زيادة استثمارات المصريين متعلقة بتخفيف التشديد النقدي

ضغوط مكثفة من رجال الأعمال لحث صناع القرار النقدي على البدء في خفض أسعار الفائدة.
الاثنين 2024/12/16
التكاليف مرهقة، أليس كذلك؟

يتزايد إحباط رجال الأعمال في مصر من إصرار السلطات على عدم الدخول في دورة التيسير النقدي، والتي من المفترض أن تدعم إستراتيجية الدولة لإشراك القطاع الخاص في التنمية، وسط ضغوط من أصحاب الأعمال للنظر في هذه المسألة سريعا لتحريك عجلة الاستثمار بوتيرة أسرع.

القاهرة - يعيق استمرار تشديد السياسة النقدية في مصر ضخ رجال الأعمال المحليين استثمارات جديدة في السوق، في وقت تسابق فيه الحكومة الزمن لتشجيع القطاع الخاص وتحفيزه لقيادة التنمية جنبا إلى جنب مع القطاع العام وشركات الجيش. وتأتي محاولات السلطات في هذا الاتجاه لتجنب تكرار أزمة شُح الدولار، التي عانت منها البلاد في آخر سنتين قبل أن يجري حلها منذ تحرير سعر الصرف في مارس الماضي، وضخ استثمارات إماراتية وقروض من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي.

وتقبع مستويات أسعار الفائدة في أكبر بلد عربي من حيث تعداد السكان عند مستويات قياسية، حتى وصلت للاقتراض على الجنيه إلى 30 في المئة سنويا. ويبلغ عائد الإيداع 27.25 في المئة، وسعر الإقراض 28.25 في المئة لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي 27.75 في المئة. ومن المنتظر أن تعقد لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي اجتماعها التالي، والأخير لهذا العام، في منتصف الأسبوع المقبل.

وبدا الملياردير المصري نجيب ساويرس متذمرا من استمرار إبقاء بلاده على أسعار الفائدة عند أعلى مستوياتها التاريخية في أعقاب خفض الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) الفائدة بنقطة مئوية كاملة على الدولار.

ورهن “تشجيع الاستثمار” في البلاد بخفض الفائدة على الجنيه مع الحفاظ على مرونة سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية. وقال “لا يصح أن نبقي على سعر الفائدة على الجنيه قرب 30 في المئة، هذا يتسبب في تآكل النمو الذي يحققه القطاع الخاص، لا يوجد مشروع استثماري سيكسب أكثر من هذه الفائدة الكبيرة.”

ويرى ساويرس أن ارتفاع الفائدة يضر بالاستثمارات إذ يفضل الكثير إيداع أموالهم في القطاع المصرفي للاستفادة من العوائد المرتفعة دون أي مجهود او استثمار حقيقي على الأرض. وأوضح بالقول “أنا كمستثمر عندما أقترض بفائدة تصل إلى نحو 30 في المئة ومع انخفاض قيمة الجنيه أجد نفسي بنهاية العام خاسرا رغم تحقيقي أرباحا دفترية بالعملة المحلية.”

وأضاف “لا تؤثر الفائدة المرتفعة على تراجع الاستثمارات فحسب، بل قد تساهم أيضا في ارتفاع أسعار المنتجات.” وتابع “المستثمر قد يضطر إلى تسعير منتجه بربح يناهز 50 في المئة ليتخطى سعر الفائدة الحالي.” ويشدد الملياردير المصري في الوقت ذاته على صعوبة خفض البنك المركزي أسعار الفائدة في ظل ارتفاع التضخم، مشيرا إلى أن المستفيد من الأوضاع الحالية في مصر “من يدشن مشروعا بعوائد دولارية مثل السياحة أو القطاعات المصدرة.”

وتباطأت وتيرة التضخم في مدن السوق المحلية لتسجل أدنى مستوى لها منذ نهاية 2022 في نوفمبر عند 25.5 في المئة على أساس سنوي، مقارنة مع 26.5 في المئة في أكتوبر، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادرة الثلاثاء الماضي.

ويأتي تباطؤ مؤشر أسعار الاستهلاك، الذي كان نتيجة تداعيات اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا مطلع 2022، بينما يتواصل ارتفاع أسعار الخدمات. واضطرت شركات الاتصالات الأربع العاملة في البلاد إلى زيادة الأسعار بنحو 31 في المئة للإنترنت المنزلي و32 في المئة لكروت الشحن، منذ الجمعة الماضي.

ويقول هاني برزي رئيس شركة إيديتا للصناعات الغذائية التي قررت تخفيض استثماراتها في العام المقبل، إن سعر الفائدة الحالي في بلاده بات “يشكل عبئا على التوسعات وضخ الاستثمارات الجديدة.” وأوضح أن متوسط كلفة خط الإنتاج الواحد يكلف شركته ما بين 8.4 و10.5 مليون دولار بخلاف تكاليف أخرى فرعية، لذا فإن الحصول على قروض لتمويل أي توسعات في ظل أسعار الفائدة المرتفعة هذه أصبح صعبا للغاية.

ويتفق محمد الدماطي، نائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة دومتي للصناعات الغذائية، مع برزي على أن الفائدة المرتفعة تؤثر على أعمال الشركات. وقال “لن يدخل لنا استثمار خاصة في القطاع الصناعي في ظل معدلات تصل إلى 30 في المئة.” ويطالب الدماطي حكومة بلاده بطرح مبادرات للشركات الصناعية للاقتراض بأحجام كبيرة بفائدة أقل من السوق، في إشارة إلى سداد الحكومة فارق سعر الفائدة.

وكانت وزارة المالية قد أعلنت أبريل الماضي، أنه ستجرى إتاحة 120 مليار جنيه (3.84 مليار دولار) كتمويلات ميسرة لأنشطة الإنتاج الزراعي والصناعي بفائدة لا تزيد عن 15 في المئة ضمن مبادرة دعم القطاعات الإنتاجية، لكن لم يتم تفعيلها حتى الآن.

◙ استمرار تشديد السياسة النقدية في مصر يعيق ضخ رجال الأعمال المحليين استثمارات جديدة في السوق

وطلب رئيس الوزراء مصطفى مدبولي من وزارة المالية والبنك المركزي في أغسطس الماضي تجديد المبادرة. ودفعت تداعيات التضخم المرتفع الدماطي إلى الكشف في تصريحات لبلومبيرغ الشرق عن دراسة شركته التوسع المباشر في أحد الأسواق العربية بإنشاء مصنع للمرة الأولى خارج البلاد. وعزا تلك الخطوة إلى “البحث عن زيادة المواد الدولارية”، وتوقعات ظهور أثر انخفاض القوة الشرائية للمصريين خلال المرحة المقبلة.

وتمرّ مصر البالغ عدد سكانها 107 ملايين نسمة حاليا بأسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها، خاصة مع تراجع عائدات قناة السويس بسبب هجمات الحوثيين على سفن في البحر الأحمر وخليج عدن على وقع الحرب في قطاع غزة.

وتعتقد عبير لهيطة، العضو المنتدب للشركة المصرية لخدمات النقل إيجترانس، أن الوقت حان ليتجه البنك المركزي لخفض أسعار الفائدة، مشيرة إلى أنها تتوقع خفضها خلال الربع الأول أو الثاني من العام المقبل. والموقف ذاته يتبناه الرئيس التنفيذي لمجموعة إي.أف.جي القابضة كريم عوض، والذي يرى أن سعر الفائدة الحالي في مصر مشكلة تواجه الاستثمار سواء المباشر أو غير المباشر.

لكنه يقول إن البنك المركزي المصري في الوقت ذاته ليس أمامه سوى تشديد السياسة النقدية لمواجهة التضخم المرتفع. ويتوقع الرئيس التنفيذي لأكبر بنك استثمار في مصر انخفاض الفائدة في بلاده خلال الربع الأول من 2025 وهو “ما سيحرك القطاع الخاص ويزيد استثماراته مع عودة الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى البلاد بشكل أفضل.”

11