ساعة رومانسية
ساعة بقرب الحبيب أحلى أمل في الحياة، ينسى الفؤاد النحيب ويشكو حبه وهواه، ساعة بقرب الحبيب.
لم يكن يعلم المؤلف يوسف بدروس والملحن والمطرب المتميز فريد الأطرش حين طارت أغنيتهما “ساعة بقرب الحبيب” عام 1945 إلى آذان الجماهير أنها قد تصبح يوما تراثا إنسانيا تقتاته نساء وفتيات يبحثن بلهث عن رومانسية موئدة في حياة أشبه بلوح ثلج على حد تعبيرهن بعد أن فقد بعض الرجال لغة الرومانسية وأصبحت كلمات الحب والغزل شحيحة، في زمن تشكو النساء من شح عواطف الرجال.
الكثير من النساء لا حديث لهن إلا عن الرومانسية المفقودة والمشاعر القتيلة باختلاف أعمارهن وثقافاتهن، ولكن ما هي الرومانسية التي يردنها. هل هي رومانسية الأفلام وكلمات العشق المنثورة في الأغاني، أم أنها رومانسية المواقف والحب العملي المشفوع بأدلته؟
أعلم أن الرومانسية لا تشيخ والحب بعد الزواج لا ينضب ولكنه ينضج، تتحول بوصلته إلى اهتمامات أخرى غير كلمات العشق والهيام، فالمرأة تعشق بأذنيها، تسعدها كلمات الحب، والهدايا على بساطتها فهي دليل الاهتمام، وقد تسعدها وردة حمراء تغتسل بالندى أكثر من هدية ثمينة لا تشبع أنوثتها، أو فستانا باهظ الثمن يرقد في خزانة ملابسها لا يبرحها إلا في مناسبات قليلة.
المرأة تريد من يجعلها يعسوب (ملكة النحل) جميلة متوجة على عرش قلبه، يبثها شوقه الملتاع ويسمعها الغزل الحنون، يحتضن قلبها، ويربت على كتفيها، فلولا المرأة ما كان الحب.
ولكن الرجل بعد الزواج أو بعد فترة من الاعتياد على الحب يعبر بطريقة أخرى فقد يهتم لأمرها ويرعاها حين تمرض، يتحمل عنها بعضا من مسؤوليتها أو ينهي بعض الأعمال المنزلية وهذا نوع من الحب والرومانسية يفوق كل الكلام.
الرجل يعبر بطريقة تناسب عمليته وواقعيته، أما المرأة فهي الحارس الأمين على خزائن الحب والرومانسية ستظل تنتظر محمد فوزي يأتي بعكاز خشب يقف أسفل شرفتها ويغني “شحات الغرام”، أو عبدالحليم حافظ يبحر بقاربه في النيل، أو يمشي على شريط المترو يستجدي نظرة حب ورضا من محبوبته في فيلم “الوسادة الخالية”، وكلمات أحبك إلى الأبد والتعبير اللفظي وحده.
أتحاور كثيرا مع نساء من مختلف الأعمار عن العشق والرومانسية فأجدهن كلهن في الحب سواء يردن المشاعر الدافئة تهدهد قلوبهن وتحنو على آذانهن من فتنة الآخر. لا تسمع منهن إلا التنهيدة الحارقة، متشوقات للمشاعر، يلخصن حياتهن في عبارة “نفسي أحب وأتحب لآخر العمر”.
قالت لي امرأة أربعينية: أريد الحب من زوجي بطريقتي ووفق ظروفي لا بطريقته ووفق ظروفه، أن يشبع مشاعري بالعشق حتى لا يتركني فريسة لكلمة غزل عابرة ترضي أنوثتي أو تثني على تسريحة شعري المنسدل من أجله وفستاني الملون بلونه المفضل. فثمة طرفا معادلة يحاولان التلاقي وتحقيق البرهان الصحيح.
في رأيي.. العشق يحتاج للتجدد والتعبير، وليس هناك أفضل من الكلمات، فاللغة هي أداة تواصلنا الأسمى “ففي البدء كان الكلام”، لا أدعو النساء إلى نسيان الرومانسية وإهمالها ومجاراة الرجل في تعبيره الواقعي بالمواقف وأدواته التي يراها الأمثل، بل عليهن البحث المستمر عن التجدد واعتصار مشاعر الحبيب لعلها تخرج أفضل ما فيه.
ولكن اختيار أوقات الحب والرومانسية ضرورة ملحة، فنجعلها عادة يومية مع مراعاة ظروف الآخر ومزاجه ومعنوياته وهمومه ودرجة تقبله وساعات الغضب والرضا.
يحضرني مشهد للراحل خالد صالح في فيلم أحلى الأوقات وهو يقول لزوجته هند صبري “نصف كيلو كفتة أحسن يا يسرية”، تعليقا على مقولتها “عايزة وردة يا إبراهيم”.