ستائر المسرح العربي قاومت الانسدال رغم هول الخراب

الأربعاء 2014/12/24
"هوب هوب" عرض سوري ينتقد المسرح بأدوات الفرجة

لطالما كان المسرح العربي محل أنظار الأوساط الثقافية والفنية، كونه يعبّر عن حال المجتمع لتشريحه إياه واقترابه من أبسط أبجدياته بشكل عفوي ومطلق، ولطالما كانت حالة المسرح بمثابة انعكاس لحال المجتمع ككل، ففي الوقت الذي تزدهر فيه الثقافة والفنون في البلدان العربية، يكون المسرح هو أكثر النجوم ظهورا في سماء الفن، إضافة إلى قدرة المسرح المذهلة على التعبير عن الأحوال السياسية والاقتصادية بالبلدان العربية، والوصول إلى قلوب وعقول الجماهير.

التساؤل عن حال المسرح العربي خلال عام 2014 يطل برأسه، ويفرض نفسه بقوة، خاصة في ظل عدد من المتغيرات السياسية والاجتماعية التي شهدتها البلدان العربية منذ قيام ثورات الربيع العربي، والتي أثرت على المسرح العربي سواء إيجابا من خلال العروض المسرحية الناجحة التي تمكنت من عكس الحالة الثورية، أو سلبا بالانشغال عن المسرح لصالح قضايا أخرى.

لعب المسرح المصري أدوارا بارزة في الساحة الفنية، منذ تأسيسه على يد يعقوب صنوع وأبوخليل القباني، وحتى كبار فناني الزمن الجميل والفرق المسرحية البارزة في الستينات، مرورا بمسرح يوسف بك وهبي، وأبو السعود الإبياري وبديع خيري وعلي الكسار ونجيب الريحاني، غير أنه منذ فترة السبعينات بدأ نجم المسرح في الخفوت، ولا سيما عقب سياسة الانفتاح، حتى وصل الحال إلى ما هو عليه الآن من حالة “ركود”.

"تياترو مصر" تجربة رائدة لاكتشاف وجوه مسرحية مصرية شابة

رغم هذا حاول عدد من الفنانين ضخ الدماء في جثة المسرح الهامدة -حسبما يراه الكثيرون-، ومن أبرز المحاولات خلال العام الذي شارف على الانتهاء تجربة الفنان الكوميدي أشرف عبدالباقي، حيث قدّم سلسلة من المسرحيات تحت اسم “تياترو مصر”، وقد استعان خلالها بالعديد من العناصر الشابة والوجوه الجديدة، لينجح في جذب نسبة من الجمهور، ولا سيما عقب أن عالج بعض القصور، وأضفى لمسات جديدة على المسرح، من بينها لمسات فنية فيما يتعلق بالتقليل من زمن المسرحية، فضلا عن لمسات أخرى تتعلق بسعر الدخول لمشاهدة المسرحية بالنسبة إلى الجمهور.

أيضا، حاول الفنان محمد صبحي إحياء المسرح من خلال إطلاقه الموسم الثاني من مهرجان “المسرح للجميع” عقب مرور نحو 10 سنوات على الموسم الأول، والذي ضمّ ست مسرحيات.

فيما قدّمت بعض المسارح الخاصة عروضا مسرحية، نجح بعضها في جذب الانتباه، ومنها العرض المسرحي “دنيا حبيبتي” للمخرج جلال الشرقاوي الذي أثار جدلا واسعا في مصر، بعد الهجمات التي واجهتها المسرحية سواء من جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، أو من الجبهة السلفية، متهمين أياها بازدراء الأديان واستخدام ألفاظ غير مناسبة لطبيعة المجتمع.


اهتمام استثنائي

مسرحية "خيل تايهة" عبرت عن نبض المجتمع العربي


فيما يتعلق بحال المسرح العربي في عام 2014، ومدى تعبيره عن أصوات المجتمع، أوضح فاضل خليل، أحد أبرز مؤسسي فرقة مسرح الفن الحديث، أن ازدهار الثقافات من عدمها يفسره ازدهار البنى والكيانات الاجتماعية الحاضنة الهامة لانتعاش الثقافات بشكل عام ومنها المسرح.

والمسرح هو الكيان الأكثر فاعلية والأكثر احتياجا للرخاء المادي، وعليه فهو يحتاج إلى اهتمام استثنائي لا طاقة للحكومات المنشغلة بأمور أقل من ثانوية.

لا سيما وأن الحكومات الحالية التي “ضعضعها” الربيع العربي، يستحيل عليها أن تنهض بالمسرح الذي يبحث عن حال أفضل، وعن شعوب أكثر استقرارا ونعيما بالرخاء والأمان.

ويواصل خليل تحليله للوضع المسرحي الراهن قائلا: “فإذا ما كانت القيادات المتسلطة بنوعيها حكومية أو ثقافية ضعيفة، فلن تستطيع إفراز فن رفيع يرتقي بالناس من خلال المسرح، بل على العكس ستعمل على خلق مسرح وثقافات كسيحة غير قادرة على التطوّر، بما لا يؤمّن لها شرط الموضوعية المنسجمة مع متطلبات تلك الجماهير، في حال انسجامها مع الأطر العامة لما يحيط بها من مخاطر، لتتماهى مع الثقافة بشكل يضمن لها المشاركة الفاعلة للإجابة عن تساؤلاتها، والخلاص مما يحيط بها من مخاوف جمة في غاية الصعوبة في ظل الفوضى الكبيرة المتسلطة على الشعوب”.

وعن المشاكل التي تواجه المسرح العربي قال خليل: “هي مشكلة وليست مشاكل؛ إنها عدم الأمان والاستقرار، وفي ظل حكومات لا تعتني بما يؤمّن لشعوبها الرفاهية والأمان والطمأنينة، بل والأنكى من ذلك أنها تعمل على تهميش الثقافة والفنون والرياضة والعلوم وبقية متطلبات النهوض بالناس، بتعمّدها عدم احترام الكفاءات، مما يكرّس المشاكل ويجعلها بلا حلول”.

المسرح في عام 2014 نجح في التعبير عن أصوات المجتمع، وعكس واقع الحال العربي من ذلك مسرحية "ريتشارد الثالث"

لافتا إلى أن هناك بعض العروض المسرحية لمجموعة من المحاولات الشابة التي تستحق الاحترام لكونها تنحت بالصخر، والتي من عيوبها كونها لا تحترم النص المكتوب، وتعتمد الارتجال الذي تنقذه التقنيات المكملة للعروض من شكل يتفق أو لا يتفق مع نسيج تلك العروض الخجولة.

أما مهندس الديكور المصري حازم شبل، مؤسس المركز المصري للسينوغرافيين وتقنيي المسرح، فقد أكد أن المسرح المصري يمرّ بأزمة نظرا للظروف العامة التي تمرّ بها مصر في الآونة الأخيرة، لافتا إلى أن أزمة المسرح المصري ليست في الإبداع أو الفنانين، ولكنها تكمن في سوء الإدارة والتخطيط والرؤى، إلى جانب عدم الاهتمام بالجانب التقني في المسارح وتطويرها بشكل جاد وصيانتها.

ويتوقع شبل أن يشهد العام القادم بدايات ازدهار مسرحي، خاصة في ظل اجتهاد الفنانين والمسرحيين للنهوض بالمسرح من الأزمة التي يمرّ بها، والتي استمرّت لفترات طويلة، ما يعكس تقديرهم لأهميته ودوره التاريخي.

الناقدة الأدبية المصرية هويدا صالح أكدت أن المسرح يسير بخطوات قوية وواضحة أكثر من الرواية، وأن العام الذي شارف على الانتهاء قدّم الكثير من المسرحيات الهامة مثل “الغرباء لا يشربون القهوة”، وهي كوميديا سياسية، ومسرحية “مملكة الأنوار” لأحمد نبيل، ومسرحية “طرطوف” للكاتب العالمي موليير، و”ياما في القتل مظاليم” لسامح مهران، ومسرحية “عشق الهوانم” الــتي أخرجهــا للمسرح المخرج جلال عثمان.

أما الروائي ياسر ثابت فيختلف مع صالح، إذ أكد أن المسرح العربي في أزمة. فالأعمال قليلة والميزانيات محدودة، وهناك هروب جماعي للمبدعين من خشبات المسرح إلى السينما أو التلفزيون، حيث الاهتمام أكبر والأجور أعلى، حتى بات يصعب علينا أن نتحدث عن أعمال مسرحية لافتة للانتباه خلال عام 2014 في بلد كبير بحجم مصر.


خطوات واضحة

مسرحية "الطرواديات" نساء مختلفات جمعهن قاتل واحد


في ما يتعلق بمدى تعبير المسرح عن أصوات المجتمع قال الشاعر والروائي السوري باسم سليمان: “من الممكن التكلم عن اليوتوب، هو المسرح الجديد، هذه المنصة الميديوية أظنها البديل عن المسرح، فإذا كان المسرح هو أبو الفنون، فاليوتوب هو الابن الشرعي الوارث لهذا الفن والأكثر قدرة على الفعل، وهذا ما حدث أثناء ثورات الربيع العربي، ومن الضروري التنبه لقوته وحضوره لدى المتلقي، والاشتغال على فنيات جديدة تجعله الخشبة الجديدة في ظل الممنوعات التي تحاصر الخشبة القديمة”.

أما الروائي السوري عبدالله مكسور فقد تحدّث عن حال المسرح العربي قائلا: “طالما أننا نفتقد الاحترام في الإنتاج والإبداع والإخراج والتسويق، لا أظن أنه سيكون لدينا مسرح حقيقي في وقت قريب، المسرح كان في فترة ما صوت الناس وصورتهم، أما الآن فأعتقد أنه خبا وغاب نوره بسبب فورة الاتصال الموجودة في العالم الذي أصبح قرية صغيرة”.

يستطرد مكسور: “ألسنا نعيش في مسرح كبير ونحن ممثلون فيه، نموت ونحيا ونهرب من القدر لنقع في قدر آخر، أليس القاتل في المسرحية التي نعيشها هو البطل، بينما الضحية هارب مصاب مخذول مقموع، هذه المسرحية التي نعيشها بكل فصولها هي ربما أهمّ مسرحية أنتجها العرب في كل أدبهم”.

أما الشاعر والكاتب السوري عدنان العودة فيختلف مع سابقيه في الرأي، إذ أكّد أن المسرح في عام 2014 نجح في التعبير عن أصوات المجتمع، فهنالك الكثير من العروض التي قدّمت على المسارح العربية، وعكست واقع الحال العربي ومنها: المسرحية السورية “الطرواديات” إخراج عمر أبوسعدة، “خيل تايهة” لعدنان العودة إخراج إيهاب زاهدة، “المرود والمكحلة” لعدنان العودة إخراج عروة العربي، “ريتشارد الثالث” تأليف محفوظ غزال وإخراج التونسي جعفر القاسمي.

16