زيارة وائل الدحدوح إلى تونس بين التعاطف والاستياء من قناة الجزيرة

استقبل الصحافيون والإعلاميون التونسيون مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح بحفاوة استثنائية، رغم موقف غالبيتهم المناهض لسياسة الجزيرة الداعمة للإسلاميين والمتشددين، وهو ما أثار جدلا واسعا على مواقع التواصل.
تونس - وصل الصحافي الفلسطيني وائل الدحدوح إلى تونس قبل أيام بدعوة من المعهد العالي للصحافة والنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين بالتنسيق مع قناة الجزيرة، ولقي استقبالا حافلا من الصحافيين والناشطين والمهتمين بالشأن العام، غير أن هذه الزيارة أثارت جدلا واسعا باعتبار الدحدوح صوت الجزيرة التي أغلق مكتبها في تونس وتلقى استياء شعبيا واسعا لاتهامها بمحاولة إثارة الفوضى والفتنة في البلاد بدعمها الإسلاميين والمتشددين.
ومدير مكتب الجزيرة في غزة جُمِّد عمله في بداية العام على إثر انتقاله إلى الدوحة لتلقّي العلاج بسبب إصابته في استهداف إسرائيلي وزميله سامر أبودقة الذي لقي مصرعه خلال تغطيتهما للحرب على قطاع غزة. وهي الزيارة الأولى له خارج قطر وانتقل من المطار إلى مقرّ نقابة الصحافيين حيث استُقبل بشكل رسمي من هيئة النقابة وعدد آخر من الصحافيين.
لكن رغم هذه الحفاوة الكبيرة والتعاطف الإنساني مع الصحافي الفلسطيني، لم ينس عدد كبير من التونسيين الناشطين على مواقع التواصل، وخصوصا من الإعلاميين والكتّاب، الدور التخريبي الذي قامت به الجزيرة في مشروع ما عُرف بالربيع العربي بداية من تونس ومصر وليبيا واليمن وقبلها العراق وسوريا.
وانقسم الرأي العام الإعلامي والثقافي بشأن زيارة الدحدوح بين التضامن معه كأحد أهالي غزة شهد مجازر مروعة وصحافي أبدى شجاعة كبيرة في تغطية مجازر غزة، وبين رفض دروس قناة الجزيرة التي يُحمّلها جزء كبير من التونسيين مسؤولية الفوضى. فالتونسيون على قدر تعاطفهم مع وائل الدحدوح وانتصارهم لفلسطين، لم ينسوا ممارسات قناة الجزيرة التي يصفونها بأنّها عرّابة التطبيع.
وهاجم المحلل السياسي في قناة التاسعة المحلية رياض جراد قناة الجزيرة تزامنا مع زيارة مدير مكتب قناة الجزيرة في غزة وائل الدحدوح. وقال جراد “قناة الجزيرة التي لعبت أقذر الأدوار ولعبت أدوارا تآمرية تخريبية في تونس وليبيا ومصر وسوريا والعراق وغيرها”. وتابع “هذه القناة منخرطة في مشروع الفوضى ومشروع إسقاط الدول الوطنية، وساهمت في إراقة أنهار من الدماء في الوطن العربي (…) ومرحبا مرة أخرى بوائل الدحدوح”.
وعلقت ناشطة:
وقال الكاتب والمحلل السياسي نزار الجليدي:
وجاء في تعليق:
واعتبر آخرون أن قناة الجزيرة تحاول استثمار معاناة مدير مكتبها في غزة والتعاطف الواسع معه، للعودة إلى تونس من خلاله، إذ لم تمض إلا ساعات حتى أعلنت عن افتتاح دورات تدريبية بعد غياب لسنوات.
وتضمن برنامج استقبال الدحدوح مؤتمرا صحافيا في مقر النقابة ولقاء مع طلبة المعهد العالي للصحافة وخريجي المعهد، الذي حظي بتغطية صحافية واسعة لهذه الزيارة. وجاء في كلمته “الصحافة في نهاية المطاف هي رسالة إنسانية وواجب وطني ونحن حاولنا أن نقوم بهذا الواجب على أكمل وجه قدر استطاعتنا وأعتقد أنّنا نجحنا في مواطن كثيرة”، بحسب ما أكدته النقابة في بيانها، وأضاف الدحدوح قائلا “حاولنا أن نُشكّل نموذجا يُحتذى به.. والمهم في كلّ السياقات التي ناضلنا بها وكلّ المِحن والأوجاع هو أنّ الصحافي الفلسطيني في نهاية المطاف شكّل هذا النموذج لكنّه دفع الثمن باهظا”.
واعتبر وائل الدحدوح أن الحرب اليوم هي حرب كاشفة وأسقطت أقنعة الكثير من المؤسسات التي كانت تتشدق بحرية الرأي والتعبير والحق في المعرفة، قائلا “هذه الحرب ربما جاءت كما يحلو للكثير من الناس أن يطلقوا عليها ‘الحرب الكاشفة’ لأنها قامت بعملية فرز وأسقطت أقنعة كثيرة عن وجوه كثير من المؤسسات كانت تتشدق بحرية الرأي والتعبير وبالحق في المعرفة”.
وشدد على أن “الصحافة رسالة إنسانية وواجب وطني.. وقد حاولنا القيام بهذا الواجب قدر المستطاع وحاولنا أن نُشكِّل نموذجا يُحتذى به.. أعتقد أنّ مهمة بهذه القداسة وبهذه الإنسانية تستحق منا ما دُفِع من أثمان وما يُدفع حتى الآن من أثمان باهظة”.
◙ ناشطون اعتبروا أن قناة الجزيرة تحاول استثمار معاناة مدير مكتبها في غزة والتعاطف الواسع معه للعودة إلى تونس
بدوره عبر نقيب الصحافيين زياد الدبار لدى استقباله، عن تضامن كلّ الصحافيات والصحافيين التونسيين مع الزميل وائل الدحدوح ومع كلّ الصحافيين الفلسطينيين وأكّد على الدعم المتواصل والعمل المشترك بين الصحافيين التونسيين والفلسطينيين مساندة للحق الفلسطيني وكل قضايا التحرّر في العالم.
كما استقبله رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي أكّد له حسب بيان رسمي لرئاسة الجمهورية على “موقف الشعب التونسي الثابت من الحق الفلسطيني المشروع والإيمان العميق بأن التضحيات التي يقدّمها الشعب الفلسطيني اليوم لن تذهب سدى، وسيستردّ حقّه السليب في إقامة دولته المستقلة على كل أرض فلسطين وعاصمتها القدس الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، رغم هذه المجازر التي يرتكبها العدو الصهيوني كل يوم”. وشدد الرئيس على أنّ "المجتمع الإنساني في كل أنحاء العالم صار متفوقا على المجتمع الدولي وسيؤدي بالتأكيد إلى تغييره في قادم الأعوام".
ومكتب الجزيرة في تونس مغلق منذ عام 2021، ولم تقدم السلطات التونسية آنذاك سبب قرار الغلق بينما يواصل صحافيو التلفزيون العمل والقيام بتغطياتهم في البلاد، لكن تغطية القناة تثير استياء الكثير من التونسيين الذين يعتبرونها اللسان المدافع عن المتشددين والإسلاميين، وكثيرا ما اعتبر ناشطون المحتوى الذي تقدمه “يعكس نوايا مبيّتة لضرب الاستقرار في تونس وتشويه المؤسسة الأمنية، خدمة لأجندات معلومة”، بحسب تعبير عصام الدردوري رئيس جمعية الأمن والمواطنة، في تعليقه على إحدى حلقات برنامج “ما خفي أعظم”.
كما سبق أن قررت هيئة الاتصالات السمعية والبصرية التونسية، الثلاثاء، تغريم قناة “الجزيرة” القطرية عبر مكتبها في تونس، بسبب إجرائها استطلاعا للرأي اعتبرته الهيئة محاولة للتأثير على المشاركين في الاستفتاء حول الدستور الجديد في فترة الصمت الانتخابي.
ويمنع الفصل 70 من القانون الانتخابي خلال الحملة الانتخابية أو حملة الاستفتاء وخلال فترة الصمت الانتخابي “بث ونشر نتائج سبر الآراء التي لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بالانتخابات والاستفتاء والدراسات والتعاليق الصحفية المتعلقة بها عبر مختلف وسائل الإعلام”.