ساسة العراق والفصائل الولائية تحاول خلط الأوراق بعد رسالة السيستاني

بغداد – تكشف مواقف القوى السياسية بعض الفصائل المسلحة الموالية لإيران من البيان التحذيري الذي أصدره مرجع الشيعي الأعلى في البلاد علي السيستاني من انفلات السلاح وحصره بيد الدولة والتدخل الخارجي وسوء إدارة الدولة عن محاولات لخلط الأوراق، رغم أنه كان واضحا في تحديد السلبيات الكثيرة والخطيرة.
وبعد انقطاع طويل للمرجعية العليا في النجف عن التعليق السياسي، أصدر السيستاني بيانا الاثنين إثر استقباله ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثتها في العراق (يونامي) محمد الحسان والوفد المرافق معه، دعا فيه العراقيين إلى "أخذ العِبر من التجارب التي مرّوا بها ويبذلوا قصارى جهدهم في تجاوز إخفاقاتها ويعملوا بجدّ في سبيل تحقيق مستقبل أفضل لبلدهم ينعم فيه الجميع بالأمن والاستقرار والرقي والازدهار".
كما أشار البيان، إلى أن "ذلك لا يتسنى من دون إعداد خطط علمية وعملية لإدارة البلد اعتمادا على مبدأ الكفاءة والنزاهة في تسنّم مواقع المسؤولية، ومنع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها، وتحكيم سلطة القانون، وحصر السلاح بيد الدولة، ومكافحة الفساد على جميع المستويات"، مردفا "لكن يبدو أن مسارا طويلا أمام العراقيين الى أن يصلوا إلى تحقيق ذلك ".
ورغم أن كلام المرجعية العليا كان واضحا وغير ملتبس، حيث دعا العراقيين بدون استثناء إلى الاهتمام بخدمة بلدهم وتجنب إدخاله في أتون الحرب، وذلك بتشديده على حصر السلاح بيد الدولة، إلا أن أحد الفصائل الولائية اعتبرت أن الأمر لا يشمل سلاح المقاومة، ما يشير إلى أنه فوجئ ببيان السيستاني إذ كان ينتظر منه فتوى الجهاد الكفائي مثلما حدث ذلك في 2014 ضد داعش.
وأفادت كتائب سيد الشهداء وهي من الفصائل المدعومة من إيران اليوم الثلاثاء ان دعوة المرجعية العليا بشأن حصر السلاح بيد الدولة لا يشمل سلاح فصائل المقاومة.
وقال القيادي في الكتائب عباس الزيدي في تصريح لوكالة "شفق نيوز" الكردي العراقي إن "بيان المرجعية جاء في سياق رعايته للعملية السياسية وحرصه على العراق والعدل والسلام في المنطقة والعالم، منذ انطلاق العملية السياسية في العراق ولولا المرجعية لم تكن هناك أي عملية سياسية ولم تكن هناك انتخابات والتصويت على الدستور، كل تلك القضايا أسست لها المرجعية واستجابت لها ملايين المواطنين لتلبية نداء المرجعية، بعد ما أصر الاحتلال الأميركي على الوصاية على العراق".
وأضاف الزيدي أن "المقاومة هي شرعية وفق السنن الإلهية والسنن الوضعية، وهناك نصوص في الأمم المتحدة تسمح بالمقاومة في أي بلد محتل، والمرجعية لم ولن تقصد فصائل المقاومة بقضية دعواتها بشأن حصر السلاح بيد الدولة، فشرعية هذه الفصائل هي من المرجعية وكانت أولى عملياتنا ضد الاحتلال عبر طريق فتوى شرعية والمرجعية هي من أجازت لنا مقاومة الاحتلال".
وأكد ان "الاحتلال سواء الأميركي أو الإسرائيلي لا يفهم إلا بمنطق القوة ولهذا الجهاد واجب والجهاد فرض عيني وليس كفائي على كل مسلم وكل مواطن، ونحن وفق مبدأ وحدة الساحات مستمرون في تقديم الدعم والمساندة الى غزة ولبنان".
ويرى مراقبون أن تبريرات هذا الفصيل المسلح تعكس ولاؤه لإيران أكثر من ولائه لبلاده ومرجعيته العليا، فأغلب الميليشيات تدور في فلك إيران وتأتمر بأوامرها، وهو ما يبرز ذلك في تصعيدها المستمر على إسرائيل التي تتوقع ضربة وشيكة من إيران ردا على هجومها في الأول من أكتوبر.
وأعلنت المقاومة الإسلامية في العراق، اليوم الثلاثاء، أنها شنت ستة هجمات بالطيران المسير طالت أهدافا عسكرية إسرائيلية.
وقالت في سلسلة بيانات متفرقة، إنه "استمرارا بنهج مقاومة الاحتلال الصهيوني ونصرة لأهلنا في فلسطين ولبنان، وردا على المجازر التي يرتكبها الكيان الغاصب بحق المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ، هاجمت المقاومة الإسلامية في العراق اليوم (الثلاثاء) أهدافا حيويا عسكرية بالطيران المسير شملت استهدف ميناء حيفا ثلاث مرات وشمالي الأراضي المحتلة بهجومين، وآخر جنوبي الأراضي المحتلة ".
وجددت المقاومة الإسلامية في بياناتها "الاستمرار بعمليات دك معاقل الأعداء بوتيرة متصاعدة".
ويأتي هذا التصعيد رغم دعوة التهدئة التي وجهها السيستاني بعد تحذيرات إسرائيلية من توجيه ضربات إلى العراق إذا استمرت ميليشيات تدعمها إيران في مهاجمة إسرائيل، وفي ظل معلومات استخبارية إسرائيلية تفيد بأن الرد الذي تلوّح به إيران قد يأتي من العراق نظرا إلى محدودية مديات الصواريخ التي تمتلكها طهران في حال أرسلت من الأراضي الإيرانية.
ويرى مراقبون أن بيان المرجع الشيعي الأعلى، بعد مدة طويلة من عدم التدخل في الشأن السياسي، يدل على أن ما دفعه إليه وضع خطير ومهم يستدعي تدخله الملح في ظل ظرف دولي وإقليمي حساس، يمكن أن تكون له تداعياته الواضحة على العراق، مما يتطلب حذر وحكمة صانع القرار العراقي.
وتشكل مضامين البيان خارطة طريق لوصول الدولة العراقية إلى بر الأمان، وتحمل دعما واضحا لوجهة نظر الحكومة في بغداد في سياستها الخارجية القائمة على النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية والدولية، وإبعاد العراق عن أن يكون ساحة لتصفية الحسابات الدولية.
وقد أشاد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، اليوم الثلاثاء، لدى استقباله الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة محمد الحسان، بأهمية ما طرحه المرجع الأعلى للشيعة في العراق من تشخيص لاحتياجات البلاد والرؤى الواقعية لتطلعات الشعب العراقي، التي أوجزتها الحكومة في أولويات برنامجها العامل والجاري تنفيذه. وفق بيان صدر عن مكتبه.
وتمضي الحكومة العراقية الحالية في تنفيذ ما دعت إليه المرجعية وهو ضمن برنامجها ومنهاجها الوزاري، وقد عملت على تنفيذ ذلك وحققت نجاحات كبيرة في ملف محاربة الفساد وحصر السلاح وغيرها، لكن في بعض الأحيان تصطدم بمعرقلات بسبب بعض الكتل والأحزاب السياسية المشكلة للحكومة.
وما جاء في بيان المرجعية هو جزء من المنهاج الحكومي، ويحمل دعما وتأييدا وكذلك تشجيع من قبل المرجعية لحكومة السوداني لإكمال تنفيذ برنامجها بعيدا عن أي ضغوطات أو تهديدات سياسية من أي طرف كان، وهو ما ستعمل عليه الحكومة خلال المرحلة المقبلة.
وبدت بيانات التأييد التي صدرت من القوى السياسية، محاولة لخلط الأوراق على الشارع العراقي، بعد أن كشف بيان السيستاني عن خطورة الوضع في العراق على المستوى الداخلي وكذلك الإقليمي، وأكد وجود عجز في مواجهة تلك التحديات، وهو ما تتحمله القوى السياسية المعرقلة لجهود حكومة السوداني.
ويرى مراقبون أن إعلان بعض القوى السياسية تأييدها لبيان المرجعية، هو محاولة للهروب من المسؤولية رغم أنها هي المعنية بالدرجة الأساس بكل ما جاء فيه من نقاط مهمة، لافتين إلى أن البيان ستكون له تبعات سياسية وشعبية على القوى السياسية، خاصة على المستوى الانتخابي، وسوف يقلل من حظوظ قوى السلطة حاليا.
ويعتقد أنه بعد الكشف عن فشل القوى السياسية واخفاقهم، من غير المستبعد أن تكون مواقف المرجعية أكثر حدة خلال المرحلة المقبلة لخطورة الأوضاع على مختلف الصعد.
وما إن صدر بيان السيستاني حتى أصدرت أغلب القوى السياسية بيانات تأييد لما ورد فيه، وأولها الإطار التنسيقي، حيث أعرب عن الترحيب بالبيان والالتزام الكامل بترجمة توجيهاته إلى "خطوات عملية تعكس تطلعات شعبنا".
كما دعا ائتلاف النصر بقيادة حيدر العبادي، في بيانه إلى "اعتماد توجيهات السيستاني كوثيقة مبادئ ينتظم من خلالها عمل وأداء القوى السياسية". ومن ثم أعرب تحالف العزم برئاسة مثنى السامرائي عن دعمه الكامل لما صدر عن السيستاني حول إدارة البلد بمبادئ الكفاءة والنزاهة وتحكيم سلطة القانون.
وأصدرت كتلة تيار الفراتين النيابية التي يتزعمها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بيانا أشارت فيه إلى أن اللقاء الذي جمع السيستاني بممثل الأمين العام للأمم المتحدة يعكس حرص المرجع الأعلى على تعزيز دور الأمم المتحدة في دعم العراق واستقراره.
ومن جانبه أعلن حزب الدعوة الإسلامية التزامه الكامل بالتوجيهات التي وردت في بيان مكتب السيستاني وعدها "خارطة طريق واضحة ومرشدة لبناء دولة المؤسسات وفق معايير الكفاءة والنزاهة".
كما أصدر رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم، بيانا أكد فيه أن رؤية السيستاني تمثل "خارطة طريق شاملة تعكس رؤية المرجعية الأبوية لمصلحة العراق وشعبه".
وآخرها كان تحالف السيادة، حيث وجد في بيان السيستاني "وصفة لتحقيق قيم الاستقرار والعدالة والتوازن التي تصب حتما في صالح الشعب ومؤسسات الدولة والنظام السياسي".