رياض محرز قصة محارب هاو جاء من بعيد فنال شرف العالمية

كثيرا ما تسقط الأقنعة وتنكشف طلاسم الأشياء بعد عملية بسيطة سهلة وليست معقدة كما يعتقد الكثيرون، شرطها الأساسي العمل والمثابرة ومضاعفة الجهد. ربّما يخيل للبعض أن الحديث هنا ذو نزعة سياسة أو شيء من هذا القبيل ولكن هو حكي بلغة كرة القدم، نعم كرة القدم، اللعبة التي طالما أنصفت أجيالا لا بل عمالقة ووضعتهم على درب العالمية ونقلتهم من حالة البزوغ إلى مناشدة النجومية وهم كثيرون.
علمتنا هذه الرياضة الجميلة طوال سنين مضت أن نتابع النجوم، نرسمهم في مخيلاتنا، نستمتع بعروضهم ونغوص في دروبهم، سواء من أوروبا وأفريقيا أو من المغاربة والعرب عموما، على غرار رابح ماجر وطارق ذياب وبادو الزاكي وكثيرين غيرهم.
مسيرة هاو
انطلقت مسيرة محرز في صفوف الفئات العمرية لنادي سارسيل الفرنسي قبل أن ينضم إلى نادي كويمبر الهاوي عام 2009. وانتقل في العام التالي إلى لوهافر ولعب في البداية مع الفريق الرديف ضمن الدرجة الثانية قبل أن تتم ترقيته إلى الفريق الأول وبعدها التوجه إلى ليستر سيتي في فترة الانتقالات الشتوية وتحديدا في يناير 2014.
تعرض محرز لصدمة قوية وهو في الـ15 من عمره، حيث توفي والده بسبب مضاعفات صحية بعد عملية جراحية على القلب، وقد صرّح محرز عن هذا الأمر في حديث لصحيفة الغارديان قائلا “لا أعلم ماذا حدث لي فعلا بعد وفاة والدي، ولكنّي شعرت بأن الأمور أصبحت جدية وبأن الحياة قصيرة ويجب أن أتقدم وأعمل بجهد حتى أصل إلى حلمي”.
النجم الجزائري سجل 17 هدفا هذا الموسم وصنع 11 هدفا آخر لينتزع الجائزة من منافسيه جيمي فاردي زميله في ليستر سيتي، وهاري كين هداف الدوري ومهاجم توتنهام هوتسبير
فبعد وفاة والده انتقل رياض إلى نادي كويمبر الذي يقبع في الدرجة الرابعة الفرنسية عام 2009 بتوصية من محمد كوليبالي مدربه في فترة الشباب، والذي قال إن “محرز لديه شخصية اللاعبين الكبار وهذا أهمّ من أيّ مهارة يحتاجها اللاعب”.
وفي بداية موسم 2013-2014 تم تصعيد محرز إلى الفريق الأول بنادي لوهافر وقدم مستوى مميزا مع الفريق الأول بتسجيله 6 أهداف في “الليغ 2”. ومع تألقه اللافت لنظر الأندية الأوروبية رحل عن فرنسا في يناير 2014 لينضم إلى نادي ليستر سيتي الإنكليزي الصاعد حديثا إلى البريميرليغ في خطوة انتقدها البعض بسبب تفضيله الرحيل عن فرنسا في ظل تواجد عروض من أندية فرنسية أكبر من ليستر مثل مارسيليا وموناكو وليل إلى جانب انتقاد بعض الإعلاميين لإعلانه الرغبة في اللعب لصالح الوطن الأم الجزائر حينها.
جولة من التشكيك
قبل قدوم محرز إلى إنكلترا تعرض للتشكيك حتى من أفراد عائلته وأصدقائه حول مدى قدرته على التأقلم مع القوة البدنية في إنكلترا. لكن نجاح محرز في الردّ على المشككين لم يكن الأول في مسيرته التي انطلقت مشاقها منذ الصغر.
|
وأضاف “كنت أملك ثقة في إمكانياتي ولذلك كنت دائما أشعر بالإيجابية. دائما ما كنت أملك هذه الموهبة، فهي موجودة لديّ منذ مولدي، ولذلك عملت فقط على تطويرها وسارت الأمور بشكل رائع”. وتابع “ربما كانت لديّ بعض الشكوك لكنها لم تستغرق أكثر من ثانية واحدة. لكن هذا ساعدني في بعض الأحيان وفي بداية الموسم عندما كان الكثيرون يقولون إن ليستر سيهبط وأنه كان محظوظا في العام الماضي بالبقاء في المسابقة”.
وواصل محرز قائلا “وما منحني المزيد من القوة والدوافع أيضا، هو قولهم إنه بطيء جدا، صغير جدا ونحيف جدا لكي يصبح لاعب كرة قدم محترفا”، فهذا كان رأي المشككين والنقاد في محرز، لكن كل ذلك لم يمنع المحارب الجزائري من أن يتوّج أفضل لاعب في الدوري الإنكليزي الممتاز في الحفل السنوي الذي أقامته رابطة اللاعبين المحترفين في إنكلترا، الاثنين الماضي. وبات محرز صانع ألعاب ليستر سيتي أول لاعب عربي وأفريقي ينال هذا الشرف وثاني لاعب غير أوروبي بعد الأوروغوياني لويس سواريز يتوج بهذه الجائزة.
ويعتبر محرز (24 عاما) أحد اللاعبين البارزين الذين ساهموا في جعل ليستر سيتي متصدرا للترتيب ومفاجأة الموسم. ونشأ محرز في ضواحي باريس الشمالية ويكشف أن المقربين منه نصحوه بعدم التوجه إلى الدوري الإنكليزي بل الانتقال إلى الدوري الأسباني، ويقول “الجميع كان يقول لي إن الدوري الإنكليزي لا يناسبك، فهو يعتمد على اللعب البدني كثيرا، الأفضل لك الانتقال إلى الدوري الأسباني”.
وكان النقاد يعتبرون أنه نحيف الجسم ولا يستطيع الصمود في مواجهة المدافعين الإنكليز من ذوي البنية الجسدية الهائلة، لكن محرز لم يتأثر بهذا الأمر مطلقا لأنه لم يدع الفرصة أمام المدافعين للاقتراب منه نظرا لبراعته في المراوغة.
|
فرحة التتويج
أعرب النجم الجزائري رياض محرز جناح فريق ليستر سيتي عن سعادته الكبيرة لحصوله على جائزة أفضل لاعب في الدوري الإنكليزي هذا الموسم. وقال محرز عقب تسلم الجائزة، في فيديو نشره على حسابه الرسمي على تويتر “فخور للغاية بتحقيق هذا الإنجاز، لا أجد ما يمكن أن أصف به سعادتي الكبيرة، ولكن المؤكد أنه لولا زملائي في ليستر سيتي، لما وصلت إلى هذه المكانة”.
وبسؤاله عن شعوره لكونه أول لاعب أفريقي يحرز الجائزة، رد اللاعب الدولي “معقول؟.. لا أعرف هذه المعلومة”، وتساءل “ألم يفز بها دروغبا أو يايا توريه؟”. وختم النجم الجزائري “بالطبع سعيد لكوني أول لاعب أفريقي يتوج بالجائزة، ولكني أول لاعب ولست أفضل من النجوم السابقين الذين ذكرتهم سواء يايا توريه أو دروغبا”.
يذكر أن النجم الجزائري سجّل 17 هدفا هذا الموسم وصنع 11 هدفا آخر لينتزع الجائزة من منافسيه جيمي فاردي زميله في ليستر سيتي، وهاري كين هداف الدوري ومهاجم توتنهام هوتسبير. وبكل تأكيد فإن مشوار هذا اللاعب الجزائري الطموح سيمثل رمزا ومثالا يحتذى بالنسبة إلى الكثيرين وخاصة للاعبين العرب.
وأشاد به زميله في ليستر حارس المرمى غاسبر شمايكل بقوله “إنه لاعب مثير جدا يجعل الجمهور يقف في كل مرة يقوم فيها بحركة فنية رائعة. إنه لاعب مهاري يجيد المراوغة وخلق الفرص بالإضافة إلى قدرته على التسجيل. إنه لاعب يحلم كل فريق بالحصول على خدماته”.
يذكر أن النجم البلجيكي إيدين هازارد صانع ألعاب تشيلسي كان قد فاز بهذه الجائزة العام الماضي، كما فاز ديلي آلي مهاجم توتنهام هوتسبير بجائزة أفضل لاعب شاب هذا الموسم. وأصبح محرز أول لاعب عربي وأفريقي ينال شرف الحصول على هذه الجائزة، حيث سبقه إليها نجوم كبار هم إيان راش (ليفربول) عام 1984، غاري لينيكر (إيفرتون) 1986، آلان شيرر (نيوكاسل) 1997، تييري هنري (أرسنال) 2003، كريستيانو رونالدو (مانشستر يونايتد) 2007، واين روني (مانشستر يونايتد) 2010، روبن فان بيرسي (أرسنال) عام 2012، غاريث بيل (توتنهام) 2013، ولويس سواريز (ليفربول) عام 2014.
كاتب من تونس