تفكرُ وحدكَ فتلغي سبع سموات من فرحٍ وجنونٍ وعشقٍ ووجدٍ وانفلاقٍ وتجلٍ وعواصف.. ولا تفكر بما قد يحلّ بي.. واقرّر وحدي أن أمتثلَ.. دون حتى أن أعرف سبباً يقنع قلبي بأنها النهاية.

حين زرت فنلندا لأول مرة وكنت اُلبي دعوة لحضور مهرجان شعري.. استلمت غرفتي في الفندق الصغير الجميل المطلّ على البحيرة.. ووجدتها ملأى بالشموع..

تدور الأفكار ببالي وأنا أستعرض كل من أعرف وأروح ألعب مع نفسي لعبة البحث عما يملكه صاحب الاسم أو صاحبته من حصة في اسمه..

تخلّت الدهشة عن ضفائر أحلامنا وأردَتْ عصافيرَ أرواحنا شهداءَ أو موتى وهم أحياء.. ولكلٍ منا قصة تصلح أن تحتضنها دفتا رواية من كتب الخيال العلمي.. والكل فينا خاسر.

نحن من نصنع أماكننا وبيوتنا بطريقة أو بأخرى.. حتى لو لم نكن نملك حق الاختيار.. فنحن نُلبسُ الأماكنَ ملامحنا بالتدريج بقصد أو بغير قصد..

في خضم لحظة يتيمة واحدة تتطرّفُ أمنياتي متأرجحة ما بين الأبيضِ والأسودِ.. وتجلسُ روحي متفرّجة على حروبها مكفوفة الشـفةِ مقموعة اللسان.

بقي الشباكُ والشرفة والرسائلُ المشفرة والمكتوبة لغة التواصل بين المحبّين حتى اخترع غراهام بيل الهاتف.. لتتوالى بعده الاكتشافات والاختراعات فتغدو ثورة تنصفُ العاشقين.

لمتى سنبقى نحب؟.. أفلن يشيخَ الحبُّ فينا حين تنشفُ عذوقُ الحياة؟”.. “بل نعشقُ.. مادامَ في الروحِ رمقٌ وفي الرئاتِ نفـَسٌ وفي البالِ فراشاتُ التمنـّي..

لسنواتٍ طوال.. صار الموت صديقي رغم أنفي!.. إلتقيته مراراً.. صرت أشمّ رائحته عن بعد.. واُحسّ دبيبَ قدميه قبيل وصوله إلي ..

قد تتكاثرُ خيوطُ الشيبِ حولَ قارعتي لتنسجَ حبلَ اختناقي.. لكن رفيفَ أجنحتي يبقى عصيَ القيدِ.. وتبقى مهرة روحي سارحة اللجام عاتية.

لا أذكرُ كيف ولماذا ومتى بدأتُ اُحبّ أن أقول ما بقلبي دون خوف.. وإذ كان يمنعني الخجل أحياناً.. كنت أجد من الشجاعة أن نتغلب على خوفنا وخجلنا فنعترف!

منذ عقود ونحن نحلم بأن نعاني ولو قليلا من المشاكل البسيطة التافهة والهموم اليومية الصغيرة.. لكن مشاكلنا أبتْ أن تقل يوما عن مستوى الكوارث والنكبات والأزمات الدولية!

تعافيتُ.. فما عادت تنتابني نوباتُ الصرعِ تحتَ سماءِ عينيكَ! ولا حالاتُ الهستيريا أمام شمسِ صوتك!.. ولا سوراتُ الهلوسة تحتَ فيءِ أصابعك!..

التعلق بالأمل صفة من صفات الحياة.. ونحن – أبناء الحياة – نبحث بقصد وبغير قصد عن سبب يجعل حيواتنا تستمر ولو لأبسط تفصيل..

حلقات طالت لتمتدّ شهورا وهي تنقلنا لعالم متخيّل من ترف يزّين أطراف ثوب التاريخ.. ولكنه في الواقع يحاكي حياتنا اليومية التي تزخر بتعليمات “الحريم.

كلهم رحلوا .. تقاسموا البلاد وتشتتوا في المنافي .. تفتتوا في الأصقاع .. باعدتـْهم اللغات وتبدّلت سحناتهم وصار أبناؤهم مهجّنين: يرطنون ولا ينتمون.

تسكنني صورة القطة الخائفة المتوجسة.. وأنا أجد نفسي وأسرتي ونحن نهيم بأرواحنا وأطفالنا ومتاعنا القليل من بيت لبيت ومن وطن لآخر.

لم أستوعب قوة الحزن فيك.. لم أع انها يمكن أن تكون أقوى من حبنا.. وبأنك مستعدٌ بكل طاقة يأسك على نسياني وتجاوز كل مابيننا بجرة صمت!