ساراماغو محتفيا بمحمود درويش

الكبار كساراماغو لا يكبرون بإبداعاتهم فقط، بل بمواقفهم الإنسانية الرافضة للظلم والإجرام، وباحتفائهم بالقضايا العادلة وأصحابها.
الاثنين 2018/09/24
ساراماغو يصف محمود درويش بالشاعر العظيم

تكون كتابات السير الذاتية أحيانا كاشفة ومباشرة ولا تلجأ إلى التورية أو المواربة، بحيث تكتسب جماليتها وقيمتها من تحديدها وتعبيرها عمّا يصرّح به صاحبها من مشاعر تتناهبه، أو مواقف وآراء تجاه شخصيات مؤثّرة معاصرة له، بحيث تتحوّل السير إلى مواجهة مع تاريخ الكاتب وراهنه..

في كلّ ثقافة معاصرة شخصيّات حلّقت في فضاء شاسع، وأثبتت حضورا عالميا، وهنا لا يكفي أن يكون المرء صاحب قضية عادلة، بل يحتاج للفرادة والتميّز والقدرة الخارقة على ابتكار الجديد في عالمه الأدبيّ ليكون مؤثّرا ومصدّرا لقضيّته وأدبه.. ويمكن التذكير في هذا السياق بالشاعر الفلسطيني محمود درويش (1941 – 2008) الذي يعدّ أحد أبرز الشعراء العرب المعاصرين تأثيرا وحضورا في العالم.

احتفى كثيرون بدرويش الحاضر الغائب، ومنهم الروائيّ البرتغاليّ جوزيه ساراماغو (1922–2010) الحائز على جائزة نوبل سنة 1998، ما الذي يعبّر عن اعتقاده بأن كلّ الكلمات التي ننطقها، كلّ الحركات والإيماءات التي نقوم بها، سواء كانت منجزة أم مخططة، يمكن فهمها كقطعة تائهة من سيرة ذاتية غير مقصودة، مهما كانت لاإراديّة، أو بالضبط لأنها لاإرادية، ليست أقل إخلاصا أو صدقا من الوصف الأكثر تفصيلا لحياة صيغت كتابة وعلى الورق.

يصف ساراماغو محمود درويش بالشاعر العظيم، ويرى أنه لو كان عالمنا أكثر حساسية وذكاء، وأكثر وعيا للجلال السامي للأرواح الفردية التي ينتجها، لكان اسمه الآن معروفا على نطاق واسع ومثار إعجاب مثلما كان، على سبيل المثال، اسم بابلو نيرودا أثناء حياته.

يحتفي ساراماغو في يومياته “المفكّرة” بمحمود درويش في ذكرى وفاته، يقول إن قصائد محمود درويش المتجذرة في الحياة، في الآلام وفي الأشواق الأبدية للشعب الفلسطيني، تمتلك جمالا شكليا غالبا ما يزين اللحظات المبهمة التي لا توصف بكلمات بسيطة قليلة، مثل مفكرة يمكن للمرء فيها أن يقتفي الكوارث خطوة خطوة، دمعة دمعة، لكن أيضا اللحظات العميقة، وإن تكن نادرة، من الفرح، شعب خضع للاستشهاد على مدى الأعوام الستين الماضية التي لا يبدو أن ثمة نهاية لها في الأفق.

وعن الحصار الإسرائيلي المستمر لغزة يقول ساراماغو إن إسرائيل، اعتمادا على التواطؤ الأممي، أو الجبن الأممي، تضحك على التوصيات والقرارات والاحتجاجات، تفعل ما تختاره، عندما تختار، وكيف تختار. يصل ذلك إلى حد منع دخول الكتب والآلات الموسيقية، كما لو كانت منتجات ستضع أمن إسرائيل في خطر. يشير إلى الأزمة الأخلاقية التي تخرب العالم، ويقول إن الأزمة الأخلاقية هي ما تعاني منها الحكومة الإسرائيلية، لأنه دونها لا توجد طريقة لتفسير وحشية أفعالها في غزة. يقول إن سيرورة الاغتصاب العنيف لحقوق الشعب الفلسطيني الأساسية وأرضه من قبل إسرائيل قد مضت قدما بشكل غير مكبوح، بتواطؤ أو لامبالاة ما يسمى خطأ المجتمع الدولي.

الكبار كساراماغو لا يكبرون بإبداعاتهم فقط، بل بمواقفهم الإنسانية الرافضة للظلم والإجرام، وباحتفائهم بالقضايا العادلة وأصحابها، لذا فإنّهم من العلامات الفارقة في تاريخ الشعوب وآدابها.

14