زورق "الإطار" الطافي فوق بحيرة الصدر وريح المالكي

الخلاف بين القوى السياسية دائما ما يدور حول المناصب، خصوصاً المناصب التنفيذية في الدولة العراقية ليتبع ذلك صراع مخفي آخر يستخدم مقشة التسقيط وسحب البساط من تحت أقدام الحزب الحاكم.
الثلاثاء 2023/06/27
انسحابه ترك مساحة للإطار التنسيقي

يدور حديث في الأوساط الإعلامية، عن صراع يصل إلى حد الخلاف، بين قوى “الإطار التنسيقي”، الموالية معظم مكوِّناته لطهران، حول موعد الانتخابات المقرَّرَة من قبل مجلس الوزراء لتأجيله إلى العام المقبل.

بعضٌ من القياديين في “الإطار” يفضلون عبارة اختلاف، بدلاً من خلاف، كون صراعهم لم يصل إلى ذاك المستوى. ما يهمنا هنا تقديم إجابة للسؤالين التاليين: لماذا محاولات التأجيل هذه؟ وهل الصراع فعلاً من مصلحة البلد؟

لا شك أن الخلاف بين القوى السياسية دائما ما يدور حول المناصب، خصوصاً المناصب التنفيذية في الدولة العراقية، ليتبع ذلك صراع مخفي آخر يستخدم مقشة التسقيط، وسحب البساط من تحت أقدام الحزب الحاكم للمنصب. ونادراً ما نجد إجراءات تُتخذ بصدد حفلة التنظيف، بعد أن ينتهي المسؤول من تلويث وعي المواطن بغبار ملفات الفساد. والنتيجة في الواقع العراقي انتهاء كل شيء وسيادة الصمت!

حفلة المقشة وملفات الفساد، تستطيع أن تساعدنا، في فهم موضوع انتخابات مجالس المحافظات المزمعة في ديسمبر القادم. لنبدأ بتركيز النظر، من أُفق استعدادات القوى السياسية لها، حيثُ نجد وجوب تفكيك شفرة قوَّة مجالس المحافظات على حساب قوة البرلمان.

المفترض، أنَّ الثاني هو بوابة التشريع وسن القوانين، لكن مجالس المحافظات رغم طابعها التشريعي المُصغَّر، لديها العضلات التنفيذية الأكبر في جسد المحافظات. تتضحُ تلك العضلات التنفيذية مع رسوّ التخصيص المالي عند مرافئ الإدارة المحلية، وهنا تمكن أهمية مجالس المحافظات بالنسبة إلى القوى السياسية.

لا شك أن الخلاف بين القوى السياسية دائما ما يدور حول المناصب، خصوصاً المناصب التنفيذية في الدولة العراقية، ليتبع ذلك صراع مخفي آخر يستخدم مقشة التسقيط، وسحب البساط من تحت أقدام الحزب الحاكم للمنصب

هدف إقامة الانتخابات يتمثل بإعادة تقسيم السلطة، وسحب يد الحزب الذي يملك مرجعية المحافظ.

هناك أيضاً سؤال مهم آخر: هل سنشهد صراعاً حقيقياً حول مقاعد مجالس المحافظات أم أن ذلك مجرد “شو” سياسي تفرضه الأحزاب التقليدية لإيهام القواعد الشعبية والمنافسة بوجود خلاف؟

خارطة الانتخابات المحلية المقبلة ستفرض واقعاً سياسياً مختلفاً عن عام 2021، بل قد يكون على النقيض من عام 2003، ويتمثل في عميلة إزاحة. هذه الإزاحة ستكون إمّا أفقيه، أي استئصال نفوذ الأحزاب الحاكمة، وإمّا ستكون عمودية، أي استهداف شخصيات تتمتع بنفوذ كبير في السلطة.

الدور الخارجي ستكون له أهمية كُبرى، في تحديد مرات استخدام الإزاحة الأفقية والعمودية، لكي يفرض إرادته على المستوى السياسي، ويضمن مرونة استخدامه للفرقاء السياسيين، كأوراق “الكوتشينة”، وضمان قوَّة فريقه المحلي على الآخر.

بوصلة الفقرة السابقة، فيها مؤشِّران لا غير، واشنطن وطهران. ولكن لنقُم بإزالة غبار التجارب السابقة، ونتحدث عن اللحظة الحاضرة. بعد فشل إيران – كما يبدو – من جمع كلمة “الشيعة”، وإعادة لحمتهم، لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية؛ فإن ورقة الشيعة السياسية باتت ضاغطة، لعودة الأمور إلى ما قبل ثورة تشرين.

الاعتزال السياسي لزعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، وتجميده للتيار الصدري، ترك مساحة هيأت لقوى الإطار التنسيقي الدخول في منافسة سياسية للاستحواذ على السلطة والنفوذ. هذا سبب تراجع قوى على حساب قوى أخرى. مثلاً، رئيس ائتلاف الفتح، هادي العامري، بدأ يفقد قوته وتأثيره داخل الإطار، على الرغم من أنه ما زال يتمتع بتأثير سياسي واسع على الكرد والسنة؛ فاجتماعاته معهم قُبيل التصويت على الموازنة، حققت انفراجة لأزمة كادت تعصف بتحالف إدارة الدولة، وأعطت مؤشراً مخالفاً لما يحدث الآن داخل الإطار وخلافاته مع زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي.

هنا بات من الضروري التنبيه على نقطة مهمة، تتلخص بدفاع بعض قياديي الإطار عن توصيف “الخلاف باختلاف”، لتخفيف لون الأزمة وشدة قتامتها؛ التي ربما ستشهد تأزماً كبيراً قبل إجراء الانتخابات المحلية، وحتى ما بعد فرز نتائجها.

النقطة الأبرز، موقف الإطار من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وهل ما زالت بعض القوى تعتبره جزءا منها أم أنه فضَّل العمل على توسيع حزبه (الفراتين) وتقويته لبناء ركيزة سياسية “شيعية” مختلفة عن الواقع السياسي ما بعد 2003؟ خصوصاً وأن الانفتاح العربي؛ الذي قاده رئيس الوزراء السابق، مصطفى الكاظمي، حصد السوداني ثماره، وأخذ يعطي مؤشرات جديدة، تؤكد أن القادم سيكون مغايراً ومختلفاً، لكن اختلافه لا يمثل الطموح الشعبي نحو الإزاحة التامة.. لا أفقياً ولا عمودياً.

9