زحف الكلاب

ظاهرة انتشار الكلاب الضالة باتت تؤرق الكثير من الناس أما السلطات الحكومية فيبدو أنها قررت التعايش مع تلك الكلاب.
الأحد 2023/01/22
الانطلاق في رحلة التمرد

إذا قادتك قدماك إلى أي مكان في دواخل تونس، فعليك أن تكون مستعدا لمواجهة قطعان الكلاب الضالة التي باتت تنتشر بشكل غير مسبوق على امتداد البلاد. في العاصمة والمدن الكبرى يمكنك أن تلاحظ اندماج الكلاب مع عامة الناس في الشوارع والساحات. قبل أسابيع شاهدت بعض الكلاب في مدخل وزارة الخارجية والبعض الآخر يتشمّس في الحديقة المقابلة لمبنى التلفزيون، وتلك المشاهد تتكرر على نطاق واسع أمام الكثير من المؤسسات حيث تنعم الكلاب بالحرية وبالأمان، وتشعر وكأنها تثأر لنفسها من عصور القهر والهوان.

زمن حظر التجوال الذي كانت الدولة تفرضه في سياق مكافحة جائحة كورونا، كانت الكلاب قد شهدت فترة ذهبية في علاقتها بالمحيط الاجتماعي. في أرقى الأحياء السكنية والإدارية كانت تتوسط الشوارع وتتحرك في الجادّات بسهولة وكأنها احتلت المدن فعلا أو ورثتها بعد فناء سكانها. وكانت أغلب تجمعات الكلاب تدور حول العلاقات العاطفية وتنافس الذكور على كسب ودّ الإناث في فترات الخصوبة، لينتج عنها لاحقا ظهور أجيال جديدة من الكلاب التي بدأت تكتسب جينات التحرر.

في منطقتي الريفية صرت أشاهد يوميا قطعان الكلاب وهي تتنقل بحرية بين الغابات والحقول وتتمرغ في المزارع كما يحلو لها. في بعض الأحيان تتفرق تلك القطعان للبحث عن موارد زرقها ثم تعود لتجتمع في مجالس أنسها، أما الليل فتقضيه وهي تنبح بنغمات وإيقاعات مختلفة وكأنها تتنافس على جائزة برنامج للهواة.

الغريب أن هناك كلابا سبقت إلى التشرد ومارست تجربتها الوجودية بشكل مثير، وأصبحت تمارس حياتها العاطفية بالكثير من السلاسة واليسر، كما أنها تجد غذاءها بسهولة في ظل تكدس الفضلات بسبب عجز البلديات عن رفع مكبات القمامة، ويبدو أن هذا الوضع أغرى كلابا كانت مربوطة في منازل مالكيها فتمردت وقطعت حبالها وسلاسلها لتنطلق في رحلة التمرد، وأصبح من الطبيعي أن ترى كلبا يجر حبله أو كلبة تجر سلسلتها المشدودة إلى عنقها وهما يركضان مع الكلاب السابقة في مسيرة التحرر من الأسر.

في العراق تتحدث الأرقام عن نصف مليون كلب متشرد بينما يقول مراقبون إن الرقم يتجاوز ذلك بكثير، والظاهرة باتت منتشرة في الأردن حيث تقول الحكومة إن هجمات الكلاب الضالة تكلفها سنويا خمسة ملايين دولار، وكذلك في ليبيا واليمن والمغرب وغيرها من الدول العربية التي تنشط فيها حركات حقوق الحيوان، وترتفع فيها أصوات المنادين باحترام الكلاب وبعدم قنصها أو المساس بحرماتها الجسدية.

ظاهرة انتشار الكلاب الضالة باتت تؤرق الكثير من الناس ممن يخشون على أنفسهم وعلى أطفالهم من نهشة عقور أو افتراسة جائع، أما السلطات الحكومية فيبدو أنها قررت التعايش مع تلك الكلاب، أو أنها أجّلت الحسم في القضية إلى موعد غير مسمّى، رغم أن مخاطر حقيقية بات يشكلها زحف الكلاب على مناطق العمران ومنها تسجيل وفيات في صفوف أفراد تعرضوا للعدوان المباشر من تلك الحيوانات السائبة.

المتابعون للظاهرة يرون أن المطلوب هو حصر الظاهرة وتوفير مراكز لإيواء الكلاب وتعقيمها للحؤول دون تناسلها وتشجيع الأهالي على رعاية تبني تلك الحيوانات واحتضانها كما هو الشأن في تركيا، كما يمكن للجمعيات والهياكل المتخصصة أن تتكفل بفتح قنوات مع الدول الغربية لفتح أبواب لهجرة بعض الكلاب المحظوظة لاسيما أن هناك تجارب سابقة حصلت قبل الربيع العربي من خلال التعاون بين منظمات المجتمع المدني، وأثبتت أن كلابنا الضالة والمشردة والسائبة سرعان ما تتحول إلى كلاب ذكية ومنضبطة ومحترمة ونظيفة وقابلة للتعلم والتدريب شريطة أن تجد الإطار الملائم لذلك وأن تحظى بالاحترام الذي تتوق إليه.

18