زيادة تكاليف الطاقة تضع تركيا تحت ضغط رفع الأسعار

تتصاعد تحذيرات أوساط الصناعة في تركيا من دخول القطاع في دائرة الركود ما يقوض القدرة التنافسية للشركات، في حال زادت الأسعار نتيجة الضغوط التي تواجهها الحكومة، بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة، والتي قد تدفع بوتاش المورد الرئيسي للنفط والغاز بالبلاد إلى تعديل خططه لتقليص الخسائر.
أنقرة – تواجه شركة بوتاش التركية الحكومية المستوردة للطاقة ضغوطا لتبني المزيد من الرفع في الأسعار، نتيجة ارتفاع تكاليف الطاقة عالميا في وقت تتزايد فيه خسائرها.
وهذه الخطوة تأتي في وقت تشكو فيه شركات قطاع الصناعة من أن زيادة الأسعار في الآونة الأخيرة ستهدد نشاطها وستراكم الكثير من التحديات التي هي في غنى عنها، خاصة وأنها لا تزال تعاني من تبعات أزمة كورونا.
وبينما كانت تركيا كما هو الحال في بقية دول العالم تسعى إلى الابتعاد عن تأثيرات الجائحة، تسببت الحرب الروسية – الأوكرانية في جعل أسعار الطاقة، وخاصة النفط الخام والغاز المسال، تحلق إلى مستويات قياسية، مما انعكس على الأسعار وتكاليف الإنتاج والشحن.
ويقول مسؤولون إن شركة تشغيل خطوط الأنابيب والتجارة احتاجت 100 مليار ليرة (6.8 مليار دولار) في العام الماضي من وزارة الخزانة لتغطية عجزها، وتتسارع وتيرة الخسارة منذ أواخر فبراير 2022 الذي تسبب في زيادة أسعار الطاقة.
16.6
مليار دولار تكلفة واردات الطاقة في يناير وفبراير الماضيين أي أنها تضاعفت بمقارنة سنوية
ويشكل ذلك ضمن عدة تحديات للسلطات في تركيا، التي تستورد كافة احتياجاتها تقريبا من الطاقة، وهو ما يجعلها عرضة لتداعيات التقلبات الكبيرة في الأسعار مع كل أزمة تطرأ في الأسواق العالمية.
واشترت بوتاش مليارات الدولارات من البنك المركزي التركي لتغطية مشترياتها، الأمر الذي تسبب في تآكل احتياطيات النقد الأجنبي المنخفضة بالفعل، كما تتسبب مدفوعات وزارة الخزانة للشركة في زيادة عجز الميزانية العامة.
وبلغ إجمالي الاحتياطيات النقدية لدى المركزي، باستثناء حيازات الذهب، نحو 67 مليار دولار في بداية أبريل الجاري، بانخفاض 7.9 في المئة عن المستوى المسجل نهاية العام الماضي.
وتظهر البيانات الرسمية أن بوتاش وغيرها من الكيانات الحكومية اشترت في فبراير الماضي وحده بما قيمته 5.37 مليار دولار من النقد الأجنبي من المركزي.
وفي مارس الماضي اضطرت شركة الطاقة الحكومية إلى زيادة أسعار الغاز للمصانع بنحو 50 في المئة وللمنازل بنسبة 35 في المئة، بعد أن وصل السعر المرجعي الأوروبي إلى مستويات هي الأعلى منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، ليقترب من 195 يورو للميغاواط/ساعة.
وذكرت بوتاش، وهي المستورد الرئيسي للطاقة بالبلاد، حينها إن “أسعار الغاز الطبيعي المستخدم لتوليد الكهرباء ستزيد بنسبة 44.3 في المئة اعتبارا من مطلع أبريل 2022”.
وتسبب هبوط قيمة العملة في زيادة تكلفة الغذاء والوقود وأثار مخاوف من تأثيره الأوسع نطاقا على اقتصاد البلاد وقطاعها المصرفي. ويخشى خبراء بشكل خاص من إخفاق المركزي في السيطرة على معدل التضخم.
وزاد الانخفاض في قيمة الليرة بعد سلسلة من التخفيضات في أسعار الفائدة من المركزي، والتي تبلغ حاليا 14 في المئة بعدما كانت عند 19 في المئة بنهاية أكتوبر الماضي، وهو أمر سعى إليه الرئيس رجب طيب أردوغان منذ فترة طويلة.
ويقول خبراء إن هذه التفاعلات قد تضر أي زيادة في الأسعار تطبقها بوتاش على قطاع الصناعة، ما يعيق مسعى الحكومة لتحقيق نمو اقتصادي قائم على التصدير، فضلا عن استمرار زيادة التضخم الذي تجاوز 60 في المئة.

وقال أربعة من رجال الصناعة يمثلون بعض القطاعات الأكثر استهلاكا للغاز والكهرباء، مثل الصلب والسيراميك والأسمنت، لرويترز إن زيادة التكاليف قد تؤدي إلى زيادة أسعار منتجاتهم.
ووفقا لحسابات رويترز، فإنه منذ نهاية 2020 رفعت بوتاش سعر الغاز الطبيعي للقطاع الصناعي 568 في المئة بالليرة، وهذا يعكس انخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار بواقع 49 في المئة في تلك الفترة، إضافة إلى ارتفاع أسعار الطاقة عالميا.
وتضاعفت تكلفة واردات الطاقة التركية في يناير وفبراير الماضيين على أساس سنوي لتبلغ قرابة 16.6 مليار دولار، وهو ما ساهم في ارتفاع العجز التجاري التركي إلى 135 في المئة.
وسجلت الميزانية التركية بنهاية الشهر الماضي عجزا بقيمة 69 مليار ليرة (4.7 مليار دولار)، مقارنة مع 1.63 مليار دولار على أساس سنوي، بعد أن فاقت قيمة النفقات الحصيلة الضريبية لشهرين متتاليين.
وزادت النفقات، باستثناء تكاليف سداد الفوائد، بنسبة سنوية بلغت 104 في المئة لتصل إلى 13.5 مليار دولار، مدفوعة بقفزة نسبتها 86 في المئة في التحويلات الجارية، وزيادة بنسبة تتجاوز الواحد في المئة في حجم الاقتراض. وكانت الحكومة قد خصصت في مارس الماضي نحو 2.7 مليار دولار في صورة قروض وتحويلات جارية إلى شركة بوتاس.
وصاحب ارتفاع إجمالي النفقات الحكومية بنسبة 102.3 في المئة لتصل إلى نحو 13.4 مليار دولار، ارتفاع العائدات الشهر الماضي بنسبة 15.6 في المئة بمقارنة سنوية لتصل إلى 10.7 مليار دولار. ولكن المهتمين بالشأن الاقتصادي التركي يعتقدون أنها تمثل تراجعا بالقيم الفعلية عند تعديلها، مقابل معدل تضخم أسعار المستهلكين.
وفي خضم الضغوط الراهنة يطلب أصحاب الشركات في قطاع الصناعة دعما من الحكومة، يشمل خفض ضريبة القيمة المضافة التي تبلغ 18 في المئة، لمساعدتهم في مواجهة ارتفاع أسعار الغاز.
كما حذروا من أن أي رفع في المستقبل لأسعار الطاقة سينعكس على أسعار السلع وسيدفع التضخم إلى المزيد من الارتفاع، وسيحد من القدرة التنافسية للشركات التركية.