زيارة نواف سلام إلى جنوب لبنان رسالة عن عودة الدولة وانتهاء "الدويلة"

تحمل زيارة رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام إلى مناطق في جنوب لبنان دلالات مهمة بشأن عودة الدولة واعتزامها استعادة سيادتها على كامل الجغرافيا اللبنانية، وأن الجيش هو الجهة الوحيدة المخولة لها مهمة حماية اللبنانيين وترسيخ الاستقرار في كامل ربوع البلاد.
بيروت - اختار رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام الجنوب وجهته الداخلية الأولى بعد نيل حكومته ثقة مجلس النواب، في خطوة لا تخلو من رسائل سياسية موجهة إلى الداخل كما الخارج عن اعتزام الدولة استعادة دورها في هذه المنطقة، التي ظلت لعقود تحت هيمنة حزب الله.
وأجرى رئيس الوزراء اللبناني الجمعة زيارة إلى عدد من مناطق جنوب البلاد برفقة عدد من الوزراء.
والأربعاء نالت الحكومة اللبنانية برئاسة سلام ثقة مجلس النواب بتصويت 95 نائبا لصالحها من أصل 128، من بينهم نواب حزب الله وحليفته حركة أمل.
ويرى سياسيون لبنانيون أن زيارة سلام إلى الجنوب هي رد على ما يحاول الثنائي الشيعي الترويج له عن توجه لتهميش الجنوب وتركه لمصيره في مواجهة الدمار الذي خلفته المواجهة الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل، معتبرين أن إشارة رئيس الحكومة إلى أن إعادة إعمار المنطقة هي “التزام شخصي” رسالة طمأنة لسكان المنطقة.
ولفت السياسيون إلى أن الزيارة هي تأكيد على أن العهد الجديد ملتزم باستعادة سيطرة الدولة على جغرافيتها سواء من حزب الله أو من إسرائيل التي احتفظت بسيطرة أمنية على عدد من النقاط، في انتهاك لوقف إطلاق النار.
◙ حزب الله حول الجنوب إلى جبهة متقدمة في مواجهة إسرائيل، ولم يكن بمقدور الدولة بسط سيطرتها على المنطقة
وعلى مدى عقود حول حزب الله المدعوم من إيران جنوب لبنان إلى جبهة متقدمة في مواجهة إسرائيل، ولم يكن بمقدور الدولة ممثلة في القوات العسكرية والأمنية بسط سيطرتها على المنطقة.
واستحكمت قبضة حزب الله على الجنوب في السنوات الأخيرة، وبات أشبه بملكية خاصة، بعد هيمنة الحزب على سلطة القرار السياسي، مستغلا قوته العسكرية وبات ينظر إليه على أنه “دويلة” داخل الدولة.
لكن الوضع تغير بعد المواجهة الأخيرة مع إسرائيل التي انطلقت في الثامن من أكتوبر 2023 واتخذت منحى خطيرا في سبتمبر الماضي، تكبد خلالها الحزب خسائر فادحة سواء على مستوى قياداته في الصفوف الأولى أو في ترساناته العسكرية، الأمر الذي أجبره على القبول بوقف لإطلاق النار في نوفمبر الماضي، لا تزال إسرائيل تخرقه بشكل يومي، دون أن يجد الحزب القدرة على الرد، وإن بشكل شكلي.
وانعكست الانتكاسات الميدانية التي تعرض لها حزب الله عليه سياسيا، وهو ما ترجم في انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيسا للجمهورية، واختيار القاضي نواف سلام لرئاسة الحكومة، ليجد الحزب نفسه مجبرا على مسايرة الوضع.
وعلى ضوء انكفاء حزب الله ترى القوى المناوئة له في الداخل والمجتمع الدولي أن لبنان أمام فرصة نادرة للنهوض مجددا واستعادة جزء من سيادته المهدورة.
وقال رئيس الحكومة اللبنانية في منشور على منصة إكس “توجهت إلى الجنوب مع زملائي الوزراء (الطاقة والمياه جوزيف) الصدي و(البيئة تمارا) زين و(الأشغال العامة فايز) رساميني.”
وأضاف أن محطتهم الأولى كانت في ثكنة بنوا بركات في مدينة صور، حيث وجّه كلمة إلى أبناء الجيش وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل).
وقال في كلمته إن “الجيش اللبناني يقوم اليوم بواجباته بشكل كامل، ويعزز انتشاره بكل إصرار وحزم من أجل ترسيخ الاستقرار في الجنوب وعودة أهالينا إلى قراهم وبيوتهم.”
وأكد أن حكومته ستعمل على تمكين الجيش اللبناني من خلال زيادة عدده وتجهيزه وتدريبه وتحسين أوضاعه، ما يعزّز قُدراته من أجل الدفاع عن لبنان.
وأعرب سلام عن “تقديره لدور اليونيفيل كقوة حفظ سلام تواجدت مع لبنان وجنوبه منذ العام 1978،” مشيدا بـ”تعاونها الوثيق مع الجيش والسلطات اللبنانية لتنفيذ القرار 1701، في سبيل تعزيز أمن واستقرار لبنان وجنوبه.”
وفي عام 2006 اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار 1701 لوقف الأعمال العدائية بين حزب الله وإسرائيل، ودعا فيه إلى وقف دائم لإطلاق النار على أساس إنشاء منطقة عازلة.
وبموجب القرار قرر المجلس اتخاذ خطوات لضمان السلام، منها السماح بزيادة عدد أفراد اليونيفيل إلى حد أقصى يبلغ 15 ألف فرد، من أجل مراقبة وقف الأعمال العدائية، ودعم الجيش اللبناني أثناء انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، وضمان العودة الآمنة للنازحين.
وشدّد سلام، في منشوره، على رفضه الاعتداءات على اليونيفيل، مؤكدا “العمل دون تهاون لتوقيف ومحاسبة المسؤولين عن ذلك، ونحرص على القيام بكل الإجراءات لعدم تكرارها.”
◙ في عام 2006 اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار 1701 لوقف الأعمال العدائية بين حزب الله وإسرائيل، ودعا فيه إلى وقف دائم لإطلاق النار على أساس إنشاء منطقة عازلة
وفي وقت سابق من فبراير الماضي تعرض موكب لقوات حفظ السلام أثناء توجهه إلى مطار بيروت لهجوم عنيف، وأُضرمت النار في إحدى المركبات ما أدى إلى إصابة نائب قائد اليونيفيل المنتهية ولايته، بحسب ما أعلنته قيادة اليونيفيل.
جاء ذلك فيما كان ينظم عدد من أنصار حزب الله مظاهرات تتركز أمام مطار بيروت وعلى الطريق المؤدي إليه، احتجاجا على رفض سلطات المطار منح إذن بالهبوط لطائرة ركاب إيرانية، حيث اعتبروا القرار “خضوعا لإملاءات إسرائيلية”.
وعلى هامش زيارته الجمعة إلى صور، التقى سلام وفدا من أهالي بلدة الضهيرة الحدودية، الذين نفذوا وقفة احتجاجية أمام الثكنة استنكاراً للممارسات الإسرائيلية ضد المواطنين الراغبين في العودة إلى بلدتهم.
وقال “أنا وزملائي نشاركهم (المحتجين) آلامهم ونضع في رأس أولويات الحكومة العمل على إعادة إعمار منازلهم وقراهم المدمرة وتأمين عودتهم الكريمة إليها،” مؤكدا أن “ذلك ليس وعدا بل التزام مني شخصيا ومن الحكومة.”
وفي 27 نوفمبر 2024 أنهى اتفاق لوقف إطلاق النار مواجهة بين حزب الله وإسرائيل خلفت 4 آلاف و114 قتيلا و16 ألفا و903 جرحى، من بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، إضافة إلى نزوح نحو مليون و400 ألف شخص.
وفي 18 فبراير الماضي أفادت وكالة الأنباء اللبنانية بانسحاب الجيش الإسرائيلي من القرى والبلدات التي كان يحتلها جنوب البلاد، باستثناء 5 نقاط رئيسية على طول الحدود.
ورغم انقضاء المهلة واصلت إسرائيل المماطلة بالإبقاء على وجودها في 5 تلال داخل الأراضي اللبنانية على طول الخط الأزرق (المحدد لخطوط انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000)، دون أن تعلن حتى الساعة موعدا رسميا للانسحاب منها.