ساعة طرب

لا يزال العندليب الراحل عبدالحليم حافظ يثير اهتمام نسبة مهمة من الجمهور العربي الباحث عن الرومانسية العاطفية، أو عن الحماس الوطني والقومي، أو المندفع بحنين الذكريات إلى مرحلة مهمة من تاريخ الغناء العربي والثقافة العربية، كان فيها للحناجر المنطلقة بقوة الأداء الغنائي دور مهم في تربية الذوق وتغذية الوجدان وإذكاء روح الانتماء وتقريب المسافات بين أبناء الأمة الواحدة من المحيط إلى الخليج .
ولد حليم في 20 يونيو 1929، وعاش 47 عاما كانت كافية ليملأ فيها الدنيا ويشغل الناس إلى أن كانت فاجعة رحيله عن الحياة في 30 مارس 1977. خلال هذا العام مرت 47 سنة على تلك الذكرى الحزينة، لكن صوته المدهش بقدراته التعبيرية الفائقة لا يزال قادرا عل احتلال مكانة رائدة في دنيا الغناء العربي، ولا تزال لديه مساحة واسعة لجذب انتباه الملايين من الباحثين عن الجمال والشجن وتدفق المشاعر وسحر المعاني، ومن الراغبين في الامتلاء بروح الموسيقى الرائعة .
في العام 1943 التحق حليم بمعهد الموسيقى العربية قسم التلحين، وهناك التقى بالفنان كمال الطويل، واكتشفه الإذاعي حافظ عبدالوهاب الذي سمح له باستخدام اسمه “حافظ” بدلا من لقبه الأصلي شبانة .
في العام 1952 قدم أغنية "صافيني مرة" كلمات سمير محجوب وألحان محمد الموجي لكن الجمهور رفضها لأول وهلة، ثم أعاد غناءها في يونيو 1953 بمناسبة يوم إعلان الجمهورية، وحظيت بنجاح شعبي كبير، ليقدم بعد ذلك، وتحديدا في يوليو 1954 أغنية "على قد الشوق" كلمات محمد علي أحمد وألحان كمال الطويل، فحقق من خلالها قبولا واسعا لدى الجماهير المصرية والعربية .
قضى حليم 26 عاما متربعا على عرش الغناء في مصر والوطن العربي منذ أن بدأ مشواره العام 1952، وقدم 120 أغنية عاطفية و56 أغنية وطنية و16 فيلما، وكانت أغنية "قارئة الفنجان" أكثر الأغاني مبيعا في الأغاني العاطفية من بين العدد الجملي لمبيعات أغانيه الذي قدّر بـ80 مليون أسطوانة .
شكّل حليم ظاهرة فنية غير مسبوقة، وكان بالمقابل مؤسسة إبداعية وثقافية متكاملة الأركان، وخاصة من خلال الذكاء الاجتماعي والثراء المعرفي وامتلاك ناصية الغناء كرسالة ثقافية وحضارية ذات أبعاد وأهداف إنسانية ووطنية وقيمية متصلة بعملية تأثيرها المباشر على عقول الملايين من البشر وقلوبهم داخل مصر وفي المنطقة العربية ككل .
من نقاط قوة حليم أنه كان ملتصقا بدقائق الأحداث السياسية والاجتماعية، وكانت له قدرة فائقة على توثيقها عبر أغانيه المتميزة التي اجتمع فيها بالخصوص مع الشاعر صلاح جاهين والملحن كمال الطويل، والتي لا تزال إلى اليوم تمثل ترجمانا فنيا لمرحلة مهمة من تاريخ مصر والمنطقة .
في ذكرى ولادة حليم كما في ذكرى رحيله، لا يسع المرء إلا أن يعيش معه ساعة طرب احتراما لروحه وتقديرا لتراثه العظيم.