ستيفاني وليامز تسلط الضوء على قصة مخابراتية "غامضة" في ليبيا

طرابلس – سلطت المستشارة الأممية السابقة ستيفاني وليامز الضوء على تفاصيل القصة المخابراتية والمكائد الدولية على ليبيا في مقال عنونته بـ"سياسة التدخل الخارجي في ليبيا... طَرقٌ على باب مفتوح"، كشفت فيه أن التحركات الاستخباراتية أثناء الثورة والسنوات التي عقبتها أكبر بكثير من تلك الدبلوماسية.
وقالت الدبلوماسية الأميركية السابقة في مقالها الذي نُشر في موقع "المجلة" السعودي الأسبوع الماضي، إن التدخل الأجنبي في ليبيا هو السمة البارزة في الصراع الذي امتد منذ عام 2011، مشيرة إلى أن الجهات الأجنبية استغلت، في بعض الأحيان، تفكك ليبيا، واستفادت من هشاشة الدولة "غير الموجودة".
وتابعت "على الرغم من التحالفات الإقليمية المتغيرة، يجب على المجتمع الدولي الاستمرار في استخدام الهيكلية التي وضعت ببرلين في دعم وساطة الأمم المتحدة، وتلبية تطلعات الشعب الليبي من أجل إنهاء المرحلة الانتقالية الطويلة في البلاد".
وأوضحت أن القوات الخاصة والقنوات الاستخباراتية الأجنبية كانت موجودة على الأرض في أثناء الثورة، وفي الاضطرابات التي عصفت بليبيا في السنوات التي أعقبت نهاية القذافي العنيفة، أكثر من وجود نظرائهم الدبلوماسيين.
ووصفت هذه التدخلات بـ"القصة المخابراتية" الغامضة، والتي اشتملت على زيارات متتالية في وقت سابق من هذا العام لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز، ورئيس المخابرات التركية -آنذاك- هاكان فيدان، ورئيس المخابرات المصرية عباس كامل.
وأكدت أن هذه المعاملات من الدبلوماسية التي وصفتها بـ"الانتهازية" تتعارض بشكل مباشر مع تفويض الأمم المتحدة التي جرى تكليفها بالوساطة، لإحلال السلام، ومساعدة الشعب الليبي في بناء دولته بحكومة تمثله، ومؤسسات تخضع للمساءلة.
كما انتقدت وليامز النخبة الحاكمة في ليبيا وقالت بأنها "تميل نحو مقايضة سيادة بلادهم بثمن بخس". وأضافت أن خلفاء القذافي السياسيين والعسكريين ممن وصفتهم بـ"حديثي العهد في الساحة العالمية"، حاولوا الموازنة "بشكل مخجل" بين الشأن الداخلي والشأن الدولي، مستمتعين بالسياحة السياسية وساعين في عواصم الدول الأجنبية وراء الشرعية التي فشلوا في الحصول عليها من مواطنيهم.
وتشهد ليبيا الغنية بالنفط انقساما سياسيا وصراعا على السلطة بين حكومتين الأولى في طرابلس برئاسة عبدالحميد الدبيبة وهو يرفض السلطة إلا لحكومة منتخبة، والثانية في بنغازي وسرت يرأسها وزير المالية أسامة حماد بعدما قرر البرلمان تعليق مهام رئيس الحكومة الموازية فتحي باشاغا وإحالته للتحقيق.
كما تعاني البلاد ومنذ سقوط نظام الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي من التدخل الأجنبي، إذ تحظى البلاد بدعم كثير من القوى الأجنبية والإقليمية بما في ذلك فرنسا وروسيا وتركيا ومصر، وتسعى أغلب القوى الخارجية بشكل أساسي إلى تأمين صفقات النفط وإعادة الإعمار.
ورأت وليامز، أن البلدان ذات المصالح الخاصة بليبيا "استخدمت وكلاءها المسلحين على الأرض في تعزيز أولوياتها الوطنية المتنوعة، والمتنافسة أحيانا"، لافتة إلى أن هذه الأولويات تشمل "مكافحة الإرهاب، ومعالجة مخاوف الهجرة، والسيطرة على موارد النفط، ومكافحة التطرف الديني، وتثبيط العمليات الديمقراطية، واستغلال ثروة ليبيا، أو تأمين قواعد استراتيجية داخل المناطق ذات الأهمية الجيوسياسية في البلاد".
وقالت وليامز، التي غادرت منصبها كمستشارة للأمين العام للأمم المتحدة بليبيا في 30 يوليو 2022، إن "نهج المعاملات هذا، الذي يتسم بالمصلحة الذاتية والانتهازية، يتناقض مع ولاية الأمم المتحدة التي تستهدف تسهيل السلام، ومساعدة الشعب الليبي في إقامة حكومة تمثيلية، ومؤسسات خاضعة للمساءلة".
وانتقلت وليامز للحديث بشكل مستفيض عن دعم دول أجنبية لقائد قوات القيادة العامة المشير خليفة حفتر خلال حرب طرابلس 2019 سياسيا وماديا وتكتيكيا، في المقابل الدعم التركي لحكومة الوفاق الوطني آنذاك، وحصول الأتراك من حكومة طرابلس على كثير من الاتفاقيات البحرية والعسكرية المثيرة للجدل، ومع انتهاء المواجهات أدخل الأتراك أسلحتهم المتطورة وآلاف المرتزقة السوريين.
وبعد الحديث عن مخاض اتفاق وقف إطلاق النار آنذاك، قالت الدبلوماسية الأميركية السابقة إن عملية برلين ومجموعات العمل الدولية الناتجة منها لا تزال هي البنيان الدولي لليبيا حتى الآن، على الرغم من القيود المفروضة على أعلى المستويات بسبب الانقسامات الدبلوماسية الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا.
ومن نتائج تلك العملية، ذكرت وليامز "قسم الأتراك والروس البلاد، وخلقوا حقائقهم الخاصة على الأرض، واحتلوا القواعد الليبية، وحافظوا على قواتهم"، لافتة إلى روسيا "استخدمت مرتزقتها في شرق وجنوب ليبيا، جنبا إلى جنب مع حلفائها المحليين، في غضون ذلك، رسخ الأتراك أنفسهم بقوة في غرب ليبيا، مع وجود عسكري واستخباراتي وسياسي وتجاري مترامي الأطراف".
لكن المستشارة السابقة للأمين العام للأمم المتحدة تعتقد أنه "من بين جميع القوى الأجنبية، فإن الأتراك هم الذين يمارسون النفوذ الأكبر على الأرض في ليبيا اليوم"، ضاربة مثالاً بتحقيق أنقرة تقدما كبيرا في شرق ليبيا، حيث يُعقد منتدى أعمال تركي، وتوضع خطط لفتح قنصلية تركية في بنغازي.
وفي سياق حديثها عن التغيرات الديناميكية بالمنطقة خلال السنوات التي تلت حرب 2019، قالت وليامز إن مصر، التي كانت في السابق عدوا قويا لحكومة طرابلس، تلقت في ديسمبر الماضي وديعة من المصرف المركزي الليبي بـ700 مليون دولار، إذ تواجه مصر شحا دولاريا، وأزمة نقص العملات الأجنبية هي الأسوأ منذ سنوات.
وعرّجت وليامز على مستوى اهتمام الدول الغربية بليبيا، فقالت إن الولايات المتحدة أزالت العالم العربي من أولوياتها، وعادت إلى دعم قصير النظر في القرن العشرين لـ"الاستقرار"، وهو تطور في السياسة رحب به حكام مسيطرون في المنطقة. كما أن الألمان والفرنسيين مشغولون بأوكرانيا، بينما يواصل الإيطاليون نهجهم الخاص في التعامل مع ليبيا، مع إعطاء الأولوية لجهود مكافحة الهجرة.
ولفتت المستشارة الأممية إلى أن ما يضيع في كل هذه المكائد الدولية والإقليمية هو أصوات الشعب الليبي، ولا سيما 2.8 مليون شخص (ممن يحق لهم الانتخاب من أصل حوالي سبعة ملايين نسمة) يواصلون الدعوة إلى إنهاء المرحلة الانتقالية التي استمرت 12 عاما في ليبيا من خلال انتخابات رئاسية وبرلمانية على أساس دستوري متفق عليه بالتراضي.
وأوضحت وليامز أن المجتمع الدولي، في أقل تقدير، يحتاج إلى احترام رغبات الليبيين ودعم سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان والمساءلة في ليبيا، لافتة إلى أنه ليست هناك حاجة للبدء من الصفر فيما يتعلق بالبنيان الدولي، وتحديدا عملية برلين ومجموعات العمل المرتبطة بها.
وأكدت أن العوامل التي شكلت الأساس الذي تم تصميم العملية على أساسه لا تزال قائمة وهي مجلس الأمن الذي وصفته بـ"عديم الفعالية"، ومقاربات نفعية للدول الفاعلة، مشيرة إلى أن هذه المظلة الدولية ضرورية أيضا لدعم وساطة الأمم المتحدة والضغط على الأطراف الليبية.
ويأتي مقال ويليامز بعد نحو عام من مغادرتها منصبها في موفى شهر يوليو الماضي وكانت حصيلة إنجازاتها هزيلة للغاية، حيث فشلت في تحقيق أيّ اختراقات فعلية لإنهاء الأزمة.
وتعرضت ويليامز لانتقادات واسعة بسبب فشلها في مواجهة الانقسام ودفع الخصوم السياسيين للتوافق على قاعدة دستورية تنظم الانتخابات الرئاسية البرلمانية التي كان من المفترض أن تؤدي إلى تشكيل حكومة لتوحيد البلاد.
وقادت ويليامز جهود الوساطة بين أطراف النزاع الليبي قبل ثلاث سنوات ضمن ملتقى الحوار السياسي الذي أنتج السلطات الحالية (حكومة الوحدة والمجلس الرئاسي) فيما فشلت تلك الجهود في الوصول إلى انتخابات في الرابع والعشرين من ديسمبر الماضي كان ذلك الملتقى قد أقرها.
وفي ظل مخاوف من انزلاق ليبيا مجددا إلى حرب أهلية، تبذل الأمم المتحدة جهودا لتحقيق توافق ليبي حول قاعدة دستورية تُجرى وفقا لها انتخابات برلمانية ورئاسية يأمل الليبيون أن تنهي نزاعا مسلحا عانى منه بلدهم لسنوات.