فشلوا في اجتياز الاختبارات الهرمونية التي أجراها الاتحاد الدولي للملاكمة، وهم وفقا للاتحاد ووفقا للمنطق رجال. هذا أمر مثير للاشمئزاز تماما”.
ولا يزال الاتحاد الدولي للملاكمة برئاسة الروسي عمر كريملف يصر على موقفه بإقصاء الملاكمتين الجزائرية والتايوانية من المنافسات النسائية بدعوى أن التحاليل الطبية التي أجريت عليهما أثبتت أنهما ذكران، وعليه فقد تم إقصاؤهما من البطولة العالمية التي جرت العام الماضي في دولة الهند، حيث أقصيت خليف من الدور النهائي، بينما جردت التايوانية من ميداليتها البرونزية.
وكانت الندوة الصحفية التي نظمها الاتحاد الدولي في باريس قد تحولت إلى فوضى عارمة بعد تدخل رياضيين وإعلاميين اتهموا رئيس الاتحاد المقرب من الرئيس بوتين، والموقوف من طرف اللجنة الأولمبية، بالفساد والتلاعب بالرياضة، وبالدفاع عن المصالح الروسية لضرب الألعاب الأولمبية وانتقاد العالم الغربي في إطار صراع سياسي بين القطبين، عبر افتعال قضية الملاكمتين المذكورتين.
وكان مسؤولو اللجنة الأولمبية الدولية قد أعربوا عن تضامنهم المطلق مع الرياضيتين اللتين أقصاهما الاتحاد الدولي للملاكمة، وشددوا على أن الاتحاد هيئة “غير شرعية وغير قانونية”، وأن لجنتهم لا تعترف به، خاصة وأنه مازال يتكتم على طبيعة التحاليل التي يزعم أنه قد أجراها على الرياضيتين وأثبتت له أنهما ذكران، وأنه يصر على ما يصفه بـ”السرية”.