زيادات متتالية في أسعار الوقود تولّد غضبا مكتوما في مصر

تسيطر على الشارع المصري حالة من عدم الرضاء نتيجة توالي ارتفاعات أسعار المحروقات، في ظل خشية من تحول الغضب المكتوم إلى إحباط يصعب التنبؤ بمآلاته، ويستوجب من الحكومة التعامل معه.
القاهرة - استقبل الرأي العام في مصر قرار الحكومة بزيادة أسعار المحروقات للمرة الثالثة هذا العام بحالة من القلق ظهرت ملامحها على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل المواصلات العامة بعد الإعلان، الجمعة، عن زيادة جديدة فجأة.
ويشير الاستياء إلى أن الإقدام على تمرير المزيد من الإجراءات الصعبة قد يكون في مواجهة غضب ليس معروفا، إذا كان سيظل مكتوما أم تترتب عليه مشكلات مجتمعية، الأمر الذي يفرض التعامل مع قرارات خفض الدعم بأساليب وأدوات مختلفة.
وقررت الحكومة المصرية رفع جميع أنواع البنزين والسولار والمازوت الصناعي بنسب تتراوح بين 7.7 في المئة إلى 17 في المئة، وفق بيانات لجنة التسعير التلقائي المعنية بمراجعة وتحديد الأسعار، والتي أرجعت سبب الزيادة إلى تقليل الفجوة بين أسعار بيع المنتجات البترولية وتكاليفها الإنتاجية والاستيرادية المرتفعة.
وأكدت الحكومة عبر بيان لجنة التسعير أنها لا تنوي رفع الأسعار بصفة دورية كل ثلاثة أشهر، كما هو معتاد منذ بدأت تطبيق آلية تسعير تلقائي على عدد من المنتجات البترولية عام 2019، وأن جلستها المقبلة ستكون بعد ستة أشهر، ما يبرهن على خشيتها من ردود أفعال قد تتصاعد مع كل مرة تقرر فيها زيادة الأسعار.
ويرى مراقبون أن التعويل على صبر المصريين لن يكون رشيداً لأن مضاعفة الأعباء على شرائح تماشت مع أوضاع الاقتصاد الصعبة سيقود إلى إحباط يصعب التنبؤ بمآلاته، وأن الشعور العام بالضيق يجعل الحكومة في حاجة إلى تقديم تطمينات تجعل الناس قادرين على التحمل، وهو أمر ليس سهلا مع طول أمد فترات الإصلاح الاقتصادي الذي بدأ أواخر 2016، وتخلّي الحكومة عن دعم الكثير من الخدمات.
وتضع الحكومة المصرية في اعتبارها أنها تقدم حزمة مساعدات اجتماعية للفقراء دون مراعاة الضغوط التي تعانيها الشريحة التي انزلقت إلى خط الفقر، وينعكس ذلك على معدل رفع أسعار الوقود الذي يؤثّر مباشرة على حياة الناس اليومية.
ووجدت الحكومة نفسها أمام خيارات صعبة، بين التخلي عن توصيات صندوق النقد الدولي والدخول في أزمات شح العملة وتأثيرها على الاقتصاد وبين الاتجاه نحو المزيد من الانسحاب في دعم الخدمات العامة أملاً في الخروج من النفق الحالي.
وبلغت نسبة زيادة لتر بنزين “80” الأقل جودة بنسبة 12.2 في المئة، فيما شهد السولار الذي كانت الحكومة تتردد في الاقتراب منه لارتباطه بوسائل النقل العامة الزيادة الأكبر بين باقي المحروقات ووصل إلى 17 في المئة، كما زاد سعر بيع لتر الكيروسين متعدد الاستخدامات بنفس النسبة والقيمة.
وقال رئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع اليساري بالبرلمان المصري عاطف مغاوري إن الشارع المصري تسيطر عليه حالة من عدم الرضاء نتيجة توالي ارتفاعات أسعار المحروقات، خاصة وأنها ليس لها سقف، واعتادت الحكومة بين حين وآخر أن تقدم على اتخاذ إجراءات رفع الدعم أو تخفيض قيمة العملة ليل الخميس الذي يلقبه البعض بـ”الخميس الأسود”.
وأضاف لـ”العرب” هناك إدراك شعبي أن الحكومة تبحث عن فرصة لرفع الأسعار لتمريرها، لكن الوضع الراهن ربما يفضي ليسود تنازع بين المواطنين جراء صعوبة الأوضاع المعيشية.
وأوضح أن الكثير من القوى السياسية حذرت من خطورة الانصياع الكامل لصندوق النقد، لأن بعض التجارب العالمية أثبتت فشلها مع استجابتها لوصفة الإصلاح التي يمنحها، وقادت في النهاية إلى مشكلات واضطرابات اجتماعية وإفقار للدولة والمواطنين.
وشدد على أن مراعاة البعد الاجتماعي لا بد أن يكون حاضراً في صدارة المشهد، وأن المصريين عاشوا في السنوات الماضية ما يوصف بـ”اقتصاد الحرب” دون أن يخوضوا حربا مباشرة وتحملوا الإجراءات الصعبة، في وقت يعد الحفاظ على الاستقرار المجتمعي أمرا يتوافق عليه الجميع، وعلى الحكومة تقديم المساعدة كي يتحمل المواطنون أعباء الحياة.
وكان من المقرر أن يقوم صندوق النقد بالمراجعة الرابعة لبرنامجه مع مصر، مطلع أكتوبر الجاري، غير أنه جرى الإرجاء للمرة الثانية ليتم في نوفمبر المقبل.
وربط البعض من المراقبين بين التأجيل وانتظار قدرة الحكومة على تمرير قرارات رفع أسعار الوقود، حيث لدى الحكومة رغبة لإتمام المراجعة، لأن المبلغ المرتبط بهذه المراجعة يبلغ 1.3 مليار دولار.
وتضع الحكومة المصرية في اعتبارها أن صندوق النقد وافق مؤخرا على تخفيف بعض الشروط بشأن تقديم حزمة الدعم المالي البالغة 8 مليارات دولار، بما في ذلك السماح بالمزيد من الوقت لتنفيذ الإصلاحات، وتأجيل نشر عمليات التدقيق السنوية على الحسابات المالية التي يصدرها الجهاز المركزي للمحاسبات حتى نهاية نوفمبر، بدلاً من الموعد الأصلي في نهاية مارس، لكن الصندوق طالب بـ”التزام حازم” برفع أسعار الوقود إلى “مستويات استرداد التكلفة” بحلول نهاية عام 2025.
وأكد مقرر لجنة الدين العام بالحوار الوطني وعضو المجلس الرئاسي لحزب المحافظين طلعت خليل أن الحكومة اختارت الاستجابة لمطالب الصندوق، وتركت الشارع يغضب، وترى أنه طالما ليس هناك حراك شعبي ضد قراراتها، فإن ذلك يجعلها تمضي في طريقها، مع أن الوضع الراهن في حاجة إلى تقييم حقيقي لأوضاع المواطنين من خلال أدوات قياس الرأي العام لتأمين المجتمع.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن دوائر عدة تخشى عدم قدرة المواطنين على التحمل، في ظل الأوضاع الإقليمية الصعبة التي تجعل هناك حاجة للتعامل بالمزيد من المسؤولية السياسية مع التطورات الداخلية، وهناك إدراك بأن أيّ قلق ليس في صالح الحكومة أو المعارضة أو المواطنين جميعا، وبالتالي فإن البحث عن سبل للخروج عن دوامة صندوق النقد واشتراطاته أمر مطلوب وضروري الفترة المقبلة.
وكانت الحكومة المصرية وصندوق النقد اتفقا عام 2022 على حزمة تمويلية، ثم عاد الصندوق بعدها وأرجأ صرف الدفعات عدة مرات بسبب عدم الوفاء بالشروط المطلوبة، ومن بين هذه الشروط ضرورة الالتزام بمرونة سعر الصرف، قبل أن توقع الحكومة اتفاقا جديدا هذا العام وتمضي نحو الالتزام بتوجهات الصندوق حتى الآن.
ومهد رئيس الحكومة مصطفى مدبولي في يوليو الماضي للزيادات الحالية، مشيرا إلى أن أسعار المنتجات البترولية سوف ترتفع تدريجيا حتى نهاية العام المقبل، وأن الحكومة غير قادرة على تحمل عبء الدعم على الوقود مع زيادة الاستهلاك.