زيارة البابا إلى الإمارات تؤسس لتسامح فعال ضد التطرف

أبوظبي - نجحت زيارة البابا فرنسيس، كأول بابا للفاتيكان تطأ قدمه منطقة الخليج، في أن تؤسس تسامحا حقيقيا بين المسلمين والمسيحيين، وهو ما ستكون له نتائج مباشرة ليس فقط على واقع المسيحيين العرب، ولكن أيضا على بناء مقاربة إنسانية جامعة لتسامح فعال قادر على هزيمة التطرف وسحب مسوغاته الدينية، وهو ما عكسته وثيقة أبوظبي لمكافحة التطرف التي تم توقيعها على هامش الزيارة.
وحظيت الزيارة، التي وصفت بالتاريخية، باهتمام رسمي وشعبي كبير في الإمارات وفي المنطقة ككل. وكان لها صدى واسع في العالم بسبب النتائج التي ينتظر أن تترتب عليها لأنها تمثل اختراقا نوعيا للصراع التاريخي بين المسلمين والمسيحيين، وهو صراع يغذي صعود التطرف والشعبوية والانغلاق على الذات، وأنها ستفتح الباب أمام حوارات أشمل وأكثر تفصيلا للقفز على الخلافات القديمة وبناء علاقة تقوم على البعد الإنساني الأشمل الذي تؤسس له الأديان.
وبحث الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، الاثنين، مع البابا فرنسيس “علاقات الصداقة والتعاون بين دولة الإمارات ودولة الفاتيكان وسبل تنميتها بما يخدم القضايا الإنسانية ويعزز قيم التسامح والحوار والتعايش بين شعوب العالم”.
وذكرت وكالة أنباء الإمارات (وام) أن نائب رئيس الدولة وولي عهد أبوظبي “أعربا عن سعادتهما بزيارة البابا إلى دولة الإمارات التي تعد تتويجا لجهود الدولة ومساعيها الرامية إلى نشر قيم التآخي الإنساني والتعايش والسلام بين مختلف شعوب العالم”.
وزار البابا فرنسيس، الاثنين، رفقة شيخ الأزهر أحمد الطيب، جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي ضمن جدول أعمال الزيارة التاريخية المشتركة للقطبين الكبيرين إلى دولة الإمارات ولقائهما معا تحت اسم “لقاء الأخوة الإنسانية”.
ودعا البابا فرنسيس الاثنين إلى حماية “الحرية الدينية” في الشرق الاوسط وإلى منح سكان المنطقة من مختلف الديانات “حق المواطنة نفسه”، مشددا على ضرورة وقف الحروب وبينها النزاعان اليمني والسوري، والتصدي لـ”سباق التسلح” و”بناء الجدران”.
وكان البابا يتحدث أمام رجال دين في مؤتمر “الأخوة الإنسانية” في اليوم الثاني لزيارته التاريخية إلى دولة الإمارات.
وقال في خطابه “من بين الحرّيات، أرغب في تسليط الضوء على الحريّة الدينيّة”.
وتابع “هي لا تقتصر على حريّة العبادة، بل ترى في الآخر أخًا بالفعل، وابنًا لبشريّتي نفسها، ابنًا يتركه الله حرًّا، ولا يمكن بالتالي لأي مؤسّسة بشريّة أن تجبره حتى باسم الله”.
وطالب الحبر الأعظم بحق المواطنة نفسه لجميع سكان المنطقة التي شهدت في السنوات الأخيرة تصاعدا في وتيرة العنف والتعصب مع ظهور تنظيمات متطرفة في مقدمها تنظيم داعش.
وقال “أتمنّى أن تبصر النور، ليس هنا فقط بل في كلّ منطقة الشرق الأوسط الحبيبة والحيويّة، فرصٌ ملموسة للقاء: مجتمعاتٌ يتمتّع فيها أشخاصٌ ينتمون إلى ديانات مختلفة بحقّ المواطنة نفسِّه”.
ولم يحدّد البابا أطرافا معيّنة، لكن تصريحاته جاءت في مرحلة تشكو فيها أقليات في المنطقة من التعرض للتهميش، وبينها المسيحيون في بعض الدول.
وفي موازاة ذلك، كرّر البابا دعوته إلى وقف الحروب في اليمن وليبيا وسوريا والعراق، وعدم الانخراط في العنف باسم الدين.
ورأى أن “استعمال اسم الله لتبرير الكراهية والبطش ضدّ الأخ، إنما هو تدنيس خطير لاسمه”، مضيفا “لا وجود لعنف يمكن تبريره دينيّا”.
وتابع “سباق التسلّح، وتمديد مناطق النفوذ، والسياسات العدائيّة، على حساب الآخرين، لن تؤدّي أبدًا إلى الاستقرار”.
ودعا شيخ الجامع الأزهر، من جانبه، المسلمين في الشرق الأوسط إلى “احتضان” الطوائف المسيحية في دولهم.
وقال مخاطبا المسلمين في كلمة بثها التلفزيون خلال مراسم في العاصمة الإماراتية أبوظبي شارك فيها البابا فرنسيس “استمروا في احتضان إخوانكم من المواطنين المسيحيين في كل مكان.. فهم شركاؤنا في الوطن”.
ثم وجه حديثه للمسيحيين قائلا “أنتم جزء من هذه الأمة وأنتم مواطنون ولستم أقلية وأرجوكم أن تتخلصوا من ثقافة مصطلح الأقلية الكريه، فأنتم مواطنون كاملو الحقوق والمسؤوليات”.
وحث شيخ الأزهر كذلك المسلمين في الغرب على الاندماج في دولهم المضيفة واحترام القوانين المحلية.
وحظيت زيارة البابا باهتمام كبير في الإمارات، ولدى وصوله إلى قصر الرئاسة مترامي الأطراف بقبابه العديدة، تم استقبال البابا فرنسيس بتحليق مقاتلات تابعة للقوات الجوية الإماراتية نفثت دخانا باللونين الأصفر والأبيض، وهما لونا علم الفاتيكان.
واستقل البابا سيارة صغيرة حتى الساحة الرئيسية ورافقه نحو 12 من الحرس الإماراتي وهم يمتطون الجياد ويرفعون الأعلام. ويحجم البابا عن ركوب السيارات المصفحة أو الليموزين منذ توليه البابوية.
وفور دخوله القصر، الذي يشبه متاهة من المباني والحدائق والنوافير على مساحة نحو 150 فدانا، أجرى البابا محادثات خاصة مع ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد وقادة إماراتيين آخرين.
ودون البابا كلمات في كتاب الضيوف الخاص بالقصر داعيا الرب أن يمن على الإمارات “ببركات إلهية من السلام والتضامن الأخوي”.
وتعدّ هذه الزيارة هي الأولى للبابا فرنسيس إلى منطقة الخليج كما أنها المرة الأولى التي تتزامن فيها زيارة بابوية لأي دولة في العالم مع زيارة أخرى لشيخ الأزهر.
وتوجد ثماني كنائس كاثوليكية في دولة الإمارات، بينما توجد أربع أخرى في الكويت ومثلها في سلطنة عمان واليمن، وواحدة في البحرين، وأخرى في قطر، بينما لا توجد كنائس بالسعودية.
ويترأس البابا قداسا في مدينة زايد الرياضية اليوم، بمشاركة أكثر من 135 ألف شخص من المقيمين في الإمارات ومن خارجها. ومن المتوقع أن يكون هذا القداس أحد أكبر التجمعات في تاريخ دولة الإمارات.
وتعكس الزيارة المكانة التي باتت تحتلها دولة الإمارات عالميا، والثقة الدولية في قدرتها على التأثير وتقديم النموذج الأكثر اتزانا والذي يمكن أن يحل محل الأطروحات التي شكلت معولا للهدم في المنطقة وامتد تأثيرها إلى العالم خلال العقدين الأخيرين.
للمزيد:
تفاؤل مسيحيي لبنان بزيارة البابا فرنسيس إلى الإمارات