زيارة تبون إلى تيزي وزو.. مساع لاستعادة القبائل من الانفصاليين

الجزائر- وصل الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى محافظة تيزي وزو، وسط البلاد، في زيارة نادرة خلال ولايته ليضع بذلك حدا للقطيعة التي دامت عدة سنوات بين المنطقة والسلطة، ويطلق إلى الرأي العام ووسائل الإعلام رسائله التي تتضمن إعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية المقررة بعد أقل من شهرين.
وتأجلت زيارة تبون المبرمجة إلى محافظة تيزي وزو عدة مرات لأسباب مختلفة، منها الأجندة الخاصة كالمشاركة في قمة السبعة الكبار المنعقدة في إيطاليا، وعدم اطمئنان السلطة على ردود الفعل الممكنة من نشاط الانفصاليين والمعارضين السياسيين للسلطة في المدينة وفي عموم منطقة القبائل.
وذكرت مصادر مطلعة على حيثيات الزيارة أن المصالح المختصة سخرت إمكانيات بشرية ولوجستية ضخمة من أجل إنجاح الزيارة أمام الرأي العام ووسائل الإعلام المحلية والأجنبية؛ إذ تم الشروع في تنظيمها منذ عدة أسابيع وسط أجواء من الحذر واليقظة، مخافة حدوث أي مفاجأة غير سارة يقوم بها أنصار التيار الانفصالي أو معارضون للسلطة.
المصالح المختصة سخّرت إمكانيات بشرية ولوجستية ضخمة من أجل إنجاح الزيارة أمام الرأي العام ووسائل الإعلام
وتعد محافظة تيزي وزو عاصمة منطقة القبائل والمعقل الرئيسي لتيارات سياسية مناوئة للسلطة منذ استقلال الجزائر، لذلك ظلت العلاقة بينها وبين السلطة متوترة طيلة العقود الماضية، بدءًا من العمل المسلح الذي قاده حزب جبهة القوى الاشتراكية ضد النظام الحاكم خلال السنوات الأولى من الاستقلال إلى غاية ميلاد حركة استقلال القبائل “ماك “، ومرورا بما عرف بالربيع البربري في ثمانينات القرن الماضي، وأحداث حركة “العروش البربرية” في مطلع الألفية الجديدة.
ورغم سعي السلطة بمختلف توجهاتها ونخبها لاستقطاب المنطقة عبر ما عرف بـ”قبائل النظام”، وهي الفلول التي تجري استمالتها سياسيا وماليا أو حكوميا إلى صفوف السلطة (على غرار رئيس الحكومة المسجون أحمد أويحيى ورجل الأعمال يسعد ربراب ومدير جهاز الاستخبارات السابق الجنرال محمد مدين)، ظلت العلاقة بين المنطقة والسلطة متوترة، وكثيرا ما شكلت مصدر صداع لها.
وأفادت مصادر مطلعة بأن السلطة، التي راهنت منذ عدة أشهر على زيارة الرئيس تبون إلى تيزي وزو، سخّرت إمكانيات بشرية ضخمة من أجل الإيحاء بالتحمّس لاستقبال الرجل والحيلولة دون بروز العناصر المناوئة، سواء أكانت من صفوف المعارضة السياسية أم من حركة “ماك” الانفصالية، وأرسلت آلاف العناصر من الأمن والدرك والجيش إلى المدينة منذ عدة أيام، كما استمالت العديد من الوجوه والأعيان، خاصة في المجالين المدني والرياضي.
وتحظى المحافظة بمعاملة خاصة من طرف مختلف مكونات السلطة المركزية والمحلية، حيث يتم دعمها ببرامج تنموية ومخصصات مالية معتبرة لتحسين الخدمات والبنى التحتية والمرافق العمومية، وذلك تفاديا لغضب السكان ومحاولة التقرب منهم، في حين يتم تجاهل بعض المناطق والجهات الأخرى بسبب سلوك سكانها المهادن للسلطة.
وتعد زيارة تبون إلى محافظة تيزي وزو من الزيارات النادرة التي قادها الرئيس تبون خلال ولايته الرئاسية الجارية؛ فخلال خمس سنوات كاملة لم يزر إلا محافظات وهران والعاصمة وخنشلة والجلفة وتيزي وزو، بينما كان يتعهد خلال حملته الانتخابية بأنه سيجول ربوع الوطن ومحافظاته.
ويرى متابعون للشأن السياسي الجزائري أن الزيارة المذكورة تنطوي على دلالات ورسائل سياسية تريد السلطة توجيهها إلى الرأي العام الداخلي والخارجي، وتتمحور حول نهاية القطيعة بين الطرفين، وإدماج المنطقة في السياق الوطني، بغية قطع الطريق أمام التيار الانفصالي الذي يطالب باستقلال منطقة القبائل ويروج في بعض المحافل الداعمة له بأن سكان القبائل يؤيدون طرحه تأسيس دولة مستقلة لهم.
كما يريد الرئيس تبون، الذي أعلن عن ترشحه لخوض انتخابات سبتمبر القادم، التأكيد على حرص السلطة على الوحدة الوطنية والترابية للبلاد من خلال تجديد الأواصر الطبيعية بين الطرفين، وعلى محدودية نفوذ الانفصاليين في الشارع القبائلي، فضلا عن استقطاب أهالي المنطقة إلى المشاركة في الاستحقاقات المستقبلية للبلاد، سواء بدعم ترشحه أو دعم الشخصيات التي تمثلهم.
وانتقدت نخب سياسية وأكاديمية تجاهل السلطة للمنطقة في وقت سابق، لاسيما ما تعلق بمقاطعتها للاستحقاقات الانتخابية السابقة، حيث سجلت نسبا ضئيلة جدا لم تتعد حدود الواحد في المئة، واعتبرت أن ذلك التجاهل يرمي بالمنطقة في أيدي التيار الانفصالي الذي وظف المقاطعة لصالح الطرح الاستقلالي، كما عمق الفجوة بين الطرفين، خاصة في ظل تنامي خطاب التمييز والكراهية المدعوم من طرف بعض الدوائر المقربة من السلطة.
وكانت السلطة قد أعلنت عن تفكيك عدة شبكات، كانت تمتهن نشر خطاب التمييز والكراهية ضد سكان القبائل، وكشفت عن تواجد ناشطين سياسيين ومدونين على شبكات التواصل الاجتماعي، وموظفين سامين في الدولة وفي المؤسسة العسكرية، كانوا يديرون شبكات تسعى لخلق التفرقة والأحقاد الثقافية والإثنية بين مكونات المجتمع.
وأعلن مجلس الوزراء في وقت سابق عن تخصيص مشاريع تنموية جديدة في المحافظة، منها مستشفى حكومي بسعة 500 سرير، ينضاف إلى ملعب كرة القدم الكبير، الذي سُمّي باسم المناضل والقيادي التاريخي المؤسس لجبهة القوى الاشتراكية حسين آيت أحمد، والذي قام الرئيس تبون بتدشينه خلال زيارته المذكورة.