سجال جزائري - أوروبي بسبب قضية الكاتب بوعلام صنصال

أزمة دبلوماسية غير مسبوقة تمتد تدريجيا إلى المؤسسات الأوروبية.
الجمعة 2024/12/06
توتر جديد في العلاقات بين الجزائر وفرنسا

أثار توقيف الكاتب الفرنسي – الجزائري بوعلام صنصال سجالا سياسيا بين السلطات الجزائرية والبرلمان الأوروبي، وسط اتهامات بالتدخل في الشؤون الداخلية للجزائر، في خطوة يرى مراقبون أنها تمهّد لأزمة دبلوماسية غير مسبوقة بين الطرفين.

الجزائر - وجه مجلس الأمة الجزائري انتقادات شديدة للبرلمان الأوروبي على خلفية التصريحات التي أدلى بها نواب فرنسيون تتعلق بتوقيف السلطات الجزائرية للكاتب الفرانكو – جزائري بوعلام صنصال وإحالته على القضاء، واتهمه بالتدخل في الشؤون الداخلية للغير، والتعامل بمكيالين، ففيما يجري الضغط ومحاولة التأثير على مجريات القضية، يتم تجاهل الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، وعدم الالتفات إلى ما ترتكبه إسرائيل هناك.

أعرب مجلس الأمة، وهو الغرفة الثانية في البرلمان الجزائري، عن “إدانته الشديدة واستهجانه ورفضه المطلق لكل تدخل من البرلمان الأوروبي في الشؤون الداخلية للجزائر، لاسيما وأن الحق في التعبير بالجزائر المنتصرة بقيادة رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون، يكرسه الدستور.” وورد في بيان للهيئة التشريعية الجزائرية أن مكتب مجلس الأمة، برئاسة صالح قوجيل، يعرب عن “إدانته الشديدة واستهجانه ورفضه المطلق لكل تدخل سافر في الشؤون الداخلية للجزائر”.

وحث المجلس، وفق البيان، أعضاء البرلمان الأوروبي “ممن انقلبوا على عقبيهم، مدعومين بلوبيات النيوكولونيالية الفرنسية المستنسخة عن سالفتها المقيتة، وسمحوا لأنفسهم، مرة أخرى، بكل وقاحة وسخافة وسذاجة ودناءة أن يتناولوا ويتداولوا بشأن الحريات وحرية التعبير في الجزائر، وبشأن قضية داخلية لدولة سيدة، على إجبار عواصمهم وسلطات بلدانهم الرسمية على تطبيق القانون، وعدم التراجع خطوات إلى الوراء”.

ودعاهم إلى الامتثال دون شروط إلى قرارات الجنائية الدولية “بجلب والقبض على مجرمي الحرب الصهاينة الذين يمارسون حرب إبادة وتطهير مفروضة على غزة منذ أربعة عشر شهرا، والعالم يشاهد ويتفرج إلا قليلا منهم ممن غلبوا الحق وغلبوا ضمائرهم”.

وجاء رد مجلس الأمة أياما بعد الهجوم الذي شنه نواب فرنسيون في البرلمان الأوروبي، على السلطات الجزائرية، التي وصفوها بأشنع الأوصاف، كـ”الطائشين”، و”الدكتاتورية”، وذلك على خلفية توقيف الكاتب بوعلام صنصال، منذ منتصف الشهر المنقضي، وإحالته على القضاء، بعد توجيه تهم وصفت بـ”الثقيلة” على غرار التخابر مع دولة أجنبية.

ولم تشهد العلاقات الجزائرية – الفرنسية تدهورا كالذي تعيشه في الآونة الأخيرة، حيث تشن دوائر سياسية وإعلامية وحتى رسمية، هجوما شرسا على الجزائر، إذ وجهت مختلف التهم والأوصاف لرموز النظام الجزائري، وعلى رأسهم الرئيس تبون، ونائب وزير الدفاع الجنرال سعيد شنقريحة.

وقال بيان مجلس الأمة إن “هؤلاء يعطون ضوء أخضرا لمدللهم الكيان الصهيوني ويوفرون الغطاء لمسؤوليه القتلة المجرمين، يسدون آذانهم ويغمضون أعينهم ويعمون بصيرتهم، بل ويتهمون مستندين في ذلك على أسطوانتهم المشروخة وسيمفونيتهم الرتيبة بحجة معاداة السامية، فكل جهة تصدح بصوت الحق وتنتقد حفيدهم الكيان المارق النازي الاستيطاني الذي أهان المنظومة الدولية بشهادة المحكمة الجنائية الدولية والجمعية العامة للأمم المتحدة ومدرجات القرارات الأممية”.

◙ العلاقات الجزائرية - الفرنسية لم تشهد تدهورا كالذي تعيشه الآن، حيث تشن دوائر سياسية هجوما شرسا على الجزائر

واسترسل المجلس قائلا إنهم “يجرون جريا ويستعجلون على عادتهم ناهقين بأصواتهم ومتباكين بذريعة الدفاع عن حقوق الإنسان وحرية التعبير حينما يتعلق الأمر بقضية داخلية لدولة سيدة تدافع ضد من يشمت بحرمة دينها وحضارتها، وتتابع وفق الأطر القانونية كل دعي – ومن يقف من ورائه – يتحامل أو يتطاول أو يشكك في هويتها ووحدتها الترابية أو يتندر.. فلا عجب ولا استغراب. هي الديمقراطية والحرية بمنظار خاص وبعدسة ثلاثية الأبعاد منتقاة مختارة على المقاس”.

ولفت إلى أن الحق في التعبير في الجزائر يكرسه دستور الأول من نوفمبر 2020، وتكفله منظومة تشريعية وطنية في إطار احترام ثوابت الأمة وقوانين الجمهورية، وقضاؤها سيف مبصر بصير مسلط على من يتعدى حدوده على وحدة بلاده، وعدالتها محصنة ولا تحتكم لأهواء وأمزجة.

وجاء بيان مجلس الأمة بعد التصريح الذي أدلى به رئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي، الذي بادر بالرد على اتهامات البرلمان الأوروبي، وتفادى ذكر الكاتب الذي أثار أزمة غير مسبوقة بين الجزائر وفرنسا، وتمتد تدريجيا لتشمل أوروبا، بعد طرح القضية على الهيئة التشريعية في بروكسل.

وقال بوغالي “انخراط البرلمان الأوروبي وبعض الدوائر السياسية والإعلامية الفرنسية في محاولة التدخل في الشأن الداخلي للجزائر ليس سوى ممارسة مفضوحة لصرف الأنظار عن الانتهاكات الحقيقية لحقوق الإنسان والقانون الدولي.” وتساءل “ماذا بقي من رصيد لهذه الأبواق في ما يخص الفصل بين السلطات أو استقلالية القضاء؟” وأكد المتحدث على دور العدالة في بلاده في السهر على حماية الحقوق والحريات، وعلى أن يد القانون ستطال كل من تسول له نفسه محاولة المساس بأمن واستقرار الجزائر.

وكانت النائب اليمينية ماريون مارشال لوبان، قد اتهمت النظام الجزائري، بـ”حمل الكراهية ضد فرنسا”، ودعت إلى ما أسمته بالأساليب الدبلوماسية القديمة، من خلال تبادل الأسرى، مقترحة بلهجة استهزاء، “هناك 3.500 مجرم جزائري في السجون الفرنسية، نحن مستعدون لمبادلتهم بالكاتب بوعلام صنصال.”

كما دعا فرانسوا كزافييه بيامي، عضو البرلمان الأوروبي عن حزب الشعب الأوروبي، إلى “إعادة النظر في الاتفاقيات المتعلقة بالهجرة مع الجزائر”، أما رافاييل غلوكسمان، من الحزب الاشتراكي، فقد صنف النظام الجزائري في خانة “الأنظمة الدكتاتورية التي اضطهدت المثقفين.” والأسبوع الماضي، طالبت دار النشر الفرنسية “غاليمار” بـ”الإفراج” عن الكاتب بوعلام صنصال بعد “اعتقاله” على يد “أجهزة الأمن الجزائرية”، غداة إبداء الرئاسة الفرنسية قلقها إزاء “اختفائه”.

وكتبت دار النشر في بيان “تُعرب دار غاليمار (…) عن قلقها العميق بعد اعتقال أجهزة الأمن الجزائرية الكاتب وتدعو إلى الإفراج عنه فورا”. وذكرت وسائل إعلام عدة، من بينها مجلة “ماريان” الفرنسية، أن الكاتب البالغ 75 عاما والمعروف بمواقفه المنددة بالتشدد الديني والاستبداد، أوقف السبت في مطار الجزائر العاصمة آتيا من فرنسا.

 

4