سائقو شاحنات مساعدات في شمال مصر أنهكهم الانتظار لدخول غزة

رفح (مصر)- اصطفّت عشرات الشاحنات البيضاء على طول الطريق الصحراوي الواقع في شمال مصر والمؤدي إلى معبر رفح الحدودي مع غزّة، وجلس سائقوها بجانبها ينتظرون بفارغ الصبر الضوء الأخضر لنقل مساعدات تتزايد الحاجة إليها داخل القطاع المحاصر يومًا بعد يوم.
وبعد أيام طويلة أمضاها السائقون يتبادلون أحاديث فارغة أثناء احتسائهم القهوة ويتناولون وجبات الفول المدمّس، شعر الرجال، وجميعهم مصريون، ببعض الارتياح عندما أُبلغوا بأنه قد يُسمح أخيرًا بإدخال المزيد من الوقود والمساعدات الملحة الأخرى إلى غزة، كجزء من هدنة تبدأ صباح الجمعة، مدّتها أربعة أيام يتمّ خلالها أيضًا تبادل رهائن وأسرى بين إسرائيل وحماس.
لكن لم يتّضح إطلاقًا موعد تحرّك الشاحنات. وفيما كان السائقون لا يزالون ينتظرون بعيدًا عن عائلاتهم وبدون أسرّة ولا حمامات، أبدى بعضهم علامات انزعاج وتعب.
وقال أحدهم ويُدعى علاء مصطفى (48 عامًا) بينما كان يتمشى مرتديًا صندلًا ويهرس الفول في وعاء “قبل الحرب كنا نأتي (للعمل) يومين أو ثلاثة ونرحل، اليوم مضت سبعة أيام ولا نزال واقفين في مكاننا، لم نتحرّك”.
◙ السائقون المصريّون يؤكدون أنهم فخورون بأنهم يساعدون الفلسطينيين لكنّهم أعربوا عن قلقهم عمّا قد يرونه داخل غزة حين يُدخلون المساعدات
وأكد آخر رفض الكشف عن اسمه خوفًا من قوات الأمن المصرية المنتشرة بكثافة قرب الحدود مع غزة “تريدونني أن أتحدث عن حياتي اليوميّة؟”، مضيفًا “نحن في الشارع، هكذا نعيش الآن. ننام ونستيقظ ونأكل في المكان نفسه بدون استحمام”.
من جانبه، قال محمد سيد علي (52 عامًا) “أعيش حياتي في شاحنتي إلى حين أن أوصل الحمولة وأرجع إن شاء الله”.
واندلعت الحرب بين إسرائيل وحماس في أعقاب هجوم غير مسبوق شنّته الحركة على جنوب الدولة العبرية وأدّى إلى مقتل نحو 1200 شخص غالبيّتهم مدنيّون قضوا بمعظمهم في اليوم الأوّل للهجوم، وفق السلطات الإسرائيليّة. وتؤكد الأخيرة أن نحو 240 شخصًا بينهم أجانب احتجزوا رهائن في هجوم حماس ونقلوا إلى غزة.
وتوعّدت الدولة العبريّة حركة حماس بـ”القضاء” عليها، وتشنّ حملة قصف جوّي ومدفعي كثيف، وبدأت بعمليّات برّية اعتبارًا من 27 أكتوبر أوقعت أكثر من 14 ألف قتيل بينهم أكثر من خمسة آلاف طفل.
وبُعيد اندلاع الحرب، أطبقت إسرائيل حصارها المفروض على القطاع منذ 2007، وقطعت المياه والكهرباء والغذاء والوقود، ما تسبّب بأزمة متصاعدة خصوصًا في ظل الكميات الضئيلة من المساعدات التي تدخل عبر معبر رفح.
وبموجب اتفاق هدنة بين الطرفين أُعلن عنه هذا الأسبوع، ستفرج حماس عن 50 امرأة وطفلًا من بين الرهائن لديها في مقابل إطلاق 150 امرأة وطفلًا فلسطينيين من السجون الإسرائيلية، خلال هدنة مدتّها أربعة أيام قابلة للتمديد.
ومع نزوح عدد كبير من سكان شمال القطاع إلى جنوبه ووسط انقطاع التيار الكهربائي وارتفاع معدلات سوء التغذية وتدهور وضع مرافق الصرف الصحي، لم تدخل سوى نحو 1400 شاحنة محملة بالإمدادات الإنسانية إلى غزة عبر مصر الشهر الماضي، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).
◙ إسرائيل أطبقت حصارها المفروض على القطاع منذ 2007، وقطعت المياه والكهرباء والغذاء والوقود، ما تسبّب بأزمة متصاعدة
وأكدت الوكالة الأممية أن العدد أقلّ بكثير من المتوسط الشهري من الشاحنات التي كانت تدخل إلى القطاع قبل الحرب والبالغ 10 آلاف شاحنة محمّلة بالسلع التجارية والمساعدات الإنسانية.
وقال المسؤول في حماس طاهر النونو الأربعاء “لا بدّ أن تدخل 200 إلى 300 شاحنة على الأقلّ من احتياجات القطاع والمواد اللازمة للمواطنين الفلسطينيين، وعلى الأقلّ ثماني شاحنات من الوقود والغاز”.
وأكد السائقون المصريّون أنهم فخورون بأنهم يساعدون الفلسطينيين لكنّهم أعربوا عن قلقهم عمّا قد يرونه داخل غزة حين يُدخلون المساعدات.
وقال يوسف عبدالعزيز (43 عامًا) “الأكيد أننا سندخل ونجد دمارًا في البلد، بناء على الوضع الذي نراه في التلفزيون لم يعد هناك قطاع غزة”.
وبينما كان السائقون الأربعاء رهن إشارة التحرّك، اقتربت فاطمة عاشور وهي محامية فلسطينية من الجانب الفلسطيني من معبر رفح، لتصبح من بين عدد قليل من سكان غزة الذين سُمح لهم بالمغادرة لأنهم يحملون جنسيات أجنبية.
وانفجرت المرأة الأربعينية التي كانت تحمل ثلاث حقائب بالبكاء عندما وصلت إلى الجانب المصري من المعبر. وقالت إن “نصف مدينة غزة والشمال انهار تمامًا (…) لا مدينة لنعود إليها (…) لا منازل. كل حياتنا انتهت”.
وعند سؤالها عن اتفاق الهدنة، أجابت “أي هدنة؟ هذه الهدنة (أُعلنت) من أجل الإفراج عن الأسرى (الإسرائيليين) ليست من أجلنا”.