زمان الوصل في الأندلس

كان الروائي مارسيل بروست قد كتب روايته "البحث عن الزمن الضائع" في عشرينات القرن العشرين من أجل أن يخلّد زمنا عاشه بعد أن استخرج منه الكثير من آيات الجمال.
عاد إلى ذلك الزمن في أكثر من مليون كلمة ضمتها روايته التي يعتقد بعض نقاد الأدب أنها الرواية الأفضل في التاريخ البشري.
لم يحتج بروست إلى "آلة الزمن" التي اخترعها الدوس هكسلي في روايته الشهيرة التي كانت القاعدة التي انطلق منها أدب الخيال العلمي.
العودة بالزمن إلى الوراء أو المضي به إلى الأمام هما فكرتان خياليتان تخالفان منطق الحياة إضافة إلى أن منطق الزمن لا يقبل بهما. فما حدث قد حدث وما لم يحدث فإنه لا يزال في طيّ الغيب.
لن يكون في إمكاننا أن نتلافى أخطاءنا التي ارتكبناها في الماضي. "لقد وقعت الفأس في الرأس" كما يُقال.
حدث ما حدث و"قل للزمان يرجع يا زمان" كما تقول أم كلثوم بشيء من الحسرة. ولكن لطالما دمعت أعيننا من أجل الزمن الجميل.
هل عشنا ذلك الزمن فعلا؟ ولماذا لم نحافظ عليه؟ وإذا كان الأمر كذلك فلمَ تتوعد أم كلثوم حبيبها وتقول له "حسيبك للزمن"؟ وهو ما يعني أن الزمن سيكون هو الحكم بيننا.
هل أُخترع الزمن ليكون حكما بين المتخاصمين أو يكون معلما لمَن لا يتعلم من الحياة؟ وبالعودة المجازية إلى نظرية أنشتاين يمكن القول إن الزمن هو الآخر نسبي.
يمر نهاره طويلا على مَن ينتظر يائسا فيما يقبض العاشقون على أيامه في لحظات الهناء كما لو أنها ثوان. "لقد مر العمر سريعا" يقول السعداء فيما يودع آخرون أحبتهم وهم يرددون "مر العمر ثقيلا عليهم قبل أن ينقذهم الموت السعيد".
تقول نجاة الصغيرة "لحظة دقيقة ثانية ثواني/ كلمة طب كلمة اسمعها على شاني" وتضيف "لو أن الزمان آخر فراقنا دقيقة واحدة كان يجرى إيه" دقيقة زائدة واحدة تعني غراما أكثر غير أن الزمن القطار الذي يغادر في موعده.
يُقال "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك" غير أن أحمد شوقي يقول على لسان فيروز في "يا جارة الوادي" "جُمع الزمان فكان يوم رضاك". وجارة الوادي هي زحلة، البلدة اللبنانية التي كان المصطافون العرب يشدون خيوط غروب شمسها بنسيج نهارها يوم كان لبنان يضحك بنضارة أشجار أرزه.
كان ذلك زمنا متفائلا هو جزء من الزمن الذي سال من بين أصابعنا ونحن نردّد بغصة "يا زمان الوصل في الأندلس".