زيارة السوداني إلى القاهرة: مذكرات تفاهم فضفاضة بين العراق ومصر

القاهرة- تحرص مصر والعراق على الإيحاء بأن العلاقات بينهما تتوطّد في ظل التوقيع على اتفاقيات في مجالات عديدة، ويحاولان استعادة الزخم الذي حدث في أزمنة سابقة لتأكيد رغبتهما في تصحيح المسارات.
ورغم تعدد مذكرات التفاهم التي تشمل مجالات مختلفة، يقول مراقبون إن الاتفاقيات لم تحقق اختراقا ملموسا لمواجهة التراجع الملحوظ الذي تشهده العلاقات التجارية بين البلدين، مشيرين إلى أن بيانات الإشادة المتبادلة لا يمكن أن تحجب محدودية الاتفاقيات.
والثلاثاء وقع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ونظيره المصري مصطفى مدبولي على محضر أعمال اللجنة العليا المشتركة بين البلدين، ورعيا مراسم التوقيع على 11 مذكرة تفاهم مشترك في عدد من المجالات والقطاعات في ختام أعمال اجتماعات اللجنة العليا المشتركة العراقية – المصرية في القاهرة.
◙ الهدف من الاتفاقيات تنويع العلاقات بغض النظر عن الحاجة الماسة إليها وقدرتها على إفادة البلدين
وقالت مصادر مصرية لـ”العرب” إن الاتفاقيات التجارية الكثيرة والمتعددة “تتطلب تطابقا في الرؤى السياسية لتفعيلها بمستويات ترضي طموحات القيادتين والشعبين، وبالتالي فإن إبرام المزيد من الاتفاقيات يتطلب تنسيقا في التفاهمات السياسية أيضا”.
وأضافت المصادر ذاتها أن إقرار العراق موازنة تاريخية للبلاد، ومصر كذلك، ربما يمهد الطريق لإزالة بعض العوائق التجارية والاستثمارية، لأن زيارة السوداني استهدفت تفعيل الشق التجاري والتنموي والاستثماري، والعراق بحاجة ماسة إلى مشاركة مصر في إعادة إعماره وتدريب شركاته، بما يفتح آفاقا تجارية وتنموية.
وشددت المصادر على حاجة البلدين إلى تفاهمات سياسية مقبولة ترخي بظلال إيجابية على الاتفاقيات التجارية، وهذا ما يفسر اهتمام القيادة المصرية بدعم العراق في الكثير من تحركاته، لأن هناك شعورا بأنه كلما زاد التطابق في وجهات نظر البلدين سياسيا حدث بينهما تعاون اقتصادي أشمل.
وتحاول القاهرة وبغداد ترك الانطباع بأن هناك قواعد مشتركة قوية، يمكنها التغلب على الصعوبات السياسية التي تعترض العراق ومد خطوط التعاون إلى المجال الأمني.
وأشار مساعد وزير الخارجية المصري سابقا السفير جمال بيومي في تصريح لـ”العرب” إلى أن “اتفاقيات التبادل التجاري تصطدم بمجموعة من الصعوبات التي تتكرر تقريبًا في غالبية العلاقات بين الدول العربية، على رأسها أن 70 في المئة من الواردات تنتج خارجها، والجزء الأكبر من الصادرات يتعلق بالنفط”.
ولفت بيومي إلى أن الاقتصاد في كل من مصر والعراق “تنافسي وليس تكامليا، والمعطيات الحالية تشي بصعوبة زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، ولذلك فالحل يكمن في زيادة حجم الاستثمارات بينهما، وتحديدا في مجال تصنيع الآلات والمعدات التي يمكن استخدامها في إعادة الإعمار أو الاهتمام بتصنيع وسائل النقل والشاحنات، بجانب الاهتمام بالصناعات الغذائية للتعامل مع الفجوة الغذائية”.
وشملت مذكرات التفاهم الموقعة في القاهرة مجالات عديدة من دون الإعلان عن تفاصيل كل منها، إذ يبدو أن الهدف منها تنويع العلاقات، ومحاولة توسيع أطر التعامل بين البلدين، بغض النظر عن الحاجة الماسة إليها وقدرتها على تحقيق تقدم يفيدهما.
وتم التوقيع على مذكرة تفاهم بين البنكيْن المركزيين لدى البلدين في مجال تمكين المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتحقيق النمو الاقتصادي، وأخرى بين وزارة التجارة العراقية ونظيرتها المصرية للتعاون في مجال الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وثالثة للتعاون في مجالات التدريب الدبلوماسي وتبادل الخبرات، ورابعة في مجالات الإدارة والوظيفة العامة والخدمة المدنية، وهكذا.
وقال السوداني “وجدنا رغبة جادّة من الجانب المصري لإنجاح أعمال اللجنة الوزارية المشتركة، التي أفضت إلى توقيع 11 مذكرة تفاهم. هي خارطة طريق للعلاقة بين حكومتي العراق ومصر للمرحلة القادمة وستفتح المجال للتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري واستثمار الفرص الواعدة في العراق”.
وأكد السوداني أن العراق “يشهد اليوم حالة من الاستقرار السياسي والاقتصادي والمجتمعي، كما استعاد دوره الريادي في المنطقة”.
وأوضح بيان للحكومة العراقية أن منتدى الأعمال العراقي – المصري الذي عقد في القاهرة بحضور نخبة من سيدات ورجال الأعمال في البلدين “يعكس الرغبة الجادة ليكون القطاع الخاص شريكا للحكومة”.
ووقع البلدان مذكرة تفاهم بين وزارة التجارة العراقية ووزارة التجارة والصناعة المصرية، للتعاون في مجال الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.
كذلك وقع الجانبان مذكرة تفاهم للتعاون في مجالات التدريب الدبلوماسي وتبادل الخبرات بين معهد الخدمة الخارجية بوزارة الخارجية العراقية ومعهد الدراسات الدبلوماسية بوزارة الخارجية المصرية.
ووقعا مذكرة تفاهم في مجالات الإدارة والوظيفة العامة والخدمة المدنية بين مجلس الخدمة الاتحادي العراقي والجهاز المركزي للتنظيم والإدارة المصري.
ومن بين الاتفاقيات أيضا مذكرة تفاهم في مجال السياحة، وأخرى في مجال تبادل الخبرات بين وزارة التخطيط العراقية ووزارة التعاون الدولي المصرية.
وكذلك مذكرة للتفاهم في مجال التعاون بين وزارة التخطيط العراقية ومعهد التخطيط القومي في مصر.
وجرى أيضا توقيع مذكرة تفاهم في مجال العمل بين وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية ووزارة العمل المصرية، ومذكرة أخرى حول التعاون المشترك بين الوزارة العراقية نفسها ووزارة التضامن الاجتماعي المصرية.
وفي مجالي الشباب والرياضة تم توقيع مذكرتي تفاهم بين وزارة الشباب والرياضة العراقية ونظيرتها المصرية.
◙ رغم تعدد مذكرات التفاهم التي تشمل مجالات مختلفة، يقول مراقبون إن الاتفاقيات لم تحقق اختراقا ملموسا لمواجهة التراجع الملحوظ الذي تشهده العلاقات التجارية بين البلدين
كما وقع الجانبان محضر اجتماعات الدورة الثانية للجنة العليا المصرية العراقية المشتركة.
وفي مارس الماضي زار السوداني القاهرة للمرة الأولى بعد توليه منصبه رئيسا لوزراء العراق في أكتوبر الماضي. وأثناء تلك الزيارة التقى السوداني كلا من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره مصطفى مدبولي.
وتم الاتفاق خلال تلك الزيارة على تفعيل عدد من المشاريع المشتركة بين مصر والعراق، ومن تلك المشاريع إنجاز المرحلة الأولى من الربط الكهربائي مع الأردن وصولا إلى العراق، وبحث إمكانية تدشين منطقة لوجستية على الحدود بين العراق والأردن للمساهمة في توفير السلع والمنتجات المصرية للأسواق العراقية.
ويسعى الجانبان لتطوير حجم التجارة الثنائية؛ ففي 2022 بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 540 مليون دولار، نزولا من قرابة مليار دولار في 2021، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري.
وفي ديسمبر الماضي قالت وزيرة التجارة والصناعة المصرية نيفين جامع إن العراق يحتل المرتبة 25 في قائمة الدول المستثمرة في السوق المصرية باستثمارات تبلغ 500 مليون دولار في 3500 مشروع.