ساري يجتاز امتحان الدوري ليسقط في الاختبار الأصعب

دفع المدرب ماوريسيو ساري ثمن خروج يوفنتوس من الدور ثمن النهائي لدوري أبطال أوروبا، وذلك بعدما قررت إدارة بطل الدوري الإيطالي في المواسم التسعة الماضية إعفاءه من مهمته بحسب ما أعلنت السبت، في مشهد يذكّر بما حصل لمواطنه ماسيميليانو أليغري الموسم الماضي عندما غادر “السيدة العجوز” المسابقة القارية أيضا.
روما – أعلن يوفنتوس السبت إقالة مدربه ماوريسيو ساري، عقب وداع الفريق لدوري أبطال أوروبا، على يد ليون الفرنسي.
وقال عملاق تورينو في بيان “يعلن نادي يوفنتوس إعفاء ماوريتسيو ساري من منصبه كمدرب للفريق الأول. يود النادي أن يشكر المدرب على كتابته صفحة جديدة في تاريخ يوفنتوس بفوزه ببطولة الدوري للمرة التاسعة على التوالي، في تتويج لرحلة شخصية قادته الى تسلق جميع درجات كرة القدم الإيطالية”.
وحقّق يوفنتوس لقب الدوري الإيطالي للمرة التاسعة على التوالي، وذلك في دلالة واضحة وتأكيد دائم على السيطرة الواضحة التي يحكمها على الكالتشيو رغم عودة بعض الفرق العريقة لمقارعة نادي “السيدة العجوز” على اللقب، على غرار إنتر وميلان وأتالانتا مفاجأة أوروبا هذا الموسم بدوري الأبطال.
لكن الفريق الإيطالي العريق كان يتطلع إلى حسم المعركة الأهم وهي لقب دوري أبطال أوروبا الذي تمنع كثيرا وظل بمثابة حلم يطارده منذ سنوات. لكنه فشل في أول الطريق ليغادر المسابقة على يد أولمبيك ليون الفرنسي رغم الانتصار 2-1.
وقبل لقاء الجمعة شكك محللون رياضيون في قدرة بطل إيطاليا بقيادة ماوريسيو ساري على تحقيق نتيجة مشرفة أوروبيا لا بل إن العديد منهم توقع أن يعود الفريق خائبا ويكتفي بلقب وحيد مثل بقية المواسم الماضية، وهو ما حصل فعلا أمام أولمبيك ليون الذي تمكن من تسجيل هدف ليزيح فريق “السيدة العجوز” رغم تسجيل نجمه كريستيانو رونالدو ثنائية.
وتساءل أغلب متابعي يوفنتوس عن حظوظ فريقهم الذي ثبت نفسه هذا الموسم بطلا لتاسع مرة على التوالي ليتجاوز بيارن ميونخ وليفربول وريال مدريد، وهي الفرق الكبرى المتوجة هذا الموسم بألقاب الدوريات الأوروبية، لكنه عجز عن فرض سيطرته في المسابقة الأبرز التي ظل يحلم بلقبها طوال سنوات.
ساري يعي جيدا أن تتويج يوفنتوس بطلا للدوري الإيطالي لن يخفف عنه مأساة دوري الأبطال في حال الخروج مبكرا وهو ما حصل فعلا
ويلفت متابعون إلى أنه لولا توفر مجموعة من العوامل لما أمكن ليوفنتوس تحقيق لقب الدوري في الموسم الأول لمدربه ساري الذي يرون أنه لم يرق فيه دائما إلى الأداء المتوقع لكنه استند إلى عوامل عدة أبرزها الموهبة الفردية للاعبيه.
وشكل تأقلم الهولندي ماتيس دي ليخت، وتطور الأرورغوياني رودريغو بنتانكور، وتألُق الأرجنتيني باولو ديبالا وأهداف النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، العوامل البارزة التي أسهمت في مواصلة البيانكونيري هيمنته على “سيري أ”.
وبعد خمسة مواسم أشرف فيها ماسيميليانو أليغري على فريق “السيدة العجوز” حان الوقت لحقبة جديدة مع ساري الذي توقع كثيرون أن يضيف إلى الألقاب والانتصارات، جمالية في الأداء، نظرا لكرة القدم التي قدمها مع نابولي بين 2015 و2018.
وتحقق الجزء الأول بقيادته الفريق إلى اللقب الأهم محليا، لكنه لم يضف إلى الأداء حيث لم يلمع بريق “اليوفي” على أرض الملعب لا بل تراجع أحيانا.
وعلق فابيو كابيلو، الذي أشرف على تدريب نادي مدينة تورينو بين العامين 2004 و2006 وقاده إلى لقبين في الدوري تم إبطالهما في أعقاب فضيحة التلاعب بنتائج المباريات عام 2006، على مسيرة ساري مع يوفنتوس هذا الموسم في تصريح لصحيفة “كورييري ديلو سبورت” الأسبوع الماضي قال فيه “مما لا شك فيه أن اليوفي هو من غيّر ساري وليس العكس. كان يرغب في (ضم) لاعبين يتأقلمون مع أسلوبه في كرة القدم ولم يجدهم”.
وأضاف المدرب القيدوم “تحتّم عليه التفكير في أسلوب يسمح بإظهار ميزات اللاعبين. هذا هو عمل المدربين”.
اختبار قاس
قبل لقاء يوفنتوس وليون الجمعة رأى محللون رياضيون ومتابعون للدوري الإيطالي أنه لا يمكن الحكم على الموسم الأول لساري إلا بالنظر لما سيحققه بدوري أبطال أوروبا التي انطلقت منافسات إياب ثمن النهائي هذا الأسبوع وتتواصل على مدى الشهر الجاري.
وأقر هؤلاء أنه في حال خروج الفريق أمام ليون (خسر 0-1 في فرنسا في ذهاب ثمن النهائي)، فسيكون المدرب الذي وصل من تشيلسي الإنجليزي صيف العام الماضي، في موقف لا يحسد عليه. وهو ما حصل بالفعل، حيث شكل لقاء ليون اختبارا قاسيا للمدير الفني ليجد نفسه خارج أسوار العملاق الإيطالي.
وربما تبادرت إلى أذهان البعض هذه الأيام مقولة أن “الجمال يبقى في عين ناظره” بعد تعزيز يوفنتوس رقمه القياسي محليا، رغم أن هذا الإنجاز قوبل باحتفالات فاترة من قبل الجماهير خارج ملعب “أليانز” في تورينو.
وجرى حظر التجمعات الجماهيرية منذ حالة الإغلاق الكلي التي عاشتها إيطاليا في مارس الماضي بفعل جائحة كورونا، لكن يبدو أن هناك أسبابا أخرى وراء رد الفعل الخافت للفوز على سامبدوريا 2-0 وهو الفوز الذي منح يوفنتوس اللقب المحلي قبل جولتين من نهاية الموسم.
وذهب البعض إلى تفسير ذلك بأنه ربما يعود إلى تشبع الجماهير بالبطولات بعد تسعة أعوام متتالية من التتويجات، لكن بعض الجماهير أرجعت السبب في ذلك إلى الأداء الباهت الذي يقدمه الفريق تحت قيادة ساري.
وفشل يوفنتوس تحت قيادة ساري في إحراز لقب كأس السوبر المحلي بعد خسارته أمام لاتسيو بثلاثة أهداف لهدف كما خسر نهائي كأس إيطاليا بركلات الجزاء على يد نابولي الشهر الماضي، وها هو يغادر المسابقة الأبرز منذ البداية.
كل هذه العوامل مجتمعة تجعل الجماهير الإيطالية غير راضية على المستوى الذي لاح به الفريق هذا الموسم، رغم أنه يعتبر موسما استثنائيا قياسا بما عانته الكرة الإيطالية من توقف طويل بسبب أزمة كورونا. وقال ساري بعد حسم لقب الدوري الشهر الماضي “الفوز صعب، وهذا الفريق يفوز على مدار أعوام عدة، وبالتالي تصبح الأمور أكثر صعوبة في كل عام، كان عاما مرهقا، موسم طويل للغاية”. وأضاف “كريستيانو رونالدو بتسجيله 31 هدفا، وباولو ديبالا نجمان من طراز عالمي، يصنعان الفارق ويؤثران بشكل كبير على روح الفريق”.
لكن رغم التتويج، فإن يوفنتوس عانى مؤخرا في الدوري المحلي حيث خسر مرتين وتعادل مرتين في آخر 6 مرات مما أرجأ عملية حسم اللقب.
الخسارة 2 ـ 4 أمام ميلان بعد التقدم بهدفين كان من الصعب تجاوزها خاصة وأن الفريق استقبلت شباكه 38 هدفا، أي ثمانية أهداف أكثر مما استقبلها الفريق في الموسم الماضي وبزيادة قدرها 18 هدفا عن أفضل انطلاقة حققها الفريق خلال مسيرته القياسية في ما يتعلق بالشق الدفاعي.
وتزايد هوس المتشائمين وقوي شعورهم بالقلق أكثر من لقاء يوفنتوس أمام ليون بعد أن خسر البطل الإيطالي بهدف دون رد في مباراة الذهاب، مما يصعب من مهمة حصد اللقب القاري للمرة الأولى منذ سنوات طويلة.
الأكيد أن هذا الشعور تقف وراءه حقيقة مفادها أن بطل الدوري الإيطالي لم يكن مقنعا يوما تحت قيادة ساري ومر بالعديد من الفترات الصعبة التي لم يقدر المدرب على معالجتها.
طريق شاق
يشير البعض إلى أن الطريق الذي سار به يوفنتوس لم يكن ممهدا حيث تخللته مواقف أحرجت ساري وكادت ارتداداتها أن تدفع به إلى طور جديد من مستقبله مع “السيدة العجوز”.
وقد يقتنع أي لاعب على أرض الملعب أن ساري صاحب الرأي الأول والأخير في القرارات الفنية باستثناء رونالدو الذي غضب بوضوح من قرار تغييره أمام لوكوموتيف موسكو في دوري أبطال أوروبا هذا الموسم.
واعتبر كثيرون الموقف مجرد لقطة عابرة لا تعبّر عما بداخل “صاروخ ماديرا” لكن الأمر تكرر في مباراة ميلان بالدور الأول من الدوري، عندما قرر ساري تبديل رونالدو في الدقائق الأولى من الشوط الثاني، فجاء الرد سريعا من رونالدو الذي تجاهل المدرب وخرج صوب غرف الملابس مباشرة.
وكشفت الصحف الإيطالية ما هو أكبر من ذلك، إذ أكدت أن اللاعب البرتغالي عاد إلى منزله أثناء الشوط الثاني من المباراة بسبب غضبه من قرار ساري.
ولمع اسم ساري في الدوري الإيطالي مع فريق نابولي، لذلك كان قرار قبوله لمقعد المدير الفني في يوفنتوس بمثابة خيانة عند محبي “البارتينوبي”. ونجا المدرب الإيطالي من عقاب نابولي في موقعة الدور الأول التي انتهت بفوز مثير 4-3، إلا أنه اكتوى بنار الخيانة في “سان باولو”، بعد أن هزمه جينارو غاتوزو في الدور الثاني.
وصرح ساري بشكل عاطفي عقب الخسارة “إذا كان يجب أن نخسر هذا الموسم، أفضل أن تكون الهزيمة ضد نابولي لمساعدته على الخروج من مشاكله الحالية”. ويتمتع نادي يوفنتوس بهيبة كبيرة في كرة القدم الإيطالية، خاصة في مواجهاته في السنوات الأخيرة ضد ميلان تحديدا، إلا أنه بعد التوقف الطويل نسبيا بسبب فايروس كورونا، جاءت عودته مغايرة، وتأثر بشكل ملحوظ.
وبعد أن كانت مواجهات يوفنتوس وميلان تلعب من طرف واحد تقريبا، بدا الأمر مختلفا في المواجهة الأخيرة للفريقين بالدوري، وأقدم ميلان على تحقيق أمر نادر غير معتاد في الكالتشيو، وهو قلب الطاولة على البيانكونيري رغم تفوقه في البداية بهدفين نظيفين.
وأفقدت ريمونتادا ميلان هيبة يوفنتوس قليلا، ليتخلص ستيفانو بيولي من عقدته بعد دك حصون “السيدة العجوز” برباعية مذلة.
عوامل قوة
خلافا لبعض الآراء التي ترى في لقب دوري الأبطال منقذا للمدرب ساري ولفريق يوفنتوس من غضب الجماهير أو حتى من انتقادات الصحف، وهو ما لم يحصل فعليا، فإن هناك بعض الأمور التي يمكن الاعتراف بأهميتها في تشكيلة بطل إيطاليا هذا الموسم ولولاها لما حقق اليوفي تسيّده على عرش الكرة الإيطالية.
وأول هذه الأمور ما يتعلق بوضعية المدافع الهولندي ماتياس دي ليخت الذي بشّر قدومه ليوفتوس بإضافة واعدة، لكن بدايته ظلت متذبذبة لتسرّع إصابة المخضرم جورجيو كييليني في الاعتماد عليه أساسيا.
ورفع المدافع الصلب أداءه تدريجيا، حيث أظهر لياقة بدنية عالية وسرعة وثقة في النفس ونجح في حماية منطقته، وكان أفضل مدافعي الفريق بعد استئناف الموسم إثر توقف قسري بسبب فايروس كورونا المستجد. وفي سن العشرين وفي موسم واحد فقط في “سيري أ”، أثبت أنه موهبة يمكن أن يعوّل عليها للمستقبل وأنه يستحق مبلغ 70 مليون يورو الذي دفعه يوفنتوس للحصول على خدماته.
لاعب آخر يعطي المثال على حيوية يوفنتوس ومكانته كبطل بلا منازع هو الأرجنتيني باولو ديبالا الذي كان رحيله عن النادي مرجحا الصيف الماضي. لكن بعد موسم صعب تحت إشراف أليغري، ذكّر ديبالا الجميع بأنه أحد أفضل المهاجمين في العالم.
وأظهر ديبالا أنه صاحب موهبة مميزة تسمح له بخلق المساحات لنفسه ومراوغة اللاعبين، إضافة إلى تسجيل أهداف رائعة بقدمه اليسرى الفتاكة.
ومع 17 هدفا و10 تمريرات حاسمة في مختلف المسابقات، أدى دورا كبيرا في نجاح النادي الشمالي.
وعلى رغم معاناة ابن الـ26 عاما من كوفيد – 19 خلال شهر مارس الماضي، إلا أن ذلك لم يؤثر على موهبته مع استئناف المنافسات.
ويبقى أهم عنصر في الفريق بلا منازع ممثلا في البرتغالي كريستيانو رونالدو الذي يبلغ من العمر 35 عاما وبدأ البعض يترقب موعد رحيله عن الملاعب الأوروبية أو حتى اعتزال كرة القدم ككل لكن رونالدو غالبا ما يترك أرقامه تتحدث عنه: 31 هدفا في الدوري و35 في 43 مباراة في مختلف المسابقات.
ولا يزال أفضل لاعب في العالم خمس مرات، والذي يتنافس مع نجم لاتسيو تشيرو إيموبيلي (34 هدفا) على لقب هداف “سيري أ” هذا الموسم، نجم الدوري من دون منازع.
ساري يعي جيدا أن تتويج يوفنتوس بطلا للدوري الإيطالي لن يخفف عنه مأساة دوري الأبطال التي غادرها الفريق مبكرا أمام ليون الفرنسي الجمعة، ويبدو أنه لم يراجع جيدا درس أليغري الذي كان قرار إقالته مرتبطا بفشله في المسابقة عينها العام الماضي.