"سبع شظايا في زمن واحد".. تراجيديا مركبة للبحث عن الذات

فيلم "سبع شظايا في زمن واحد" يحفل بنوع مميز من السرد والبناء الدرامي، الأمر الذي يتطلب مشاهدته لأكثر من مرة للوصول إلى بلاغة الرموز والإيحاءات.
الاثنين 2018/07/23
رحلة شاقة ومليئة بالمكابدات

يشكّل الزمن محورا مهما في سينما الخيال العلمي عبر تاريخها الممتد لأكثر من قرن من الزمن، فعبور الزمن والغوص في المستقبل أو العودة إلى الماضي شكلان مألوفان في العديد من التجارب السينمائية التي عنيت بهذه الثيمة التي لا تزال تلاقي الترحيب والاهتمام من المشاهدين والمنتجين على حد السواء.

بين الذهاب إلى المستقبل أو الرجوع إلى الماضي لتغيير الأقدار والمصائر أو للقيام بمهمات ثم العودة إلى الحاضر، تنوعت المعالجة الفيلمية لثيمة الزمن في سينما الخيال العلمي، حيث يبقى التحدي الأكبر السيطرة على عنصر الزمن من أجل الوصول إلى الهدف المنشود.

وفي هذا الخصوص قدّمت سينما الخيال العلمي عبر تاريخها العديد من هذه الأمثلة، كفيلم “ماكنة الزمن” (إنتاج 1960)، وسلسلة “كوكب القردة” ابتداءً من العام 1968، وفيلم “زمن بعد آخر” (1979)، وفيلم “مكان ما في الزمن” (1980)، وسلسلة “الفاني” (1984)، وفيلم “العودة إلى المستقبل” (1985)، مرورا بفيلم “مصدر الشفرة” (2011)، و”الحلقي” (2012)، وأفلام “لوسي” و”قضاء وقدر” و”حافة الغد” وثلاثتها أنتجت في العام 2014، وصولا إلى فيلمي “الدكتور سترينج” و”الوصول” وكلاهما أنتجا في العام 2016، وغيرها.

وفي الفيلم الجديد “سبع شظايا في زمن واحد” للمخرج غابريل جوديت ونشيل (إنتاج 2018) سنشهد تلك العلاقة الإشكالية المركبة بين الإنسان والزمن في رحلة شاقة ومليئة بالمكابدات.

أن تتشظى الشخصية في موازاة تشظي الزمن والانتقال عبر مراحله، فتلك هي الثيمة التي انطلق منها المخرج، وهو نفسه كاتب السيناريو، في معالجته الإخراجية وذلك من خلال الشخصية الرئيسية، المحقق الجنائي داريوس لوفو (الممثل إيدواردو باليريني). المحقق لوفو، وهو نفسه دانيال في بعض المشاهد، ليس إلاّ الراحل عبر الزمن، ولكن من خلال شخصيات متشظية، وفي كل مرة سيجد نفسه باحثا عن ذاته.

للوهلة الأولى ومع النصف الأول من الفيلم ستشعر أنك أمام مشاهد الهلوسة وفقدان الذاكرة وسيطرة اللاوعي من خلال شخصية لوفو الذي يسترجع بكثافة صورا من الماضي تتشعب وتعود إلى نقطة واحدة: إنه كائن غير موجود، حيث وقعت جريمة في الماضي على طريق زراعية يوم كان في رحلة هو وصديقته، هل انقلبت بهما السيارة أم أتى شخص وقتله أم أنه هو الذي قتل نفسه؟

أسئلة مشوشة وقاسية تلاحق لوفو بلا هوادة دون أن يجد لها جوابا، وفي كل مرة ينصحه تيمس (الممثل آل سبينزا)، وهو رئيسه في التحري الجنائي، بأن يتناول دواءً لإبعاد الأفكار السلبية والهلوسات.

والملفت للنظر أن تيمس في كل مرة يدعو لوفو إلى الالتحاق بالعمل بسبب جريمة وقعت، ليكتشف أن الضحية ليس إلاّ شبيه له ممّا يزيده اضطرابا، لماذا جميع الضحايا يشبهونه؟

تقع الأحداث في زمن مجهول ومدينة غرائبية وغير معلومة والشخصيات معدودة، أو بعبارة أدق، متكررة. وقد اكتظ الفيلم باستخدامات الجرافيك والمونتاج والألوان وزوايا التصوير، حتى تشعر وأنت تشاهد الفيلم أنه لا توجد لقطة واحدة فيه لم تتم إعادة تركيبها جماليا باستخدام اللون والجرافيك.

وهنا سنشهد فيلما مشغولا بعناية كبيرة وتم توظيف مشاهد الهلوسة والاستذكارات بطريقة متقنة، والمُتابع الذي سيصبر على ذلك الاضطراب والمشاهد المشوشة طيلة أكثر من نصف وقت الفيلم سيكتشف الحقيقة في النصف الثاني.

الخلاصة أن لوفو انضم إلى مشروع تجارب في التشظي الزمني والرحيل عبر الزمن يقوده البروفيسور واكس (الممثل أوستن بيندلتون)، قائلا لدانيال “عندما تسافر عبر الزمن سوف تنقسم إلى سبعة نماذج من نفس شخصيتك”، تلك هي الخلاصة لدانيال وهلوساته.

وخلال ذلك ستبرز من بين الشخصيات السبع المتشظية عبر الزمن شخصية شيراكس أو مدمر العالم، والمفارقة أنه هو النموذج الذي سيلاحق الشخصيات الست الأخرى منه للاقتصاص منها واحدة تلو الأخرى، أو كما يخبر البروفيسور بأنه كالجرثومة التي تفتك بالجسد الذي يحتضنها.

وفي مرافعة البروفيسور واكس وهو يواجه دانيال سنكتشف الفلسفة العميقة للمشروع برمته، وأن شيراكس أو النسخة الأخرى من لوفو ليست إلاّ صورة مجسدة لنموذج الشيطان بحسب المنهج الفرويدي.

وفي فندق بابل يجري البروفيسور تجاربه الأولى لمشروع أومفالوس لعبور الزمن واستخدامه لأغراض شتى، ومنها القتل السياسي كالاقتصاص من الخصوم قبل أن يتمكنوا ويواصلوا صعودهم لنيل شهرتهم.

ولعل هذه الكثافة التعبيرية في صنع ذلك النموذج الفرويدي الافتراضي هي التي قادتنا إلى تلمس طريقنا وسط أحداث تتوالى دون أن يربط فيما بينها رابط منطقي أو زماني، فالتسلسل الزمني للأحداث مرتبط بسرد أكثر ذاتية يتعلق بالشخصيات المتشظية التي ما هي إلاّ تنويعات على شخصيات دانيال أو لوفو أو شيراكس، فالكل يمكن أن يساوي واحدا أو لا يساويه.

وحفل الفيلم بنوع مميز من السرد والبناء الدرامي، الأمر الذي يتطلب ربما مشاهدة الفيلم لأكثر من مرة للوصول إلى بلاغة الرموز والإيحاءات والتنقل مع الشخصيات عبر الزمن.

أما على صعيد البناء المكاني فهناك تعويم للمكان، ولا حدود للأماكن والتنقل فيما بينها، وصولا إلى المكان الافتراضي الذي لا بد من السفر، أو العودة إليه عبر الزمن، أي العودة من المستقبل إلى ما كانت عليه الشخصيات.

16