سامية العطعوط: الكتابات النسوية كانت في معظمها ذاتية وسطحية

الجوائز المادّية في مجال الرواية أسهمت في تدفّق الكتابات الروائية بالوطن العربي، وضاعفت أيضا من عدد قرائها.
الجمعة 2019/03/15
النظرة إلى ما تكتبه المرأة لا تزال محكومة بأفكار بالية (لوحة للفنان صفوان داحول)

تُشكّل الرقابة الخارجية والذاتية قيودا صارمة على قلم أي كاتب، وتشتدّ ضراوة القيد إذا كان المبدع امرأة، فتتضاعف شدّة الرقابة؛ مرة لمُحاكمة النص سياسيا واجتماعيا وأخلاقيا، ومرة أخرى لمحاكمة الكاتبة بتُهمة ذاتية ما تكتبه وتطابقه مع تجربتها الخاصة. “العرب” حاورت القاصة والروائية الأردنية سامية العطعوط حول مجموعتها القصصية الأخيرة، وتأثير الرقابة على نصها الإبداعي.

في مجموعتها القصصية الأخيرة “كأي جثة مباركة” تهتم سامية العطعوط بالواقع المأساوي الرازح تحت وطأة الحروب والإرهاب والقتل المجاني، تشير العطعوط إلى أن هذا الاهتمام موجود لديها منذ أن وعت تفاصيل الحياة التي أدركتها متزامنة مع الحرب والقصف والرعب، وبالتحديد احتلال فلسطين، وخاصة الضفة الغربية عام 1967، حيث وُلدت في مدينة نابلس وعايشت كطفلة، احتلالها بكل وقائعه. وشعرت بحجم المرارة والهزيمة والألم في أعين أبيها وأمها.

الشعر والسرد

وترى العطعوط أن نظرة بانورامية إلى الواقع العربي المأساوي خلال السنوات الأخيرة، لا بدّ وأن تدفع أيّ كاتب أو كاتبة لمقاربة هذه المسائل وخاصة القتل المجاني والتهجير القسري وحتى التهجير الاختياري الذي ينتهي بالشباب غرقى في أعماق بحار لم يطأوا شواطئها من قبل. إن ما يحدث في منطقتنا العربية يتعدّى حدود العقل البشري والإنساني، وهي تشعر بالألم نتيجة لكل هذه المعاناة الإنسانية من حولنا، ولا تستطيع إلا أن تكتبها كي تطهّر روحها وتحاول أن ترفع الإثم عنها.

تقول العطعوط “ربما كان الهاجس العام الذي أكتب من خلاله هو الإنسانية، العذاب الذي يعيشه الكثيرون على وجه الأرض، بسبب جشع الآخر ولا إنسانيته، سواء حين نتحدث عن الاستعمار أو الاستغلال الاقتصادي أو العاطفي أو الجنسوي. ويبدو أن هاجس الحروب والموت قد تملّك مني منذ مجموعتي القصصية الأولى وليس انتهاء بالأخيرة (كأيّ جثّة مباركة). وقد يكون للظروف الشخصية التي عايشتها ومنها الاحتلال وفقد الأب في سن صغيرة وظروف وطننا العربي خلال العقد الماضي، دور كبير في ذلك”.

واقع مأساوي يرزح تحت وطأة الحروب والإرهاب
واقع مأساوي يرزح تحت وطأة الحروب والإرهاب

وبسؤالها عن مدى كتابتها لألمها الخاص أو تجربتها الشخصية مع بعض المعطيات من الواقع، تقول “في بداية تجربتي الكتابية، كنت أُلجِم بعض المشاهد أو المواقف وأخفف من حدّتها. كان لديّ هذا الهاجس، بأنني معرّضة دوما للاتهام بأن ما أكتبه هو سامية ذاتها وتجربتها الخاصة، وبالتالي كانت الرقابة الذاتية على نفسي وعلى ما أكتب بالإضافة إلى الرقيب ذي القلم الأحمر حيث يسيطران على تفكيري وكتابتي إلى حدّ ما، وهذه النظرة موجودة لدى الأغلبية من منطلق أن ما يكتبه الكاتب أو الكاتبة يكشف عمّا عايشه في الواقع، وتتوضّح الإشكالية عندما تكون هذه النظرة الإسقاطية موجّهة إلى كاتبة، بحيث تتم محاكمتها اجتماعيا وسياسيا وأخلاقيا بناء على ما تكتب. أعتقد أنني تجاوزت هذه المسألة في مجموعاتي القصصية وكتبي اللاحقة. أي أنها لم تعد تشغلني كما في السابق، لقد تخطيتّ حاجز الخوف، وأصبحت أكتب بجرأة أكبر وأعبّر عما أريد بحرية أكثر”.

كتبت العطعوط الشِعر ثم توجهت إلى الكتابة القصصية والروائية، وتوضح “أكتب الشعر في حالات خاصة، ولم أغادره تماما، إذ لا بد من مقاطع شعرية تأسرني كتابتها في كل عام، ولكنني أجد نفسي في السرد كتعبير فنيّ. ونعم، اتّخذ بعض الكتاب والكاتبات القصة القصيرة كمرحلة ما قبل الكتابة الروائية، ولكنني أعلم أن كلا منهما يختلف تماما عن الآخر، فكتابة القصة القصيرة حتى الجيدة، ليست بالضرورة أن تنتج في ما بعد رواية مهمة. ومن خلال تجربتي في الكتابة، كتبت ثلاث أو أربع روايات على مدى عشرين عاما، لكنني لم أنشرها، في حين نشرت سبع مجموعات قصصية.

وترى العطعوط أن كتابتها للشعر كانت معينا لها في السرد وخاصة في البدايات، لأنها لفتت أنظار الكتاب والنقاد إلى مجموعاتها بسبب ثراء اللغة والصور الشعرية فيها، وخلال فترة مراهقتها حفظت دواوين شعر كاملة عن ظهر قلب لشعراء الأرض المحتلة: فدوى طوقان وسميح القاسم ومحمود درويش وشعراء المقاومة كأحمد فؤاد نجم، وكانت ترى نفسها كشاعرة لكنها حينما اتجهت إلى السرد لم تطغ اللغة الشعرية على السرد بشكل فجّ. وتقر بأن الكتابة الأدبية الصادقة تنبع من القلب وهي عصارة أحاسيس مكثفة ومدمية أحيانا.

أجنحة الكتابة

ترى العطعوط أن النظرة إلى ما تكتبه المرأة لا تزال محكومة بأفكار بالية حول هيمنة الذاتية على ما تكتب، وهذه الإشكالية من أكثر التحديات التي تواجه المرأة في الكتابة، وتعني بها إسقاط نتاجها الإبداعي على حياتها الشخصية. ومحاولة النبش في سيرتها من أجل وضعها في تماثل مع ما تكتب. وترى أن نتاج الكاتبات وخاصة في العقود الأولى من انخراط المرأة في الكتابة الإبداعية، وخاصة في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، كان سببا في هذه النظرة. إذ كانت الكاتبات (وما زالت كثيرات منهن إلى الآن)، يكتبن من منطلق حياتهن الخاصة والشخصية، كتابات تعبّر عن تجاربهن العاطفية وعن الظروف الاجتماعية القمعية التي يعشنها في ظل التغوّل البطرياركي، دون الالتفات الجادّ إلى القضايا السياسية أو الفلسفية أو المجتمعية.

الهاجس الذي تكتب من خلاله سامية العطعوط هو الإنسانية انطلاقا من المعاناة التي نعيشها
الهاجس الذي تكتب من خلاله سامية العطعوط هو الإنسانية انطلاقا من المعاناة التي نعيشها

وتضيف “بالطبع كان هذا منطقيا جدا بسبب الظروف التي كانت تعيشها المرأة في مجتمعات متخلفة ثقافيا وحضاريا. ومن هنا كانت التجارب السردية والشعرية النسوية في معظمها، ذاتية وسطحية. من ناحية أخرى، فإن بحث القراء والنقّاد عن أسرار حياة الكاتب/ة وأفكارهـ/ا في ما يكتب لا يقتصر على ساحتنا الأدبية فقط، لأن الظاهرة منتشرة في العالم، والكثير من الدراسات الببليوغرافية والنظريات النقدية، تبحث في هذا الموضوع، وتزداد المسألة وضوحا عندما يكون الكاتب امرأة وفي بلد عربي.

وتستطرد قائلة إن هذه المسألة بالتأكيد مؤرقة جدا، ومن الممكن أن تلجم الإبداع عن الانطلاق والتألق، وتجاهلها بحاجة إلى شجاعة باتخاذ القرار “وضع الأولوية للتعبير الفني وتنحية ما عداه”.

تشير العطعوط إلى أن الجوائز العربية المادّية في مجال الرواية أسهمت في تدفّق الكتابات الروائية في الوطن العربي، وضاعفت أيضا من عدد قرائها. ولكن هذا الكمّ من الروايات العربية التي تُطبع في كل عام، لا يتزامن معه نقد عربي مهم لفنّ الرواية وما يتم إنتاجه منها، وبالتالي يختلط الحابل بالنابل، وتُطبع روايات ليس أقل ما يقال فيها ضياع الحبر والورق الذي استهلك في طباعتها، وهذه الظاهرة يجب تحجيمها لصالح فرز الجيد من الضعيف وهذه مهمة النقد والجامعات والدراسات الأكاديمية النقدية.

وفي ما يتعلق بالرقابة، تقول “من أصعب الأمور التي تواجه الكاتب، التخلّص من الرقيب الداخلي، على الرغم من تعدّد الرقباء الخارجيين في هذه الأيام. إذ لم تعد المسألة تتعلق بالرقابة الرسمية للدولة فقط، بل وبالأحزاب الدينية والسياسية، وبالأفراد وبالرقابة من خارج حدود الإبداع. ولكن يبقى الرقيب الداخلي هو الأصعب، لأنه يقصّ أجنحة الكتابة قبل نمّوها ويدفع بالنصّ إلى التحليق نحو فضاءات لا يتجدّد فيها الإبداع ولا تمنحه روحا وثّابة.

ونذكر أن سامية العطعوط، قاصة وروائية أردنية من فلسطين، صدر لها عدد من الأعمال القصصية مثل “طقوس أنثى”، “بيكاسو كافيه”، “قارع الأجراس”. وفي الرواية صدر لها “عالميدان رايح جاي”، نالت عددا من الجوائز مثل جائزة ناجي النعمان الإبداعية عن الأعمال الكاملة، كما وصلت مجموعتها القصصية الأخيرة “كأي جثة مباركة” إلى القائمة الطويلة لجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية.

15