سباق المركبات النظيفة يتحوّل إلى ابتكار بطاريات أقوى

برز في الفترة الأخيرة تطور محوري محتمل في صناعة السيارات العالمية، وخاصة الصديقة للبيئة، من خلال هجمة جماعية من الشركات لتحسين تقنيات البطاريات لجعلها أكثر قدرة على تحمل كافة الظروف مع الأخذ في عين الاعتبار إمكانية قطع مسافات أطول.
لندن - كشفت شركة تسلا الأميركية الرائدة أن ما يقرب من نصف المركبات التي أنتجتها منذ بداية هذا العام كانت مزودة ببطاريات ليثيوم فوسفات الحديد (أل.أف.بي) وهو منافس أرخص للخلايا القائمة على النيكل والكوبالت.
وهذه المرة الأولى التي تعلن فيها تسلا عن مثل هذه التفاصيل حول تكوين بطارياتها والتي جعلتها تنفرد في صدارة هذا الاتجاه بين المئات من الكيانات حول العالم.
وهذه الشركة ليست وحدها التي تراهن على أن بطاريات أل.أف.بي، المشهورة بالفعل في الصين، يمكنها اختراق الأسواق.
وتدرس أكثر من اثنتي عشرة شركة إنشاء مصانع لبطاريات ومكونات أل.أف.بي في الولايات المتحدة وأوروبا على مدى السنوات الثلاث المقبلة.

مجيب إعجاز: لدى تقنية أل.أف.بي ميزة واضحة وطويلة الأجل
ويعتقد مجيب إعجاز، مؤسس شركة آور نيكست إنيرجي الأميركية الناشئة للبطاريات أن فوسفات الحديد الليثيوم له حياة جديدة. وقال لوكالة رويترز “لديه ميزة واضحة وطويلة الأجل لصناعة السيارات الكهربائية”.
ولقد عمل إعجاز في هذا المجال لفترة طويلة بما يكفي لرؤية التكنولوجيا، التي فشلت في الانتشار في الولايات المتحدة قبل عقد من الزمن تكتسب زخما جديدا.
وكان كبير مسؤولي التكنولوجيا يعمل في السابق بشركة أي 123 ومقرها ميشيغان، وهي منتج مبكر لبطاريات أل.أف.بي التي أفلست في عام 2012 واستحوذت عليها شركة صينية.
واستشهد إعجاز هو وغيره من دعاة أل.أف.بي بالوفرة النسبية وأسعار الحديد الأرخص كعامل رئيسي بدأ يفوق العيوب التي أعاقت اعتماد خلايا أل.أف.بي على مستوى العالم فهي أكبر وأثقل، وتحتوي عموما على طاقة أقل من خلايا النيكل والكوبالت والمنغنيز (أن.سي.أم) مما يعطي لهم نطاقا أقصر.
ومع ذلك، هناك جبل لتسلقه، فقد شكلت كيمياء أل.أف.بي 3 في المئة فقط من بطاريات المركبات الكهربائية في الولايات المتحدة وكندا هذا العام وستة في المئة في الاتحاد الأوروبي، مع احتساب خلايا أن.سي.أم وفق مؤشر معيار الذكاء المعدني الذي تصدره شركة بينمارك مينيرال انتيليزجنس.
هنريك فيسكر: سيكون لكاثودات الحديد مكان رئيسي في مزيج الابتكار
ويبدو السباق أضيق بكثير في الصين، حيث تستحوذ أل.أف.بي على 44 في المئة من سوق السيارات الكهربائية مقابل 56 في المئة من خلايا أن.سي.أم.
وقد يكون طريقا طويلا وصعبا بالنسبة إلى مصنعي الخلايا الغربية أل.أف.بي الذين يسعون إلى الازدهار ضد المنافسين من الصين، والتي تمثل حوالي 90 في المئة من الإنتاج العالمي.
ووفقا لمسؤول البيانات في شركة بي.أم.آي كاسبر روليس فإن مصدر قلق قصير الأمد لمثل هذه الشركات هو الاعتماد المستمر على الموردين الصينيين للمواد المكررة.
وتحتوي خلايا أل.أف.بي على المزيد من الليثيوم مقارنة بمنافسي أن.سي.أم، ويثير خبراء الصناعة مخاوف من أن الميزة التاريخية للبطاريات القائمة على الحديد لكونها أرخص في الإنتاج يمكن أن تتآكل أو تُمحى بسبب ارتفاع تكاليف المعدن.
وتستخدم تسلا خلايا أل.أف.بي في بعض إصدارات طرازها 3 منذ العام الماضي لتوسيع نطاق استخدامها للتكنولوجيا خارج الصين.
وبدأت الشركة منذ حوالي عامين في استخدام بطاريات خلايا أل.أف.بي التي تصنعها شركة أمبريكس تكنولوجي الصينية (كاتل) أكبر صانع للبطاريات الكهربائية في العالم، لبعض الطرازات 3.
ومع ذلك، ونظرا للهيمنة التاريخية للبطاريات القائمة على النيكل والكوبالت في الولايات المتحدة، فإن حجم استخدام تسلا لخلايا أل.أف.بي والتي تم تجهيز نحو 150 ألف مركبة بهذه التقنية فاجأ محللين ومتخصصين في البطاريات.
وتعمل ميترا شيم، التي شارك في تأسيسها مدير سلسلة إمداد بطاريات تسلا السابق فيفاس كومار، على بناء مواد بطاريات خلايا أل.أف.بي، مبدئيا في كاليفورنيا. وقالت إنها تتوقع أن تظل أسعار النيكل متقلبة بسبب اضطرابات سلسلة التوريد.
وأضافت “أفضل بوليصة تأمين تمتلكها شركات صناعة السيارات هي دمج المزيد من كاثودات الحديد في محفظتها”.
وتخطط فيسكر لبدء تشغيل السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة، والتي تخطط لاستخدام بطاريات خلايا أل.أف.بي في سيارات الدفع الرباعي منخفضة المدى، إلى الحصول على خلايا مبدئية من كاتل.
لكن الرئيس التنفيذي للشركة الأميركية هنريك فيسكر قال إنه يجري محادثات مع موردي البطاريات للحصول على كميات يتم تصنيعها في الولايات المتحدة أو كندا أو المكسيك اعتبارا من 2024 أو 2025.
وبحسب الشركة الرائدة منذ سنوات في صناعة البطاريات الحالة الصلبة يعد الاستعانة بالمصادر المحلية أمرا مهما لأن شحن العبوات الثقيلة من آسيا مكلف، خاصة للمركبات منخفضة التكلفة وعالية الحجم.
ومن بين مزاياها، تميل خلايا أل.أف.بي إلى أن تشكل خطر حريق أقل من خلايا أن.سي.أم، ويمكن شحنها بالكامل باستمرار دون أن تفقد قدرا كبيرا من الأداء على مدار عمر البطارية.

ورغم أن الرئيس التنفيذي يقول إنه ليس صديقا للبيئة، لكنه يبدو واثقا من أنه سيكون هناك مكان رئيسي لبطاريات أل.أف.بي في مزيج ابتكار السيارات الكهربائية عالميا.
وتبحث شركات تصنيع السيارات الفاخرة الأخرى أيضا في تطوير البطاريات، بما في ذلك فولكسفاغن وأودي، اللتان لم تستخدما بطاريات أل.أف.بي من قبل.
وقال ماركوس دوسمان الرئيس التنفيذي لشركة أودي في مارس الماضي “قد نرى أل.أف.بي في جزء أكبر من الأسطول على المدى المتوسط”.
ولدى دوسمان قناعة بأن القطاع برمته يتجه إلى وضع جديد وسوف يتم التكيف معه لاختيار تقنيات البطاريات والمواصفات وفقا لذلك.
وقال كبير مسؤولي المشتريات في بي.أم.دبيلو، جوهيم بوست مؤخرا إن الشركة تدرس مزايا أل.أف.بي. وأضاف “نحن نبحث في تقنيات مختلفة لتقليل استخدام الموارد، كما أننا نتطلع إلى تحسين الكيمياء”.

ومع توسع سوق السيارات الكهربائية العالمية، من المتوقع أن تجد هذه التقنيات طريقها إلى المزيد من المركبات الاستهلاكية والتجارية للمبتدئين حيث لا يكون المدى الأطول أمرا بالغ الأهمية.
ومع ذلك فإن العقبات التي تحول دون تبني خلايا أل.أف.بي على نطاق واسع تشمل إيجاد حلول لتحسين كثافة الطاقة وبالتالي تقليل الحجم والوزن والتصدي لارتفاع تكلفة الليثيوم. وفي الوقت نفسه، سيستغرق بناء وزيادة إنتاج أل.أف.بي في الولايات المتحدة وأوروبا وقتا، مما يبرز التحدي الذي يواجه الحكومات الغربية في تقليل الاعتماد على الصين.
وتواجه الشركات الأميركية الناشئة معركة شاقة للتنافس مع كاتل، التي تدعمها الإعانات الحكومية الصينية وتزود تسلا، من بين آخرين، بخلايا أل.أف.بي.
وقال بوب جالين، كبير مسؤولي التكنولوجيا السابق في كاتل الذي يدير الآن شركة استشارات البطاريات، غالين إنيرجي “يجب أن يتم تصنيع كل شيء منضبطا، دون أي أخطاء”.