سبقني وبكى

ليس المطلوب من العاشق أن يكون عاقلا. لم يكن قيس بن الملوح إلا فردا في حشد فشل أفراده في الذهاب بالحب إلى مأواه الأخير كما يقال وهو حتفه.
نجحوا في العشق وأخفقوا في تحويله إلى حالة اجتماعية.
وليس الظلم في العلاقة التي تخطئ وتصيب حدثا استثنائيا. نحن نرى الناجحين وهم قلة ولا نرى الفاشلين وهم الأكثرية التي غالبا ما تلوذ بالصمت وتختفي وراء ستار من الدموع، ولا تفعل ما فعلته أم كلثوم وهي تصرخ “يا ظالمني”.
غالبا ما يصمت الخاسرون في العلاقات الغرامية. وحين يكون البحث عن طرف ثالث كأن يكون عاذلا أو واشيا أو حسودا فإن الخارطة تتسع من غير نفع. فسؤال من نوع “مين قساك عليا” لن يكون نافعا وقد وقع الهجر.
وكان عبدالحليم حافظ في وقت مبكر من حياته قد أطربنا بـ”ظلموه”. وقد لا يكون رد الفعل صادما حين يكون منسجما مع ما جاء على لسان نجاة الصغيرة “احب لوم العواذل لما يلوموني”.
وقد يكون الحب نفسه ظالما “أنا وأنت ظلمنا الحب” ولكن فضل شاكر يوزع الظلم بين الحالات المختلفة التي يمر بها العاشق “ظلموني لما حبوني/ ظلموني لما وعدوني/ نسيوني وظلموني”، ولكن الأمر قد لا يعدو نوعا من الشكوى التي يُراد من خلالها التغطية على الحقيقة كما توضح سميرة توفيق “ضربني وبكى/ سبقني واشتكى”.
ربما يكون فريد الأطرش الحزين بطبعه هو أكثر من عانى من الظلم “من أول يوم يا ظالمني/ خليت النوم يخاصمني/ وحاولت أنساك/ ما نسيت غير قلبي معاك/ وطاوعت هواك/ ورضيت قسمتي وياك” وهنا يكشف الحب عن جانب خفي فيه وهو الرضا بالظلم.
ذلك ما يدفع بالبعض إلى محاولة مقاومة ذلك الظلم لكن تلك المحاولة غالبا ما تنتهي بالفشل كما يوضح العراقي محمد عبدالمحسن “أحاول أنسى حبك والقلب ميريد/ أحاول ابتعد عنك غرامي يزيد/ شلون أنساك/ وروحي وياك/ كلما جربت ميفيد/ كل اليوم المحبة تزيد” هل ينهي النسيان الشعور بالظلم؟
كان هناك مطرب شعبي عراقي اسمه سلمان المنكوب لم يكن يغني إلا عن الظلم في الحب ويبدأ كل أغانيه بعبارة “يا ظالم” تلذذا.
يقال إن الفرقة الحزبية لحزب البعث طلبت منه إحياء إحدى حفلاتها بشرط أن يبدأ حفلته بأغنية عن الحزب. حين وقف على المسرح ارتجل أغنية بدأها بـ”حزب البعث يا ظالم” فقطعت الكهرباء عن القاعة وحُمل المنكوب بعيدا.