زيارة حميدتي إلى موسكو تؤجج المخاوف الغربية من التمدد الروسي في البحر الأحمر

يسعى المكون العسكري في السودان الذي يسيطر على الحكم منذ الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي إلى تليين مواقف الغرب الرافضة لسيطرته على الحكم عبر الاستفادة من التناقضات بين الولايات المتحدة وروسيا. وتمثل مساعي روسيا لإقامة قاعدة عسكرية في شرق السودان ورقة ضغط مهمة.
الخرطوم- أثارت زيارة نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو “حميدتي”، الأخيرة إلى روسيا، عاصفة من التساؤلات حول أهدافها وتوقيتها، ومخاوف غربية من إمكانية أن ينتج عنها تمدد موسكو في إفريقيا وعلى سواحل البحر الأحمر تحديدا، خاصة أنها تطمح إلى إقامة قاعدة عسكرية شرقي السودان.
وفي الثاني من مارس الجاري، اختتم حميدتي زيارة إلى روسيا بدأت في الثالث والعشرين من فبراير الماضي، قبل يوم واحد فقط من بدء موسكو عمليتها العسكرية ضد أوكرانيا، ورافقه فيها وزراء المالية جبريل إبراهيم، والزراعة أبوبكر البشرى، والطاقة محمد عبدالله محمود، والمعادن محمد بشير أبونمو.
ولعل أكثر ما أثير التساؤل حوله هو مصير الاتفاق السوداني – الروسي على إنشاء قاعدة بحرية عسكرية لموسكو في ميناء بورتسودان على البحر الأحمر، خاصة أن الخرطوم أعلنت تجميدها العام الماضي، ومنذ ذلك الوقت لم يحدث أيّ تطور بخصوصها.
وعقب وصوله إلى مطار الخرطوم قال حميدتي إنه بحث مع المسؤولين في روسيا “التعاون في مجال الأمن القومي وقضايا سياسية وتبادل الخبرات والتعاون المشترك ومكافحة الإرهاب والتدريب العسكري”.

محمد عبدالقادر: هناك سباق دولي لإحكام السيطرة على البحر الأحمر
وردا على سؤال حول الاتفاق مع روسيا على إنشاء قاعدة بحرية قال حميدتي “هناك دول أفريقية فيها قواعد ولا أعرف السبب وراء الاهتمام المتزايد بهذه القاعدة”. وأضاف “من المفترض أن يبحث السودان عن مصالحه، وما هي مصلحته في وجود قاعدة عسكرية، وماذا يريد الشعب السوداني؟”.
وصدّق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في السادس عشر من نوفمبر 2020، على إنشاء قاعدة بحرية روسية في السودان، قادرة على استيعاب سفن تعمل بالطاقة النووية.
ومن المفترض أن تضم القاعدة نحو 300 فرد من عسكريين ومدنيين، ويمكن استخدامها في عمليات الإصلاح والتموين وإعادة الإمداد لأفراد أطقم السفن الروسية، ويحق للجانب السوداني “استخدام منطقة الإرساء، بالاتفاق مع الجهة المختصة من الجانب الروسي”.
وتحدد الاتفاقية إمكانية بقاء 4 سفن حربية كحد أقصى في القاعدة البحرية، ويحق لروسيا أن تنقل عبر موانئ السودان ومطاراته أسلحة وذخائر ومعدات ضرورية لتشغيل تلك القاعدة. إلا أن السودان قرر في أبريل 2021، تجميد الاتفاق مع روسيا.
وفي الثاني من يونيو الماضي أعلن رئيس أركان الجيش السوداني محمد عثمان الحسين أن بلاده بصدد مراجعة الاتفاقية العسكرية مع روسيا بما فيها القاعدة على البحر الأحمر.
كما أعلن قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان في نوفمبر الماضي أن الخرطوم لديها “ملاحظات” على الاتفاق مع روسيا لإنشاء القاعدة البحرية.
ويقول العسكري المتقاعد في القوات البحرية السودانية عمر أرباب إن “روسيا تبحث عن موطئ قدم لها في ميناء بورتسودان الاستراتيجي لحماية مصالحها في القارة الأفريقية، خاصة في ظل تزايد الاستثمارات الروسية في المنطقة”.
وأضاف أرباب أن “روسيا تريد أن تكون لها محطة تستطيع أن تزود بها أسطولها البحري في المحيط الهادي والبحر الأبيض المتوسط إضافة إلى البحر الأحمر نفسه”.
وتابع “روسيا ستقاتل من أجل الحصول على القاعدة باعتبارها هدفا استراتيجيا ولا أتوقع أن تتنازل عنها بسهولة”.
وفي الجانب السوداني يرى أرباب أن “قرار إنشاء قاعدة عسكرية يحتاج إلى برلمان منتخب لذا الحكومة الحالية ليس من حقها التوقيع على برتوكول بهذا الشكل”.
وتابع “هناك احتمال كبير لاستغلال روسيا القاعدة من أجل أغراض عملياتية لتحقيق مصالحها وهذا سيجعلنا في خضم صراع لا شأن للسودان به خاصة أنه يستشرف عهدا جديدا لعلاقات متوازنة مع كل دول العالم وبعيداً عن صراع المحاور الذي تعج به المنطقة”.
واعتبر الضابط العسكري المتقاعد أن “فتح المجال الجوي أمام طائرات أيّ من المحاور بالعالم، يعتبر عملاً عدائياً فكيف بإنشاء قاعدة عسكرية على أراضينا”.
عمر أرباب: روسيا تبحث عن موطئ قدم لها في ميناء بورتسودان الاستراتيجي لحماية مصالحها في القارة الأفريقية
وأحدثت زيارة حميدتي كذلك مخاوف غربية خاصة أنها تزامنت مع ذروة التوتر بين روسيا والغرب بعد إطلاق أولى العمليات العسكرية ضد أوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير الماضي، وهو ما أثار غضباً دولياً وفرض عقوبات مشددة على روسيا.
وفي السابع والعشرين من فبراير الماضي استفسر سفراء الاتحاد الأوروبي خلال لقاء بالخرطوم مع وزير الخارجية السوداني المكلف علي الصادق عن موقف الخرطوم من العمليات الروسية في الأراضي الأوكرانية، وخلفية زيارة حميدتي إلى موسكو.
وحسب إعلام سوداني رد الصادق على الاستفسار الأوروبي قائلا “موقف الخرطوم يتمثل بدعوة كل من روسيا وأوكرانيا إلى وقف التصعيد بينهما واللجوء إلى الحوار لحل الأزمة الراهنة”، دون تفاصيل حول ما دار بين الجانبين بشأن زيارة نائب رئيس مجلس السيادة إلى موسكو.
وحول هذه المخاوف يقول المحلل السياسي السوداني محمد عبدالقادر “يمثّل الساحل السوداني مدخلاً مهماً لأفريقيا في ظل السباق الصيني – الروسي من جهة والأميركي من جهة ثانية للسيطرة على هذا الساحل الاستراتيجي”.
ويرى عبدالقادر أن “هناك سباقاً دولياً لإحكام السيطرة على البحر الأحمر باعتباره معبراً مائياً مهماً للأسواق العالمية”.
ولدى السودان ساحل مطل على البحر الأحمر يمتد على مسافة تتجاوز 700 كلم، وأكبر ميناء لديه هو بورتسودان، الذي يعتبر الميناء الرئيسي للبلاد، بل يمثل منفذاً بحرياً استراتيجياً للعديد من الدول المجاورة مثل تشاد وإثيوبيا وجنوب السودان.
من المفترض أن تضم القاعدة نحو 300 فرد من عسكريين ومدنيين، ويمكن استخدامها في عمليات الإصلاح والتموين وإعادة الإمداد لأفراد أطقم السفن الروسية
كما يقع السودان في منطقة تتسم بالاضطرابات بين القرن الأفريقي والخليج العربي وشمال أفريقيا، ما يمثل أهمية لمساعي كل من واشنطن وموسكو للحفاظ على مصالحهما في تلك المناطق الحيوية.
ويضيف عبدالقادر “موسكو تريد أن تحافظ على مصالحها ومرور تجارتها بالبحر الأحمر وقناة السويس، كما تريد أن تدعم قواتها العسكرية البحرية عبر إنشاء مراكز محددة في البحر الأحمر ومن ضمنها إقامة قاعدة روسية في بورتسودان”.
ويتوقع المحلل السياسي السوداني أن تكون لهذه الزيارة “انعكاسات سلبية” على السودان من الدول الغربية، خاصة وأنه يعيش في ظل مرحلة انتقالية وأزمة سياسية خانقة.
ومنذ الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، يشهد السودان احتجاجات ردا على إجراءات استثنائية اتخذها البرهان، أبرزها فرض حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وهو ما تعتبره قوى سياسية “انقلابا عسكريا”، في مقابل نفي الجيش.
وفي السابع والعشرين من أكتوبر الماضي اعتبرت روسيا أن ما جرى في السودان “قد يكون انتقالا للسلطة وليس انقلابا عسكريا”، متهمة الرافضين لسيطرة الجيش على السلطة في الخرطوم بـ”ارتكاب أعمال عنف”.