سجال بين بري وجعجع: من يريد فصل الجنوب عن لبنان

بيروت - اتخذ السجال الدائر بين رئيس مجلس النواب ورئيس حزب القوات اللبنانية حول الموقف من تأجيل الانتخابات البلدية، أبعادا أخرى بعد تلميح نبيه بري إلى سعي سمير جعجع لفصل الجنوب عن لبنان، وأنه لا يزال يطمح للفيدرالية.
وتقول أوساط سياسية لبنانية إن التلميحات التي ساقها بري والاتهامات المبطنة لرئيس حزب القوات، هدفها حرف الأنظار عن القضية الأم وهي تأجيل الانتخابات البلدية للمرة الثالثة على التوالي، ما يعني إبقاء لبنان في حالة شلل مؤسساتي.
وتشير الأوساط إلى أن الثنائي الشيعي الممثل في حركة أمل وحزب الله يصر على التمديد للمجالس البلدية القائمة، على الرغم من أن العديد منها يشهد شغورا، لافتة إلى أن الذريعة التي يسوقها الثنائي لتبرير التأجيل وهي التوترات الجارية في الجنوب، ليست مقنعة وهو ما عبر عنه بشكل صريح جعجع، الأمر الذي أثار حفيظة بري.
الاتهامات المبطنة لرئيس حزب القوات اللبنانية، هدفها حرف الأنظار عن تأجيل الانتخابات البلدية للمرة الثالثة على التوالي
ورد حزب القوات اللبنانية الأربعاء عن تلميحات رئيس مجلس النواب بشأن نوايا لفصل الجنوب بالقول في بيان أصدرته الدائرة الإعلامية للحزب “يا دولة الرئيس؟ أين قرأت ذلك؟ للتذكير، في ربيع العام 1998 جرت الانتخابات البلدية في لبنان لأول مرّة بعد الحرب وقد تمّ استثناء محافظة الجنوب بسبب الاحتلال الإسرائيلي، حيث عادت وتمّت في البلدات الجنوبية في التاسع من سبتمبر 2001، فهل كان القرار آنذاك بفصل الجنوب عن لبنان؟ فمَن كان في السلطة في حينها؟ كان رئيس ‘القوات’ في المعتقل، بالتالي هذا الكلام ليس سوى ذرّ للرماد في العيون”.
وأضاف بيان القوات “للأسف يا دولة الرئيس، إنّ إسرائيل وفي عزّ الحرب المستمرّة حتى اليوم، أجرت انتخاباتها البلدية في السابع والعشرين من فبراير المنقضي، واستثنت المناطق الواقعة على الحدود مع لبنان ومع غزة، هذا هو منطق الدول وليس التّعطيل المتواصل والشامل”.
وتابع البيان “إن قولك يا دولة الرئيس ‘الخطورة في كلام جعجع هو عن الفيدرالية…’، في غير مكانه، فلبنان حتّى إشعار آخر يصون حرّية التعبير عن الرأي، أمّا الحديث عن الفيدرالية أو تطوير النظام فيُطرح ويُناقش بين جميع اللبنانيين، وهذا ما أكّد عليه الدكتور جعجع مرارا وتكرارا”.
وكان بري شن هجوما لاذعا على جعجع، الذي ندّد مؤخرا بـ”الجريمة الإضافية في حق لبنان واللبنانيين التي يرتكبها كل من يساهم في التمديد مرة ثالثة للبلديات”.
وقال بري في تصريحات صحفية “لن تحصل انتخابات بلدية من دون الجنوب، وبده يستوعب جعجع مش (لست) مستعد أفصل الجنوب عن لبنان”. وأضاف “الخطورة في كلام جعجع هو عن الفيدرالية”.
وجاء السجال المثار بين جعجع وبري في ظل مساع للأخير للتحضير لعقد جلسة نيابية يتم من خلالها تمرير التمديد الثالث للمجالس البلدية.
ويستوجب الوضع البلدي في لبنان إجراء انتخابات جديدة وعدم الركون إلى تأجيل جديد، فالكثير من البلديات أصبحت منحلة، والغالبية الأخرى أصابها الشلل والملل جراء التمديد.
وتعد الانتخابات البلدية والاختيارية الاستحقاق الديمقراطي الثاني بعد الانتخابات البرلمانية في لبنان، وتمتد ولاية المجالس البلدية والاختيارية إلى ست سنوات خلافا لولاية البرلمان المنحصرة في أربعة أعوام.
حركة أمل وحزب الله يصران على التمديد للمجالس البلدية القائمة على الرغم من أن العديد منها يشهد شغورا
وكان من المفترض أن تجرى الانتخابات البلدية في لبنان في مايو الماضي، ولكن تحت ذريعة عدم الجهوزية اللوجستية والمالية وافق مجلس النواب اللبناني في أبريل الماضي على تمديد تقني حتى الحادي والثلاثين من مايو 2024.
وتلك المرة الثانية التي يرجئ فيها مجلس النواب الانتخابات البلدية والاختيارية، حيث كانت الحجة التي سيقت في المرة الأولى هي تزامنها مع الاستحقاق النيابي.
وأعلن المؤتمر المسيحي الدائم عن رفضه القاطع لتمديد ثالث للمجالس البلدية وقال في بيان أصدره الأربعاء “نطالب المعنيين في لبنان بإنقاذ الانتخابات البلدية من الإلغاء أو التأجيل بكل الوسائل الممكنة، لأن قرار تأجيل الإنتخابات البلدية إذا ما اتخذ تحت أي حجة أو ذريعة، فهو غير مقبول، وسيكون ضربا إضافيا من ضروب احتيال السلطة على الشعب، وانقلابا واضحا وخطيرا على ما تبقى من مؤسسات الدولة وقطعاً للطريق على أي محاولة لإصلاحها وإعادة إحيائها".
ولا يعتبر قرار تأجيل الانتخابات البلدية أمرا غريبا في الممارسة السياسية بلبنان. إذ غالبا ما يعطل نظام المحاصصة السياسية والطائفية الاستحقاقات المهمة، وبينها تشكيل حكومة أو انتخاب رئيس للبلاد أو حتى الانتخابات البرلمانية.
وتعاني مؤسسات الدولة في لبنان بالفعل من فراغ في السلطة، حيث إن البلد دون رئيس للجمهورية منذ انتهاء فترة ميشال عون في أكتوبر 2022 وإلى الآن لم يتم التوصل إلى اتفاق حول من سيحل مكانه في قصر بعبدا.