"زواج بطعم البتكوين"

في عصر الاقتصاد الرقمي، لا صوت يعلو فوق صوت الصفقات وحساب الأرباح والخسائر، لكن يبدو أن الزواج المغربي قد دخل سوقًا جديدة، غلافها مدونة الأسرة وجوهرها زواج بطعم البتكوين، علاقة يفترض أن تكون سامية ومبنية على المحبة والتفاهم، تحولت تدريجيًا إلى عملية تجارية تُدار بمنطق المصلحة الاقتصادية، وتصب أرباحها في جيوب المؤسسات الحكومية قبل جيوب النساء، بينما يتحمل المواطن البسيط عبء تكاليفها الاجتماعية والنفسي.
أصبح الزواج الذي كان يومًا رمزًا لبناء الأسرة وتقوية المجتمع، أشبه بعقد اقتصادي يتم توقيعه بشروط معقدة ومتشابكة تتداخل فيها أصابع البنك الدولي ومنظمة سيداو، لتتحول تكاليف الزواج التي كانت مجرد خطوة للاحتفال بالرباط المقدس، إلى عبء يثقل كاهل الزوجين منذ اليوم الأول؛ النساء يصفقن للقانون الجديد والرجال يرفعون شعار “اَنْجِبي بالذكاء الاصطناعي وخلي البتكوين تتكلف بمصاريفه”، من المهور المرتفعة إلى حفلات الزفاف الفاخرة، ولكن الكارثة الحقيقية تبدأ عندما تدخل النزاعات الزوجية إلى المحاكم، حيث يُعاد تعريف العلاقة بين الزوجين وفقًا لقوانين جامدة تقسم الحقوق والواجبات بطريقة تخلق صراعات لا تنتهي، والمستفيد الوحيد القضاة وهيئة المحامين.
والمفارقة العجيبة أن هذه القوانين، التي يروج لها على أنها وسيلة لتحقيق العدالة والمساواة بين الرجل والمرأة، أصبحت في الواقع وسيلة لتفكيك الأسرة المغربية، فالرجل الذي كان يُعتبر عماد الأسرة، أصبح اليوم يواجه قوانين تجعله في موضع الاتهام الدائم، بينما تجد المرأة نفسها مضطرة لخوض معارك قانونية للحصول على حقوقها، وهو ما يخلق احتقانًا متزايدًا بين الطرفين، لكن لا أحد منهما انتبه إلى إحصائيات تراجع عدد أفراد الأسر، وقلة الخصوبة، وارتفاع نسبة الشيخوخة. ومع بلوغ البطالة 21 في المئة، وهو معدل لم يُسجل حتى في زمن الكساد العالمي، يستمر التطبيل والتهليل حول خرافة المساواة، بينما مستقبل النسل المغربي مهدد بالشتات والضياع ثم الانقراض.
لكن المشكلة الأكبر تكمن في تأثير هذا النهج على بنية الأسرة المغربية ككل، فالتوجه الحالي يسعى لتقليص عدد الأطفال والأفراد في الأسرة، تحت ذريعة التنظيم الأسري، ولكن الحقيقة أنه مجرد محاولة للسيطرة على المجتمع من خلال تفكيك الروابط العائلية، لأن الأسرة الكبيرة التي كانت يومًا رمزًا للقوة والتماسك أصبحت اليوم هدفًا للتقليص، وكأن المجتمع سيزدهر فقط عندما يتحول إلى أفراد معزولين يدورون في فلك المؤسسات.
وما يحدث هو نتيجة لسياسات مقصودة تهدف إلى إعادة صياغة العلاقات الاجتماعية وفقًا لأجندات اقتصادية ومؤسساتية. فالمؤسسات التي تُشرف على هذه العملية، لا تخفي استفادتها من الرسوم والغرامات والإجراءات الطويلة التي تُفرض على الأزواج. فالنزاع الزوجي يعني المزيد من الأرباح لهذه المؤسسات، بينما المواطن العادي يغرق في الديون والإرهاق النفسي. وإذا استمرت الأمور على هذا المنوال، فسنظل ندور في دائرة مفرغة من الصراعات والنزاعات، بينما ينهار المجتمع تدريجيًا تحت وطأة هذه السياسات، فزواج البتكوين الذي يُسوق على أنه حل عصري، ليس سوى وسيلة لتفكيك الروابط الاجتماعية وتحويل المواطن إلى مجرّد رقم في معادلة اقتصادية.
ويعتبر شعار “الرجال ضد المرأة: أنجبي بالذكاء الاصطناعي ودعي عملة البتكوين تنفق عليه” فكرة تعكس المستقبل الذي يُحاك ضد المجتمع المترابط الذي تتميز به العائلات الكبيرة، حيث يكون الجد والجدة على رأسها، بالإضافة إلى الأعمام، والأخوال، والإخوة، وأبناء الإخوة، وهلمّ جرّا.